ولد غسان كنفاني في 9 ابريل في مدينة عكا عام 1936. استشهد في بيروت إثر تفجير صهيوني في 8 يوليو عام ١٩٧٢. روائي وقاص وصحفي واديب ومناضل فلسطيني وطني وقومي وأممي. ويعتبر أحد أشهر الكتاب والصحفيين الفلسطينيين العرب في القرن العشرين. وقد كانت أعماله الادبية من روايات وقصص قصيرة متجذرة في العمق الثقافي، في الثقافة العربية والفلسطينية وقد ترجمت أعماله لمعظم اللغات العالمية.
تزوج من آني هوفر عام 1961 حتى رحيله عام 1972. دنماركية الأصل وله من الأبناء ليلى وفايز كنفاني. أما الوالدان فهم عائشة السالم وفايز كنفاني. بعد استشهاد غسان كنفاني نشرت معظم أعماله وترجمت عام 1980.
استشهد غسان كنفاني صباح يوم السبت ٨/٧/١٩٧٢ في الساعة 10:30 بعد أن فجرت عبوات ناسفه كانت قد وضعت في سيارته تحت منزله مما أدى إلى استشهاده مع ابنة شقيقته لميس حسين نجم (17 عام)، وحدثت أضرار كبيرة في المنزل في منطقة الحازمية.
أشهر ما كتبه غسان كنفاني: كتاب “ثوره 36 – 39” في فلسطين، “ارض البرتقال الحزين”، “في الادب الصهيوني”، “عن الرجال والبنادق”، “أطفال غسان كنفاني”، “موت سرير رقم 12” وطبعا “رجال تحت الشمس”، “أدب المقاومة في فلسطين – دراسة مطولة”، رواية “العاشق”، رواية “الشيء الآخر”، “من قتل ليلى الحايك”، رواية “أم سعد” ورواية “ما تبقى لكم”. كذلك مسرحية “جسر إلى الأبد”، مسرحية “الباب”، مسرحية “القبعة والنبي”، وقصص “القميص المسروق”. إضافة إلى العديد من المقالات السياسية التي كانت تكتب باسم مستعار (فارس فارس).
عمل غسان كنفاني في مجلة الحرية، ثم مجلة الراي، وأخيراً في مجلة الهدف وترأس هيئة تحريرها، كذلك صمم شعار المجلة (الحقيقة – كل الحقيقة للجماهير).
في لقاء آني كنفاني زوجة الراحل الشهيد غسان تقول: أتخيل غسان ما زال يجلس معنا. هذه السيدة الدنماركية التي قضت جل عمرها من أجل فلسطين وشعبها، بعد أن استشهد زوجها غسان على يد الموساد الإسرائيلي في الثامن من شهر تموز عام 1972 مع ابن شقيقته لميس في تفجير سيارته أمام بيته في منطقه الحازمية في العاصمة اللبنانية.
تعود قضية آني كنفاني مع غسان إلى بداية تعرفها على القضية الفلسطينية في ستينات القرن الماضي، حين عقد ملتقى لطلبة فلسطينيين في مؤتمر طلابي في مدينه دبروفنيك في يوغسلافيا، فشرحوا لها عن القضية الفلسطينية عندما التقت بهم.
تقول آني: “لم يكن لدي أدني فكرة عما حدث، وبدأت أعرف من خلالهم مصير الفلسطينيين، وكيف أجبروا على مغادرة بلدهم، وكنت حقا حزينة لأنني لم أعرف شيئاً. على الرغم من أنني أتيت من عائلة يسارية، فإنني شعرت بأنه ينبغي أن أعرف شيئا. وبدأت من خلال الطلبة الفلسطينيين أحيط وأجمع المعلومات عن القضية الفلسطينية ونشأتها. فسافرت إلى العاصمة السورية دمشق سنه 1961، وهناك بقيت أسبوعين في كليات للبنات، وفي السكن الجامعي. والتقيت الكثير من الطلاب الفلسطينيين كان أحدهم أحمد خليفه (باحث ومترجم أصبح لاحقا يعمل في مؤسسة الدراسات الفلسطينية)، الذي كان يعيش في دمشق، وكنت أخطط بعد دمشق الذهاب لبيروت ومنها للقاهرة، لأنني كنت أريد أن أفهم حقاً ما حدث للشعب الفلسطيني، وعندما ذهبت لبيروت أعطاني أحمد خليفة مظروفاً كتب عليه “غسان كنفاني”، وأخبرني أن أطلب من سائق التاكسي أن يأخذني إلى مكتب غسان كنفاني في مجلة الحرية كي أعطيه المغلف وكان ذلك يوم السبت.
ذهبت إلى مكتبه الذي يقع في وسط المدينة بجوار مسرح بيروت. كان مشغولاً جداً، أعطاني بعض المجلات وأخذت وقتاً لقراءتها، وعندما انتهيت سألني: حسناً ماذا تريدين؟ قلت له أنني لا أملك التجربة وأنني أريد أن أفهم منك ما حدث وأريد أن أزور المخيمات. فقال لي قبل أن تعرفي الخلفية لن يأخذك أحد إلى المخيمات. كان اللقاء الأول بيني وبين غسان في أيلول/سبتمبر 1961 وكانت خطتي أن أبقى أسبوعين في بيروت قبل أن أكمل طريقي نحو القاهرة”.
تقول آني كنفاني: حينها بدأت أنخرط بالقضية الفلسطينية!
وعن غسان قالت آني أنه “كان شخصاً مثيراً للاهتمام وخاصة لدى المتحدث معه. كان جيداً ليس فقط لأنه سرد القصص”. كان من المفترض أن أبقي اسبوعين في بيروت، لكن غسان سألني لماذا لا تبقي فترة طويلة، وفعلاً بدأت بعدها بالعمل في روضة للأطفال في بيروت. وتتابع قائلة: تعمقت العلاقة بيني وبين غسان ودعاني لرؤية عائلته ومنهم ابن عمه فاروق غندور وأم فاروق وأخيه.
تقول آني كنفاني: كان غسان ناقداً قاسياً وقوياً بالنقاشات، لكنه كان رقيقاً ومبدعاً. يكتب ويرسم ولديه قدرة مدهشة على الكتابة القصصية والمسرحية. كان غسان يركز على الأحصنة في رسوماته.
بدأنا في بيروت بإنشاء الروضات وكان ذلك شيئاً مهماً، وبعد استشهاده أنشأنا لجنة تذكارية لنشر أعمال غسان كنفاني وجمع القصص بين عام 1974 و 1982. كذلك أنشأنا وأسسنا المكتبات ومركز تأهيل للأطفال من ذوي الحاجات الخاصة في عين الحلوة وفي بيروت. وتم إنشاء ست روضات وبدأت المدارس الأمريكية وعدد من المدارس الخاصة تدرج مؤلفات غسان ورواياته وقصصه في التعليم، وترجمت أعمال غسان للسويدية والنرويجية والإنجليزية والبرتغالية والإيطالية. وعرضت مسرحيات دمى للأطفال على مسارح دنماركية.
كان غسان قد تعلم في روضه الأستاذ وديع سري الواقعة في يافا في الثانية من عمره، حيث بدأ تعلم اللغة الفرنسية والإنجليزية إضافة للعربية، ثم انتقل إلى مدرسه الفرير ومكث بها حتى النكبة، ثم انتقل إلى دمشق وأنهى المرحلة الإعدادية وبعدها الثانوية، ثم التحق بكلية الآداب في جامعة دمشق بين عام 1954 و 1960، وعمل مدرساً في مدارس الأونروا في مادة الرسم، وبعدها انتقل إلى الصحافة في بيروت ليعمل في مجلة الحرية ثم الرأي والهدف.
جمع غسان بين صنوف وسمات الإنسان والقائد المبدع والأديب والعاشق. غسان كنفاني الذي استخلص دروس فشل إضراب عام وثورة 36 في وجه الإنجليز بسبب قيادتها الإقطاعية وضعف الوعي وعدم وضوح الخط السياسي والعدو الرئيسي، وهم الإنجليز إضافة للواقع الرسمي العربي الرديء وتدخلاته.
غسان كنفاني ركز على سلاحين مهمين للتعريف بالقضية الفلسطينية، أهمية الحلقة الأممية، وكسب الرأي العام العالمي وسلاح الإعلام لإيصال عدالة القضية للعالم.
غسان كنفاني النموذج الغرامشي والمثقف العضوي، نموذج المناضل المنصهر والمشتبك، لا المثقف المشتبه، المأجور، بل المثقف الذي يدافع عن قضايا الفقراء وشعبه.
غسان الذي رفع شعار بالدم نكتب لفلسطين واستشهد بسببه، ليصبح هذا الشعار لاحقاً شعار الاتحاد العام للكتاب والصحفيين والمثقفين.
غسان كنفاني الذي كان يؤكد على أهمية التجديد والديمقراطية ودور الشباب. ففي شهر آب عام 1968 في دار الندوة في بيروت بعد الهزيمة ألقى محاضرة بعنوان (اللغة العمياء)، التي ركز فيها على أسباب هزيمة ٦٧ ومسؤولية النظام الرسمي العربي وتغييب الجماهير، وأكد على أهمية بناء الحزب الثوري، وأهمية التكنولوجيا في مواجهة عدونا المتفوق، واهمية الديمقراطية، ودور الشباب.
غولدا مائير (رئيسة حكومة الاحتلال السابقة) كانت تقول: أن غسان كنفاني بوزن كتيبة وجيش مدجج ويجب التخلص منه.
غسان كنفاني الذي تحدث عن دور الجماهير الحاسم وجسد شعار “كل الحقيقة للجماهير” من خلال مجلة الهدف التي أسسها ورأس تحريرها.
غسان الذي تحدث عن موضوع العودة إلى حيفا وعن جماهير شعبنا في أراضي 48. وتحدث عن الأدب الصهيوني وأظهر عدد من كتاب الأرض المحتلة.
غسان الذي تحدث عن أبو الخيزران برمزية الهزيمة والقائد المهزوم في رواية رجال تحت الشمس والذي تحول لاحقاً إلى فيلم سينمائي باسم المخدوعون.
غسان الذي تحدث عن أهمية الفرز بين معسكر الأصدقاء والأعداء وأهمية وضوح الخط السياسي وبين تشابك المصالح الإمبريالية الاستعمارية مع الصهيونية والرجعية.
يقول الأستاذ المفكر اللبناني محمد دكروب أن غسان كنفاني قاتل على ثلاثة جبهات:
• القتال على جبهة فلسطين.
• القتال على جبهة المرض (السكري).
• جبهة الإبداع الفني وتنوع أشكاله.
غسان الذي أبدع في رسم صورة الحصان المتمرد، وصمم شعار الجبهة وسهم تحرير فلسطين من الخارج إلى الوطن.
غسان الذي كان يقول تسقط الأجساد لا الفكرة. أما عن الشهداء قال لدينا أمراً واحداً، لدينا قضية يقاتل من أجلها الشعب الفلسطيني ويفضل الموت واقفا على أن يخسر قضيته.
في هذه الأيام وفي ذكرى استشهاده، نستذكر روح الشهيد غسان وعطائه وإنتاجه من أجل فلسطين وشعبه، من أجل ايصال رسالته إلى الرأي العام العالمي، عن عدالة القضية وشرعية النضال، ودور الجماهير، وموقع المثقف الثوري.
الوفاء لغسان كنفاني في ذكرى استشهاده، هو باستمرار التمسك بالأهداف التي ناضل واستشهد من أجلها... من أجل فلسطين حرة متحررة وديمقراطية ومستقلة وسيدة، وعاصمتها القدس ، وتقرير المصير، وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وممتلكاتهم التي هجروا منها عام 1948.