Menu

التيار العربي الثالث: سؤال المهمات والأدوات

بوابة الهدف الإخبارية

خاص بوابة الهدف

وعي الشعوب العربية بخطورة المشروع الصهيوني ودور هذا الوعي في مناهضة التطبيع، ظل على الدوام هي الجدار الحقيقي في وجه اجتياح الهيمنة الصهيونية للبلدان العربية، وما زالت المبادرات والحراكات واللجان المعنية بمناهضة التطبيع؛ تقوم بدور حاسم في هذه المرحلة التي بات فيها الكيان الصهيوني يدرك محدودية قدر النظم الرجعية المتآمرة معه على فرض التطبيع.
ومع ذلك يمكن القول بشكل واضح: أن قضية مناهضة التطبيع، لا يمكن فصلها عن جوهر الصراع مع الكيان الصهيوني والموقف العربي في هذا الصراع، اي عن جوهرها السياسي ودور القوى السياسية العربية في صياغة سياسات خاصة بكل منها في مواجهة المشروع الصهيوني، وسياسات تكاملية بين هذه القوى والأحزاب تحدد مجمل الدور والمساهمة العربية الحقيقية في هذا الصراع.
هناك آلاف من الأحزاب المؤيدة للحقوق الفلسطينية في العالم العربي، ولكن هذا التأييد ومنذ بداية عقود التراجع في الموقف الرسمي العربي؛ باتت مواقف هذه الأحزاب والقوى على اهميتها تفتقد للرؤى العملية، وأيضًا تحصر ذاتها في إطار ملف مناهضة التطبيع، وليس الرؤية الشاملة لدورها في الصراع مع العدو الصهيوني.
إن تقدم قدرة الفلسطينيين على المقاومة مع نشوء ثورتهم المعاصرة؛ قاد لطفرة حقيقية في موقف القوى والأحزاب العربية في مرحلة الستينيات وحتى مطلع الثمانينيات من القرن العشرين، وفي هذه المرحلة التي نعيشها وإذ تحقق المقاومة الفلسطينية ضمن محور المقاومة في المنطقة؛ تقدمًا لافتًا على مستوى القدرة العسكرية في مواجهة العدو الصهيوني، تبدو الأسئلة حول موقف القوى العربية السياسية المنظمة واجبة.
من المفهوم أن هذه الأحزاب والقوى تعاني الكثير من عوامل الاستعصاء على مستوى كل قطر عربي، في ظل تراجع كبير خلفته شقاقات واحباطات جماهيرية في مرحلة ما بعد ما سميّ "الربيع العربي"، ولكن القدرات التنظيمية والسياسية الكامنة لهذه الأحزاب،  كفيلة بإحداث اختلاف جوهري في مشهد المنطقة إذا ما تم تفعيلها وفق رؤية سياسية واضحة تتعلق بالصراع الرئيسي مع المعسكر الاستعماري ومواجهة الهيمنة الاستعمارية الغربية ورأس حربتها الكيان الصهيوني، وأيضًا على صعيد نضالها الديمقراطي في داخل كل قطر عربي أو على المستوى العربي الأشمل.
إن السؤال بشأن وجود تيار عربي ثالث يحمل موقفًا واضحًا من قضية الاستقلال والسيادة وأيضًا من الحقوق الديمقراطية والاجتماعية للشعب العربي؛ لم يعد يتعلق بالحاجة لوجود هذا التيار، ولكن الأدوات التنظيمية التي يجب أن يتسلح بها هذا التيار وتسمح بإعادة تفعيله وأيضًا بوحدة وتنسيق خطواته، وأيضًا بالبرامج السياسية العامة والفرعية التي يجب أن تناط بمجموعه وبقواه المختلفة.
صحيح أن هناك مسؤولية على القوى والأحزاب العربية كافة، وهي مطالبة بتحملها، ولكن القوى التقدمية العربية، والفلسطينية منها على وجه الخصوص، مطالبة بالكثير لتفعيل هذا المسار وتطوير وتسريع عملية تشكله، وإذا كانت قيادة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين كبرى الحركات اليسارية العربية، قد انتقلت لخطوات عملية بشأن هذا الشعار الذي دأبت على رفعه، فإن هذا المسار بحاجة لرفده من بقية قوى اليسار الفلسطيني والعربي بمزيد من الخطوات الجدية.
ما هو مطروح على طاولة الفعل ليس التضامن مع فلسطين، أو مناصرة شعبها في معركته الوجودية، ولكن الدفاع عن الوجود العربي في وجه الهجمة الاستعمارية، وعن حقوق الشعب العربي في عيش حياة حرة كريمة، في أوطان مستقلة تتمتع شعوبها بخيراتها ومواردها، سؤال الوجود والمستقبل وأمانة التاريخ التي ضحت لأجلها أجيال من الشهداء والمناضلين، وما زالت جديرة بالتضحية والفداء والعمل.