يحتدم الصراع السياسي في كيان الاحتلال الصهيوني، تحديدًا بعد تصاعد الاحتجاجات في كافة أنحاء الكيان وتظاهر عشرات الآلاف وامتناع قوات الاحتياط عن الحضور للخدمة رفضًا لخطط الحكومة لتغيير الطريقة التي يعمل بها النظام القضائي، وهذا ما يعكس الأزمة الداخلية الغير مسبوقة التي تهدد الحياة الاجتماعية والاقتصادية والأمنية داخل الكيان مدعومة بانقسامات سياسية عميقة.
ويوم أمس صادق "الكنيست" على تعديل قانوني لإلغاء "ذريعة عدم المعقولية" بتأييد 64 عضوًا دون أي صوت معارض، لأنّ كتل المعارضة قاطعت جلسة التصويت بعد إغلاق الباب أمام مساعي الوساطة التي تواصلت حتى اللحظة الأخيرة، وانهيار محاولات التوصل إلى تسوية حول إصلاح جهاز القضاء الصهيوني.
تأثير الأزمة على الجيش
وحول حجم الأزمة في داخل الكيان، يقول المختص بالشأن الصهيوني حسن لافي، في حديثٍ لـ "بوابة الهدف"، إنّ "الأزمة في المؤسسة العسكرية والجيش الصهيوني كبيرة، لأنّ حجم الرافضين للخدمة العسكرية الاحتياطية وخاصة في بعض الوحدات، مثل سلاح الجو والاستخبارات والسايبر تؤثر على أداء وكفاءة الوحدات القتالية بشكل أساسي كون منظومة الاحتياطي في هذه الوحدات ليست كمثيلاتها في القوات البرية، بل هي دائمة الحضور، ولأنّ منظومة الاحتياط جزء أساسي من منظومة العمل اليومي في هذه الوحدات، سيؤدي غياب أكثر من 1400 مستنكف داخل سلاح الجو سواء من الطيارين والأفراد الذين يقيمون بالعمل التشغيلي، إلى أنّ يفقد الجيش كفاءته".
ويضيف لافي، أنّ "الجيش سيحتاج فترة طويلة لتدريب قوات بديلة عن الاحتياط، والأمر الآخر أنّ رفض الخدمة قد يتسع وصولًا إلى الوحدات الخاصة والقوات البرية، كما قال رئيس أركان الاحتلال أنّ ذلك سيؤثر على كفاءة الجيش في أي حرب قادمة"، مشيرًا إلى أنّه "في المنظور القريب ممكن أن يذهب الاحتلال إلى تنفيذ عمليات عسكرية سريعة وخاطفة، وذلك لا يؤثر على الأداء القتالي لأنّ منظومة الجيش النظامي حاضرة، لكنّ في حال خوضها حرب كبيرة ستحتاج إلى كم كبير من التجهيزات والإمكانات".
وبشأن حدوث انقلاب عسكري، يوضّح المختص لافي، أنّ "المفهوم الكلاسيكي للانقلابات العسكرية أن يخرج الجيش ويستولي على الحكم وهذا لا يمكن حدوثه، لأنّ المؤسسة العسكرية والجيش لديهما تدخلات كثيرة داخل المجتمع الصهيوني كونه مجتمع عسكري بطبيعته، ويعتبر الجيش جزءً أصيلًا من دائرة صنع قرار الأمن القومي"، لافتًا إلى أنّه "قد يكون هناك انقلاب أبيض من خلال تدخل العسكر بشكل كبير في القرارات، وهذا ما كان واضحًا عندما ذهب رئيس وحدة الاستخبارات العسكرية ووحدة العمليات في الجيش لإقناع أعضاء الائتلاف الحكومي لعدم تمرير قرار "عدم المعقولية"، وبالتالي هناك أزمة دستورية في حال نقض التشريع من قبل المحكمة العليا فيتداخل الجيش مع المحكمة، وهذا بدوره يدفع الجيش للتدخل بقوة من أجل إسقاط حكومة "نتنياهو".
فلسطينيًا، يشير لافي، إلى أنّ "ما يحدث في الكيان سيؤثر إيجابًا على المشهد في حال جرى استثمار ذلك، لأنّ الاحتلال قد يسرع عمليات الضم والتهويد والاستيطان في ظل حكومة اليمينة المتطرفة وفي ظل وجود مثل هذه التعديلات القضائية"، مبينًا أنّ "ما كان يزعمه الكيان بأنه دويلة ديمقراطية الآن لا يمكن لأحد في العالم أنّ يشتري هذه الدعاية الرخيصة، لأنّه انكشف على حقيقته بأنّه ديكتاتوري وفاشي وعنصري، واليوم كل وسائل الإعلام الدولية تقول ولدت "ديكتاتورية جديدة في إسرائيل" ولهذا يمكن للفلسطيني أن يستفيد من ذلك بطرح وجهة نظره ويؤكّد أنّه ضحية هذه العنصرية".
ومؤخرًا، قطع محتجون شوارع ومفترقات طرق رئيسية، وتجمهر آلاف المتظاهرين أمام مبنيي الكنيست والمحكمة العليا في القدس ، و"كابلان" في تل أبيب، وطرق "أيالون" الرئيسية، التي أُغلقت، بالإضافة إلى مظاهرات في أنحاء البلاد، فيما استخدمت شرطة الاحتلال سيارات رش المياه صوب المتظاهرين، وفرق الخيالة، في محاولة لتفريقهم. ودعس شخص عددًا من المتظاهرين بالقرب من كفار سابا، ما أسفر عن إصابتهم بجراح طفيفة.
اختلافات المجتمع الصهيوني تظهر على السطح
وعن أحداث العنف التي تشهدها دولة الكيان، يؤكّد الكاتب المختص في الشأن الصهيوني شاكر شبات، أنّ "الجيش الذي كان يعتبر لدى الاحتلال هو البوتقة تنصهر داخله كل الجنسيات والعرقيات والقوميات التي تشكل الفسيفساء في هذا المجتمع المتلون والغير منسجم من الناحية الفكرية والثقافية والقومية والعقائدية، لأنّه استطاع سابقًا أنّ يخفض الفوارق في المجتمع، أما الآن فقد ظهرت هذه الفوارق والاختلافات".
ويقول شبات في مقابلةٍ له مع "الهدف"، إنّ "قائد أركان الاحتلال عبّر أنّه "إذا لم يكن هناك جيش قوي لا توجد دولة" وهذه حقيقة، فالجيش كما يسمى بـ "جيش الشعب" كان يضم كافة أفراد المجتمع على اختلافه وتنوعه، أمّا في الوقت الحالي بدأ يتسلل داخله ليس فقط الخلافات السياسية بل العقائدية بين الشرقيين والغربيين كما يجري في الاحتجاجات المستمرة".
ويلفت شبات، إلى أنّ "الأمور لدى الاحتلال وصلت إلى مرحلة ليس العدو الخارجي هو السبب الذي تتستر خلفه وحدة المجتمع الصهيوني، لأنّ الخلافات أعمق من ذلك بكثير، ونلاحظ أنّ من امتنع عن أداء الخدمة ورفض التطوع في الجيش هم جنود وضباط من سلاح الجو والاستخبارات والسايبر وهذه الفروع في جيش الاحتلال ترتكز في تشكيلها على الغربيين الذين هم من الطبقة العالية التي تضم في داخلها العقول والمثقفين الذين يتقلدون أعلى المناصب في الجيش، وهذا دليل آخر على أنّ الجيش لم يعد الذي يزيل الطبقات والقوميات، وهذا جميعه سيؤثر على ما يسمى بـ "جيش الشعب".
الأزمة فرصة للفلسطينيين
ما يحدث داخل الكيان سيؤثر بالطبع على المشهد الفلسطيني، يبين ذلك الكاتب والمحلل السياسي نهاد أبو غوش لـ "بوابة الهدف"، أنّ "وجود حكومة اليمين المتطرف برئاسة "نتنياهو" هي فرصة تاريخية للفلسطينيين كي يشددوا الحصار والخناق ويزيدوا الجهد السياسي والدبلوماسي لفضح هذه الحكومة باعتبارها متحللة من أيّ التزامات قانونية"، لافتًا إلى أنّها "حكومة تمتهن أسلوب القتل والإجرام كأسلوب رئيسي لسياساتها، ومنبوذة من قبل المجتمع الداخلي الصهيوني الذي يرى فيها خطرًا على الديمقراطية وحقوق الإنسان".
ويشير أبو غوش، إلى أنّ "الاستفادة من وجود هذه الحكومة كان يتطلب وجود حالة من الوحدة الوطنية وبرنامج واستراتيجية وطنية موحدة تجمع بين النضال الميداني والجماهيري وسلاح المقاطعة، بالإضافة للنضال القانوني والسياسي والدبلوماسي، لكن في ظل الانقسام الفلسطيني تبدو هذه المسارات متماثلة مع بعضها البعض وليست موحدة".
ويوضّح أبو غوش، أنّ "الذي جرى في "الكنيست" من إقرار القوانين الأخيرة، جعل حكومة الاحتلال متحررة من القيود التي يمكن أن تعيق تنفيذها لمخططات التصفية والضم والقتل وخطة حسم الصراع كما كانت تعلن وتخطط على قاعدة تجاهل الشعب الفلسطيني والتعامل معه على أنّه موجود بالصدفة على هذه الأرض".
وتشتد الأزمة داخل دولة الاحتلال الصهيوني وتتعمق بشكلٍ غير مسبوق، وينكشف من خلالها الوجه الحقيقية لعنصريتها وفاشيتها، بل أسقطت هذه الأزمة معها كافة الادعاءات بأنّها دولة "ديمقراطية"، بما يتطلب على المستوى الفلسطيني استثمار جدي لما يحدث من خلال تحقيق الوحدة الوطنية ووضع خطة للاستفادة الحقيقية من هذه الصراعات والخلافات داخل النظام السياسي الصهيوني.