Menu

فرصة الوحدة قائمة وواجبة: ماذا حدث في العلمين؟

بوابة الهدف الإخبارية

خاص بوابة الهدف

الصورة النهائية التي خرجت من لقاء الفصائل الفلسطينية في العلمين هي الفشل في التوافق على أي وثيقة جامعة أو حتى بيان ختامي، ذلك رغم انعقاد اللقاء في ظل امتداد مساحة الهجمة الصهيونية وتصاعدها، لتطال كل ما هو فلسطيني، والمقصود بهذا ليس التعبير الانشائي المعهود، فلقد بات البرنامج الصهيوني اليومي لتقويض الوجود الفلسطيني في الضفة المحتلة، يمتد أيضًا لإزالة أي مظهر للوجود السياسي الفلسطيني، ولم يعد يسمح للسلطة الفلسطينية إلا ببقاء دورها الأمني.

نظرة العدو للسلطة هذه قديمة بالفعل، ولكن ما تغير بالفعل هو المشهد الفلسطيني، فلقد تصاعدت حالة المقاومة، وبات لها وجود مسلح، وحواضن جماهيرية، ودفع الشعب الفلسطيني أثمان هائلة من الدماء والتضحيات لاستعادة هذه الحالة، ووجدت الجماهير فيها أداتها الوحيدة لمواجهة الهجمة الصهيونية الوحشية والدفاع عن هذه الجماهير في وجه الجرائم اليومية للعدو، وحين تذهب منظومة العدو الأمنية للطلب من السلطة أن تتولى قمع هذه الحالة، فإنها تطلب حرب أهلية ومجزرة في الداخل الفلسطيني تضاف للمجازر التي يرتكبها العدو، وحين تقبل السلطة الفلسطينية بهذا الدور فإنها تختار الانتحار لا أكثر ولا أقل، وفاءً لالتزاماتها الأمنية مع العدو! 

على هذه الأرضية جاء المجموع الفصائلي والرسمي الفلسطيني بسلتين متناقضتين من الأهداف للقاءات العلمين، الأولى والتي توافق عليها مجموع الفصائل الفلسطينية ومثلها ميثاق الشرف الذي صاغته الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وتوافقت عليه القوى الوطنية المشاركة بلا أي استثناء، والتي جاءت على أرضية اعتبار أن هذه المرحلة حاسمة جدًا في المواجهة بين مجموع الشعب الفلسطيني والعدو الصهيوني، وبشكل مركزي هدفت الوثيقة والموقف لتجنب ما يدركه الجميع، تجنب استدراج الكل الفلسطيني لمعركة داخلية لن يستفيد منها إلا العدو، والعمل على حشد الكل الفلسطيني في مواجهة العدو، خصوصًا أن تقديرات مختلف القوى تلاقت في تشخيصها لحجم وطبيعة التهديد وأيضًا طبيعة الفرصة التي يمثلها نضال جماهير شعبنا، ولنقل بعبارة أخرى، أن الوثيقة الوطنية المطروحة والمواقف التي التفت حولها كانت أقرب للتعبير عن إرادة الجماهير الفلسطينية وحقوقها ومصالحها، رغم أنها لا تجيب على كل أسئلة الانقسام وتفاصيله المتشعبة، ولكنها بالأساس تجيب على سؤال المواجهة وواجب التصدي للعدو، وتجنيب شعبنا الفلسطيني محاولة هذا العدو لخلق مواجهة داخلية فلسطينية.

السلة الأخرى من الأهداف والقناعات جاءت متصادمة مع الأولى، وقد ظهرت خلال اللقاء بين قيادة الجبهة الشعبية والرئيس أبو مازن، حيث تمسك الرئيس بموقفه بحصر المقاومة في ما أسماه "المقاومة السلمية"، ورفض ما حدث حوله توافق وطني حقيقي في اللقاءات السابقة بين مختلف القوى بما فيها حركة فتح، وهو ما قاد للحظة مواجهة حادة مع قيادة الجبهة الشعبية، التي دافعت بشكل واضح وموقف صريح - ربما لم يعتده الرئيس أبو مازن وفريقه - ولكنه مثل الموقف الوطني والدفاع المشروع عن واجب حماية ظهر المقاومة وعدم السماح بصيغ تنتقص من حق شعبنا وقوانا في كافة أشكال المقاومة، وأيضًا من وجهة نظر الجبهة وكامتداد لموقفها التاريخي، دافع عن منظمة التحرير وضرورة استعادة دورها، وضرورة إخراجها من دائرة التفرد.

لا يمكن وصف ما حدث بأنه صدام بين الجبهة وحركة فتح، بل لحظة وضوح تفصح عن جوهر الإشكالية الفلسطينية، حيث ما زالت القيادة الرسمية الفلسطينية متمثلة بالرئيس أبو مازن، مصممة على انكار واقع قائم، فإذا كان الموقف سابقًا يمكن فهمه بأنه رفض لنشوء أو ممارسة مقاومة مسلحة، فإن معنى هذا الموقف اليوم بينما شعبنا يمارس هذه المقاومة بالفعل، هو الذهاب نحو الصدام مع هذه المقاومة، ونقل الاشتباك من دائرته الطبيعية والأساسية كاشتباك مع العدو الصهيوني، لاشتباك فلسطيني داخلي.

استغراب بعض من دائرة الرئيس أبو مازن لحدة الجبهة في الدفاع عن موقفها، على لسان نائب أمينها العام، يدلل إلى حد كبير على حجم الخلل في الواقع السياسي الفلسطيني الرسمي، الذي ما زال يفضل المجاملات على المواقف الواضحة الصريحة، ويفضل منطق الصفقات والمقايضة بين أطراف القوة على حساب الرؤى والمواقف المتعلقة بالحقوق الوطنية.

إن محصلة هذا اللقاء تؤكد أولًا وجود توافق وطني حقيقي، وامكانية تحول هذا التوافق لبرنامج وطني قابل للتنفيذ، وأيضًا تؤكد أن هذا التوافق وامكانية حشد الطاقة الوطنية في وجه العدو، وأيضًا امكانية استعادة وحدة وحيوية مؤسساتنا الوطنية ودورها في مواجهة العدو والدفاع عن حقوق شعبنا، معطل بسبب غياب الإرادة السياسية لدى الممسكين بزمام هذه المؤسسات.

الوقائع الميدانية وأبرزها تصعيد الاعتقال السياسي، والحملة الأمنية الموجهة على مخيم جنين من قبل الأجهزة الأمنية الفلسطينية، تؤكد للأسف وجود إصرار كبير على مسار صدامي، يستجر الجميع لاشتباك داخلي فلسطيني مرفوض جملةً وتفصيلًا، على حساب برنامج الوحدة في مواجهة العدوان وهو برنامج مطروح وممكن وقابل للتنفيذ وقد حصل فعليًا على التوافق الوطني لولا الإصرار على تعطيله.

الواجب الرئيسي للقوى الوطنية الفلسطينية وخصوصا تلك التي طرحت هذا البرنامج، ودافعت عنه بوضوح، ألا تلقي بأولوية الحوار والوحدة جانبا، وأن تتمسك ببرنامجها، في حماية وحدة شعبنا وتطويرها لفعل جماعي في وجه العدو، فالبديل مدمر لكل ما هو فلسطيني، ولا يمكن القبول به أو السماح بتمريره.