Menu

لماذا تشن إسرائيل حربًا عالميةً على حملة المقاطعة الدولية (BDS)؟!

نواف الزرو

 في إطار المشهد الصراعي الشامل ما بينها وبين الشعب العربي الفلسطيني، تفتح المؤسسة الإسرائيلية كل الجبهات الممكنة ضد الفلسطينيين، بهدف محاصرتهم وانهاء قضيتهم، من الجبهة العسكرية – الاستخباراتية وسياسات التطهير العرقي، إلى الجبهة السياسية، فالإعلامية، فالتراثية، فالاقتصادية، فالقانونية والأخلاقية، وكذلك الجبهة الدولية – الأممية - فوفق المعطيات تشن “إسرائيل” حربًا واسعةً ضد عدة مؤسسات دولية – أممية - تدعي ”أنها منحازة بالكامل لصالح الفلسطينيين”، وأبرزها: منظمة اليونسكو، التي تعتبرها القيادة الإسرائيلية الأخطر على ”إسرائيل” نظرًا لقراراتها التي تنسف الرواية الصهيونية المتعلقة ب”أرض إسرائيل” والأساطير الصهيونية التوراتية،  كما استأنفت ”اسرائيل” حربها أيضًا ضد منظمة “الأونروا” التي  ترمز إلى وجود اللاجئين الفلسطينيين وقضية حق العودة، بهدف تصفيتها،  بينما تستهدف من جهة ثالثة المفوضية السامية لحقوق الإنسان لاعتزامها نشر لائحة بأسماء الشركات التي تعمل في المستوطنات الصهيونية. كما جاء في الإعلام العبري، في حين تستهدف من جهة رابعة الهيئات والمنظمات غير الحكومية التي تساند القضية الفلسطينية. غير أن جبهة الحملة الدولية لمقاطعة ”إسرائيل” (BDS) أخذت تحتل في السنوات الأخيرة حيزًا كبيرًا متزايدًا في الهواجس والمدارك الإسرائيلية من جهة، وفي الاستراتيجية الحربية الإسرائيلية  ضد الشعب الفلسطيني من جهة ثانية.
    والحكاية في هذا الصدد ليست إعلامية ونظرية، فالمؤسسة الإسرائيلية بإجماع عناوينها وتفرعاتها وقياداتها تعتبر الحملة الدولية للمقاطعة تهديدًا متصاعدًا لوجودها، وجاء ذلك منذ البدايات على لسان إيهود باراك رئيس وزراء ”اسرائيل” سابقًا الذي أعلن مبكرًا ”إن إٍسرائيل تواجه تسونامي سياسي، وإن الجمهور لا يدرك ذلك”، وفي كلمته في “المعهد لدراسات الأمن القومي” في تل أبيب، قال باراك “إن نزع شرعية إسرائيل تلوح في الأفق، وإن ذلك يعتبر خطيرًا جدًا ويتطلب العمل على مواجهة ذلك -“، وكذلك عوزي أراد- رئيس مجلس الأمن القومي الذي سبق باراك في صحيفة “إسرائيل اليوم” ليعلن: “تدور معركة غير سهلة ضد إسرائيل، يمكن الإشارة إلى أربع جبهات يوجد بينها اتصالات متبادلة: المعركة الإعلامية، المعركة القانونية، المعركة السياسية، وأخيرًا، المعركة الاقتصادية، حيث يوجد المزيد فالمزيد من المقاطعات للبضائع الإسرائيلية لدرجة إشعال النار في هذه البضائع، أنا لا أعرف شخصًا ضالعًا في معرفة التاريخ اليهودي لا يتقلب أقرباؤه في قبورهم حين يرون مثل هذه الشعلات”.
    ولكن المحلل الإسرائيلي المعروف أري شافيت كان ذهب في هآرتس إلى أبعد من ذلك بالقول ”أما التهديد غير الأمني الأساسي فهو تهديد نزع الشرعية عن إسرائيل، وفي الآونة الأخيرة كان الهجوم شاملًا، والتحالفات الواسعة للقوى الراديكالية استخدمت واستغلت الاحتلال كي تنزع الشرعية حتى عن إسرائيل السيادية، وهكذا حشرت إسرائيل في الزاوية وجعلتها دولة شبه منبوذة”.
  وأعرب شابتاي شافيت، رئيس الموساد سابقًا، عن قلقه البالغ من الحملة في مقال بعنوان “لأول مرة، أخشى على مستقبل الصهيونية”، موضحًا “فشل إسرائيل مقابل تنامي حركة المقاطعة، خاصة في الأوساط الأكاديمية”. وأكد نتنياهو بدوره على المضامين أعلاه وعلى المواجهة الإسرائيلية ضد الحملة الدولية قائلا: ”أن حركة المقاطعة أصبحت تشكل تهديدًا إستراتيجيًا لإسرائيل".
   وانتقالًا إلى الجبهة العالمية، واستمرارًا لسياساتها في حروبها، فقد وسعت ”إسرائيل” نطاق حربها على الحملة الدولية، لتشمل الساحتين الأوروبية والأمريكية، وسعت لسن قوانين و/أو إصدار قرارات حكومية ضد المقاطعة في الدول الصديقة لها، ونجحت من خلال لوبياتها ومجموعات الضغط المؤيدة لها  في دفع بعض الدول الاوروبية الى سن قوانين ضد الحملة الدولية.
أما الولايات المتحدة، فتتميز إجراءاتها وقراراتها وتشريعاتها عن تلك الأوروبية بتطرفها وانحيازها المطلق لصالح ”إسرائيل”، بل أنها تعتبر الحرب الإسرائيلية على حركة المقاطعة حربها، وفي هذا السياق لجأت إلى سن القوانين والتشريعات التجريمية للحركة الدولية ومن ابرزها:
     بدعمٍ من لجنة الشؤون العامّة الأمريكيّة الإسرائيليّة (إيباك)، والتي تُعتبر اللوبي الصهيوني الأكبر في الولايات المتحدّة الأمريكيّة، قدم أعضاء في الكونغرس الأمريكيّ مشروع قانون يستهدف حملات ومنظمات ومؤسسات دولية تسعى إلى مقاطعة منتجات المستوطنات، التي أقيمت على الأراضي المحتلة عام 1967، ويُذكر أن مشروع القانون المقترح كان قد حظي بدعم واسع في صفوف كلا الحزبين المهيمنين في الكونغرس، لكنّه واجه انتقادات شديدة من جانب منظمات حقوق إنسان أمريكية.
وجاء في تقرير إعلامي ”أن حوالي نصف الولايات الأمريكية تدرس مشاريع قانون تهدف إلى التصدي لحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل”. و”تدرس 11 ولاية أخرى – أريزونا، كاليفورنيا، كولورادو، فلوريدا، جورجيا، انديانا، أيوا، ماستشوسيس، نيو جرزي، نيويورك، وفيرجنيا – قوانين مشابهة”.
    وفي الحاصل الاستراتيجي، يتبين لنا، أن هذه الجبهة… جبهة الحملة الدولية لمقاطعة “إسرائيل” في غاية الأهمية الاستراتيجية على المستوى الدولي، وحصاد هذه الحركة يضاف إلى تراكم الانجازات الكفاحية الفلسطينية في الداخل المحتل وخارجه، بل أن هذه الانجازات الموثقة للحركة، هي الكفيلة أكثر من غيرها بكشف جرائم الاحتلال وسياسات الأبرتهايد- التمييز العنصري- الصهيونية أمام الرأي العام، والواضح من ردود الفعل الإسرائيلية أن الحركة العالمية تقلق حقيقة المؤسسة الإسرائيلية وقياداتها بالكامل، التي تعتبر الحركة تهديدًا استراتيجيًا متناميًا يهدد بنزع  الشرعية عن ”إسرائيل”.
إنها في نهاية الأمر معركة مفتوحة على هذه الجبهة العالمية، التي تتكامل مع الجبهات الفلسطينية الأخرى.