Menu

عثرات الهجوم الأوكراني ورهانات روسيا

أرشيفية _ الجيش الأوكراني

خاص بوابة الهدف

منذ انطلاق الهجوم الأوكراني المضاد؛ تنجح القوّات الروسيّة بشكلٍ يوميّ في تدمير نحو ٣٠٪ من القوّات المشاركة في أي موجةٍ هجوميّةٍ أوكرانيّة، ضمن هذه النسبة منظوماتٌ قتاليّةٌ غربيّةٌ عاليةُ القيمة زودت بها دول حلف الناتو الأوكران.

الهجوم الأوكراني الذي انطلق مطلع يونيو/ حزيران الجاري، ركّز على جبهة زباروجيا بشكلٍ أساسي بعددٍ من المحاور وعبر نوباتٍ هجوميّةٍ متعدّدة، بجانب محاورَ فرعيّةٍ أخرى على كلٍّ من: جبهات باخموت وجنوب دونتسيك.

القوّات الأوكرانيّة التي تقدّمت ما زالت محدودةً نسبيًّا قياسًا بالحشد الأوكراني الهائل، فيما يبدو جهدًا عملياتيًّا لخلق خلخلةٍ وثغراتٍ في الدفاع الروسي، وهذه العمليّة جاءت مكلفةً كثيرًا على مستوى الأفراد والمعدّات؛ إذ أبدت القوات الروسيّة قدرةً متزايدةً على المناورة الدفاعيّة بتشكيلةٍ متعدّدةٍ من الأدوات، وبعد أسبوعين من بداية الهجوم ما زالت القوات الأوكرانية تحاول السيطرة على قرى ضمن الخطوط الأمامية، أملًا في السيطرة على بعضها ثمّ اتّخاذها منطلقًا لشنّ المزيد من الهجمات التي توصل الأوكران للوقوف أمام خط الدفاع الروسي الأساسي الذي يبدو فعلًا أنّه مختلِفٌ عمّا واجهه الأوكران من دفاعاتٍ روسيّةٍ في الخطوط الأماميّة.

في معارك الأيام الماضية شكّلت الألغام الأرضيّة الخاصة بمواجهة المدرعات كابوسًا حقيقيًّا للقوات الأوكرانية، حيث دمّرت بشكلٍ يومي عديدًا من المدرعات الأوكرانيّة التي احتجزت طوابير آلية خلفها؛ لتعلق فعليًّا في حقولٍ مفتوحةٍ في مرمى نيران القوّات الروسيّة.

تبعًا لذلك لجأ الأوكران في جبهة زاباروجيا لرمي حقول الألغام الروسية المحملة بالقنابل العنقودية؛ بهدف التفجير المسبق لهذه الألغام وخلق ممراتٍ لأرتال المدرعات الثقيلة وطوابيرها التي زود بها حلف الناتو القوات الأوكرانية.

البيانات الروسيّة ركزت على نجاح الجيش الروسي في تدمير الدبابات الغربية وخصوصًا دبابة لوبارد الألمانيّة التي تعدّ إحدى مفاخر ترسانة حلف الناتو العسكرية، والأسوأ من ذلك بالنسبة للغربيين هو إعلان الروس عن اغتنامهم لعددٍ من هذه الدبابات، وكذلك مدرعات أمريكيّة أبرزها مدرعة "برادلي"، بما يعنيه ذلك من فرصةٍ للروس لدراستها عن كثبٍ والاطلاع على تقنياتها.

الوضع بالنسبة للقوّات الروسيّة لا يخلو من الصعوبات، فحتى الآن تعطّل أي هجومٍ أوكراني محتملٍ على محور خيرسون؛ بفعل تفجير السد الكهرومائي على خزان كارخوفكا، الذي غمر المناطق المحيطة بالمياه، وأحال جزءًا كبيرًا منها لمستنقعاتٍ تستعصي فيها العمليات القتالية، ولكن المياه قد تنحسر وتجف خلال الأسابيع المقبلة، وهو ما يعني فتح مساحةٍ لجبهةٍ جديدةٍ محتملةٍ للهجمات الأوكرانية.

في المشهد العام ما زالت معضلة الإنتاج والإمداد الحربي هي العنوان الأساسي في هذه الحرب، فالتدمير المستمر للمعدات العسكريّة الأوكرانيّة دفع دول الناتو إلى الحديث عن إمداداتٍ جديدةٍ للأوكران، وعلى الجانب الروسي شهد الأسبوع الأخير زيارات متعددة الأقطاب في الحكومة الروسية، منهم وزير الدفاع سيرغيو شويغو، ومسؤول لجنة الأمن القومي ديمتري ميدفيديف مجمعات الصناعات العسكرية الروسية، وهي زياراتٌ ركّزت على مطالبة هذه المجمعات بتسريع إنتاجها وزيادته.

رغم أنّ الاستهلاك اليومي للذخائر وتدمير المعدات والآليات يشكل معضلةً لكلا الجيشين، لكن المعضلات الأساسية تتمحور حول الأسلحة النوعية والعالية الدقة وقدرة أي من الأطراف على إنتاج أو استجلاب كمّياتٍ كبيرةٍ منها.

تقف روسيا اليوم أمام أسئلةٍ رئيسيّةٍ تتعلّق بهذه العملية العسكرية، فبجانب سؤال الذخائر والإنتاج الحربي، هناك مطالباتٌ متزايدةٌ بإعلان التعبئة العامة بما يعنيه ذلك من حشد أكثر من مليون روسي إضافي وتجنيدهم ضمن الجيش، وكلا السؤالين يرتبط بإمكانية إعلان الحرب بما يعنيه ذلك من تحويلٍ للاقتصاد الروسي تجاه مزيدٍ من الإنتاج الحربي والتعبئة العسكريّة، وهو ما سيشكّل ضغطًا حقيقيًّا على الواقع الاقتصادي الروسي.

في إطلالته الأخيرة شدّد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على الأرقام الاقتصاديّة التي حقّقتها روسيا خلال العام الأخير، موضّحًا قدرة البلاد على تجاوز العقوبات الغربيّة، بل وتحقيق تقدّمٍ كبيرٍ على مستوى التنمية الاقتصاديّة في مختلف القطاعات، وقدّم جوابه على سؤال الحرب، مؤكّدًا أنّه لا يرى داعيًا لإعلان التعبئة العامة.

القيادة الروسية تخلّت منذ وقتٍ طويلٍ عن خيار الحسم العاجل للمعركة، وتراهن على مواجهةٍ طويلة، تستنزف فيها قدرة الغرب على تحمل الأعباء الاقتصاديّة والسياسيّة للقتال، وأيضًا للتخلّي عن الغاز الروسي، وفي وقتٍ دخلت فيه العديد من الاقتصاديات الأوروبيّة في مراحل الركود، يبدو الاستمرار في تمويل الحرب والتصعيد خيارًا باهظ الكلفة على المستوى الأوروبي إن لم يكن على المستوى الغربي بأكمله، فيما يبدو أنه رهانٌ روسي على ألا تُحسم الحرب في جبهات القتال فقط، ولكن أيضا حول مواقد المنازل وأجهزة التدفئة وماكينات المصانع في أوروبا.