لا يكفي أن توافقَ فصائلُ العمل الوطني على لقاءٍ أو أكثرَ لتصحيح الخلل الهائل في الوضع الفلسطيني، ولتمليك الشّعب الفلسطيني ما يحتاجُهُ في مواجهة مسارات التّصعيد الصهيوني المستمرّ، وسياسات القتل والضمّ والمصادرة والاعتقالات اليوميّة والحصار والهجمات والحملات الإرهابيّة؛ وما يحتاجُهُ المجموعُ الفلسطينيُّ هو استعادةُ منظومةِ عملِهِ الوطنيّ وشبكات فعله النّضالي، وتخليص بُناه السياسيّة والمؤسّسيّة، ما ألحقتْهُ بها سياسات أوسلو بمراحلها المتعدّدة، ففي مقابل عمليّات التفكيك المنظّم للبُنى الوطنيّة والنّضاليّة، والروافع الاجتماعيّة والمؤسّسيّة، والاستهداف الضاري للمقاومة والعمل الفدائي، باعتبارها فكرةً وأدواتٍ وشخوصًا ومواردَ وحواضن.
إنّ المطلبَ اليوم هو التركيبُ والترميم وإعادة البناء، ووصل ما انقطع من شبكاتٍ نضاليّة، وبِنيةٍ فصائليّةٍ واجتماعيّة، وتوفير دعائم الصمود وحشد الموارد واستخدامها في خدمة النضال وحواضنه وليس أداةَ تطويعٍ أو ابتزازٍ سياسي.
في مواجهة منظومةٍ عدوانيّةٍ تريد شطب كل معنى سياسي للوجود الفلسطيني، وتقليص هذا الوجود ماديًّا لمجموعةٍ من السّجون والمعازل، يحتاجُ الفلسطينيّون لآلاف البنادق في أيدي مقاتلين وطنيين جادين ومخلصين، ومئات على الأقل من مضادات الدروع في الضفة، وإلى قفزةٍ تقنيّةٍ في مجال النسف والتخريب، والأهم من هذا كلّه حشد مئات الألوف في أطرٍ منظّمةٍ للعمل الجماهيري والمجتمعي والسياسي والقانوني، وهذا بالطبع لا يمكن حدوثه دون تحوّلٍ جذريٍّ في الموقف والقرار والسياسات؛ فلا يمكنُ حتّى تخيّل المُضيّ بخطواتٍ تجاهه ملتزمين بتفاهماتٍ مع العدو، تشنق السياسة والفعل والجسد الفلسطيني كلّ يوم.
حين تلتقي قوى العمل الوطني، فإنّ السؤال الأوّل يتمحور حول وجود قرارٍ بالمواجهة والدفاع عن الوجود والشعب والهُويّة والقضيّة والحقوق، واستعدادٍ حقيقيٍّ لضبط كل قرارٍ وتدبيرٍ وموقفٍ في خدمة هذا القرار بدءًا باستراتيجيّةٍ وطنيّةٍ تتضمّنُ بوضوح آليّات هذه المواجهة وأدواتها.
ما ينتظره الشعبُ الفلسطيني من فصائل العمل الوطني، هو الأمل، الذي تفتح أبوابه خطوات جديّة وصادقة تنحاز لحق هذا الشعب ووجوده وهُويّته: إطلاق سراح المعتقلين السياسيين ووقف الملاحقة، وتنفيذ قرارات المجلسين؛ المركزي والوطني، واستعادة منظّمة التحرير الفلسطينيّة لأدوارها في مواجهة العدو، وهُويّتها التي ترى في الغزو الصهيوني عدوًّا للشعب الفلسطيني، وترى في ذاتها منظومةً للتحرير والدفاع عن شعب فلسطين وهزيمة العدو الصهيوني، وإطارًا وطنيًّا جامعًا للكل الوطني في خندقٍ موحّدٍ للنّضال الفلسطيني.
أمام القوى الوطنيّة كافة، وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية ورئيسها خصوصًا، فرصةٌ ومسؤوليّةٌ وقرارٌ يجب اتخاذه، هذه الفرصة لم تنتجها سياسات أوسلو والتنسيق الأمني، ولكن انتزعتها تضحياتُ مَنْ آمنَ بالنضال ومارسه، وجيلٍ جديدٍ من الفدائيين الذين سكبوا دمهم؛ ليحفظوا لنا جميعًا معالم درب الحرية والخلاص.