Menu

واقع المعركة: وقت الواجبات

بوابة الهدف الإخبارية

خاص _ بوابة الهدف

منذ توقيع اتفاقيات أوسلو بدء النضال الفلسطيني مسار انكسار، لم يقتصر اجتياحه لمظاهر الفعل الفلسطيني المضاد للغزاة الصهاينة، بل أنتج على نحو مستمر تقويض عميق للبنى الاجتماعية والوطنية الحاملة والمنتجة لهذا الفعل، ووجه ضربات كبرى للبنى التنظيمية، ومكونات الثقافة والوعي، وإذا كانت انتفاضة الأقصى وهبات شعبنا، وصمود غزة في معارك المقاومة قد شكلت بوادر ومساحات قطع مع مسار الانكسار، فإن المنظومة الدولية الراعية للعدو عملت على تجديد مسار أوسلو وتخليق أطوار جديدة من كيانية فلسطينية لا نضالية، كنقيض لنضال الشعب الفلسطيني ضد المشروع الصهيوني، أو ما أطلقت عليه المنظومة الاستعمارية "الفلسطيني الجديد" كرمز لمرحلة ومشروع وتصور مفاهيمي حول فلسطيني مستسلم لا يقاتل عدوه ويقبل بما يلقيه إليه هذا العدو من فتات امتيازات نظير استعباده وقتل أبناء شعبه.

حوالي ٣ عقود من الزمان منذ أوسلو، وحوالي ١٧ سنة منذ الانقسام و١٤ سنة منذ مؤتمر أنابوليس الذي أعاد تخليق "الكيانية غير النضالية" في فلسطين متمثلة في سياسات التنسيق الأمني وشروط وممارسات قمع وحصار المقاومة، هذه المساحة الزمانية التي توطدت فيها هذه الممارسات، كانت أيضًا مساحة لتطورات مضادة استطاع فيها شعبنا استجماع بعض من قوته وأدوات فعله، كما نشأت تطورات في المنطقة سمحت بتحرير بعض من أدوات الفعل الفلسطيني، لعل أهمها تطور قدرة ودور وسياسات محور المقاومة الذي بات يشكل ظهير حقيقي للصمود والنضال الفلسطيني، وفاعل في مواجهة السياسات والمشاريع الاستعمارية في المنطقة

تمثل معركة فلسطين في الضفة المحتلة تجسيدًا لهذه التطورات في كلا المشروعين، حيث تنهض الجماهير الفلسطينية وعبر تشكيلات مختلفة بفعل كفاحي في مواجهة العدو، وتحاول المنظومة الصهيونية حسم مصير الضفة الفلسطينية وأهلها باعتبار ذلك حلقة مركزية في حسم مسار ومستقبل الصراع، وما هو على المحك في هذه المعركة، شكل الوجود الفلسطيني الذي سيبقى على أرض فلسطين وطبيعة البنية الفلسطينية المهيمنة على المؤسسات والبرامج والفعل، أي هل تكون هذه البنية هي بقايا مشروع التنسيق الأمني المترهلة ومنظومات التعاون الاقتصادي مع المحتلين ووكالات محلية تقوم على تبادل الامتيازات والمنافع بدلًا من الحقوق الوطنية؟ أم الأدوات والبنى الشعبية والنضالية وحتى المؤسسات الوطنية التي عمل مشروع أوسلو على تقويضها وفي مقدمتها م ت ف، وفي هذه المعركة يبدو التبسيط أو التسطيح تهديد لا يقل في خطورته عن حراب العدو وقنابله.

إن استمرار احتجاز قطاع واسع من جماهير شعبنا رهينة للاحتياجات المعيشية التي تمسك بها أدوات أوسلو، وكذلك استمرار خطف المؤسسات الوطنية والقرار الوطني رهينة لهذه التركيبة، يشكل خطرًا أساسيًا على كفاح شعبنا في هذه المرحلة بالذات، وفي قلب برنامج أي جهد للمقاومة الوطنية ولمشروع التحرر الوطني الفلسطيني، يجب أن تقع مهمة تحرير هذه المساحات من الهيمنة والتبعية ومن مسار الهزيمة الذي اختطفها، وهو ما يوجب التعامل مع مهمات المرحلة بقدر كبير من إدراك الواجب على حساب جدل المظلوميات؛ فالمؤكد أن المحتجزين لشروط أوسلو يتحملون قدرًا كبيرًا من المسؤولية عن واقعهم، ولكن المؤكد أكثر وبلا جدل أن على قوى المقاومة والكفاح واجبات تتعلق بتحريرهم، وذلك كجزء من معركة التحرر الوطني.

لقد أسرت اتفاقية أوسلو مجتمعنا ومؤسساتنا الوطنية، ومسار انعتاقنا منه لن يحدث في لحظة واحدة، ولكن ظرف النهوض الكفاحي الباسل لقطاعات من شعبنا؛ كفيل بتطوير فرص هذا الانعتاق وتحرير الإرادة الوطنية من الهيمنة الاستعمارية، ولكن ذلك يتطلب برنامجًا وطنيًا واع ومدرك لهذا الهدف، يضع أولوية حشد أوسع شريحة ممكنة من الفلسطينيين في مواجهة العدو كشرط للانتصار في هذه المواجهة وفي هذه المرحلة التاريخية بالذات.

نعم يمكننا القول: أن التعامل بمسؤولية وطنية عالية وبحساسية بالغة مع تلك الشرائح المتورطة أو المرهونة لمسار أوسلو، هو ضرورة وشرط لتفكيك هذا المسار المهيمن، وتمكين المشروع الوطني التحرري المقاوم، من فرص التغيير الحاسم لمسار الصراع، وهذا لن يتم بالصراخ، ولكن بالعمل الجاد واليومي لتفكيك هذا المسار واستعادة وحدة شعبنا وإعادة نهوض بناه الاجتماعية والسياسية بأدوارها النضالية.

بعبارة أخرى، قد تبدو شائكة، لقد كان التشهير بأوسلو ومشروعها ضرورة في مرحلة عجز وطني عن خلق بديل نضالي قادر على الكفاح والقتال، أما اليوم فإن شعبنا لديه ما يكفي من الثقة والأدوات للقيام بما هو أكثر من مجرد التشهير بهذا المشروع، فهذه مرحلة تجاوزه واستعادة ما استلبه من مشروعنا الوطني لمصلحة الهدف الأساسي لهذا المشروع، تحرير فلسطين وهزيمة العدو الصهيوني بشكل حاسم.