Menu

فرنسا تنزفُ.. والخنجرُ الروسي حاضرٌ بقوّة

خاص _ بوابة الهدف

إن الحاصل في منطقة الساحل والصحراء الإفريقيّة يعدّ نقلة شطرنج بارعة من القيصر بوتين، الذي استطاع بكل براعة نقل المعركة من الساحة الأوكرانية، وبدأ يهدد الناتو – وبالذات فرنسا – في منطقةٍ من أهم معاقلها ومناطق نفوذها التاريخية، فبعد الانقلابات التي حصلت في كلٍّ من: "مالي" و "بوركينا فاسو" التي أتت بأنظمةٍ معادية للنفوذ الغربي والفرنسي وموالية لروسيا، جاءت نقلة "النيجر" الأخيرة لتزيح معقلًا آخر من معاقل النفوذ الفرنسي في تلك المنطقة الحيوية بالنسبة للغرب عمومًا، وفرنسا على خصوصًا. 

إنّ حربًا باردةً جديدة تلوح في الأفق بين روسيا والصين من جهة، وأوروبا وأمريكا من جهةٍ أخرى، وهي الحرب التي ظهرت بشكل أوضح في الفترة الأخيرة، خاصة مع الحرب الروسية الأوكرانية، وتضييق الخناق على روسيا التي استطاعت برشاقة عمل ريمونتادا على الخصم، وبدأت هي في تضييق الخناق على الغرب في القارة الأفريقية.

فقد أعلن قادة الانقلاب في النيجر، أمس، تعليق صادرات اليورانيوم إلى فرنسا، وهو ما يعدّ ضربةً قويّةً لباريس التي تعتمد على هذه المادة الحيوية بنسبةٍ كبيرة في توليد الكهرباء؛ إذ يغطي يورانيوم النيجر 35 بالمائة من الاحتياجات الفرنسية، ويساعد محطاتها النووية على توليد 70 بالمئة من الكهرباء؛ ليتبع ذلك قرار آخر من الجنرال "إبراهيم تراوري" رئيس بوركينا فاسو بمنع تصدير اليورانيوم لأوروبا.

أما الكولونيل "عبد الرحمن تشياني" قائد الانقلاب في النيجر فقد رد على تهديد الولايات المتحدة له بقطع المعونات الأمريكية عن النيجر بقوله: احتفظوا بمساعداتكم للمشردين في بلادكم فلا حاجة لنا بها.

وفي السياق نفسه، حاصر آلاف المتظاهرين سفارة فرنسا في "نيامي" عاصمة النيجر وحاولوا اقتحامها والفتك بأعضاء البعثة الديبلوماسية الفرنسية، بينما كانوا يرفعون الأعلام الروسية ويهتفون: تحيا روسيا ولتسقط فرنسا.

وفي المقابل، تحاول فرنسا والغرب من خلفها تحريك حرب بالوكالة في تلك المنطقة عبر تحريك قوات "الإيكواس" المشكلة من دول أفريقية عدة لشن هجوم عسكري على النيجر، حيث طالبت باريس دول تحالف غرب إفريقيا "إيكواس" بضرورة التحرك لاستعادة سلطة الرئيس المخلوع "محمد بازوم"، وأمهلت فرنسا السلطات الجديدة في النيجر أسبوعًا واحدًا لتنفيذ المرسوم الفرنسي.

ملحوظة: تتكون مجموعة "الإيكواس" من 15 دولة من دول غرب إفريقيا هي: السنغال، نيجيريا، ساحل العاج، مالي، النيجر، بوركينا_فاسو، غانا، غينيا، غينيا بيساو، بنين، ليبيريا، توجو، الرأس الأخضر، سيراليون، جامبيا.. ومعروف للجميع أن اللوبي الفرنسي متحكم في مجموعة إيكواس منذ نشأتها عام 1975.

وعقب ذلك زادت سخونة الأحداث، وشهدت الأزمة تصعيدًا خطيرًا، حيث أعلنت قبل قليل كلٌّ من مالي وبوركينا فاسو رفضهما لأيّ تدخّلٍ عسكري ضدّ دولة النيجر، وحذّرتا مجموعة إيكواس من أنّ أيّ عمليةٍ عسكريةٍ في النيجر هي بمثابة إعلان حرب على مالي وبوركينا فاسو.

لذلك يعدّ المراقبون أن أزمة النيجر الحالية ستقلب المعادلة، وربما ستعصف بهذه المجموعة، خاصةً مع رفض بعضٍ من أعضائها (مالي وبوركينا فاسو وغينيا) قراراتها ضد النيجر، وإعلان كلٍّ من مالي وبوركينا فاسو استعدادهما للدخول في حربٍ ضد المجموعة إذا تدخّلت عسكريًّا في ‎النيجر (اللمسة الروسيّة حاضرة)

أما "الجزائر" المعروفة بموالاتها الشديدة لروسيا؛ فقد ألمحت أنها تدرس نشر بعضٍ من قواتها في النيجر، في رسالةٍ شديدة اللهجة لفرنسا، للتوقّف عن التخطيط بتنفيذ عمليّةٍ عسكريّةٍ من شأنها تأزيم الوضع أكثر في هذه المنطقة.

نحن أمام تغيراتٍ جيوسياسية ستحدد مستقبل المنطقة، لكنّ المؤكّد أنّ أكبر خاسر من كل هذا، هي الدول الأوروبية بصفةٍ عامة، وفرنسا بصفةٍ خاصة، حيث بات واضحًا للجميع أنّ روسيا – ومعها الصين – تنجح كل يوم في إزاحة حجرٍ جديدٍ من أحجار العرش الفرنسي في أفريقيا، وتهدم كلّ يوم إحدى قلاعه التاريخيّة في تلك المنطقة الشديدة السخونة والشديدة الأهميّة.