Menu

تقريرأسرلةُ التعليمِ في القدس.. سبيلُ الاحتلال لطمسِ الهُويّة

مهند فوزي أبو شمالة

خاص_بوابة الهدف

حربٌ يشنّها العدو الصهيوني على الهُويّة الفلسطينيّة في مدينة القدس المحتلة، فعدا عن محاولات فرض الوقائع التاريخيّة والدينيّة في المدينة، إلّا أنّ سعيه مستمرٌ لطمس الهُويّة الفلسطينية؛ هويّةٌ لطالما كانت عنق الزجاجة التي ينظر منه المقدسيون لأرضهم المُحتلّة، التي تُحارب في بنياها وأهلها وحتّى تعليمها.

وضمن مساعي الاحتلال لطمس هوية الفلسطينيين في القدس المحتلة، الحرب على التعليم، التي كانت وستبقى هدفًا له؛ لخلق جيل مقدسي جديد يتشرب من الاحتلال معلوماته المُزيّفة التي تعتمد على تضليل الحقائق لتغيير عقليته وتفكيره، عبر فرض المناهج "الإسرائيلية" في مدارسها، الذي يتنافى بالأساس مع القانون الدولي؛ لأنّ القدس تعدّ أرضًا محتلّةً، ومن حق الشعب المحتل أن يختار المنهج التعليمي المناسب، إلّا أنّ الاحتلال يفرض سياسةً كبيرةً من الابتزاز وسحب التراخيص وإغلاق المدارس؛ لأنّ الهدف الأساس تحريف المناهج الفلسطينيّة وتغييرها، وهذه ممنهجة بدأت منذ عام 1967.

ليس جديدًا ولا آخرًا، من محاولة سلطات الاحتلال "أسرلة التعليم" من خلال فرض المناهج "الإسرائيلية" على المدارس الفلسطينيّة في الجزء الشرقي من القدس المحتلة، تنوي سلطات الاحتلال تدريس المنهاج "الإسرائيلي" في أيّ مدرسةٍ ينوي افتتاحها في تلك المناطق.
وفي هذا الإطار، قال الكاتب الصحفي المقدسّي راسم عبيدات، إنّ الاحتلال خطى خطوةً جديدةً تجاه أسرلة العملية التعليمية في القدس، عبر هذا القرار، الذي سيتمّ تطبيقه على الجانب الأكاديمي والتكنولوجي.

وأوضح عبيدات خلال اتصالٍ مع "بوابة الهدف"، أنّ المناهج "الإسرائيلية" تتضمّن كتبًا تحتوي على "المدنيّات الإسرائيليّة"، وأنّ القدس عاصمة دولة الاحتلال، لا وجود للنكبة والاستقلال، ولا وجود للأقصى بل "جبل الهيكل"، ولا اسم كالضفة الغربية بل "يهودا والسامرة"، والأشعار والقصائد اليهودية، والآيات التوراتية، وكل النصوص التاريخية "الإسرائيلية"، مشيرًا إلى أنّ كلّ ذلك يدخل في إطار عملية أسرلة الوعي للطلبة الفلسطينيين؛ لخلق أجيالٍ فلسطينيةٍ مفرغة من الانتماء الوطني، ولديها نقص عميق في قناعاتها ومشروعها الوطني؛ الأمر الذي يُشكّل طمسًا للهُويّة والفكرة الفلسطينيّة.

وأضاف: "المدارس التي سيتمّ افتتاحها من قِبَل بلدية الاحتلال في القدس المحتلّة، ضمن سياسة الخدمات التي تُقدّمها مقابل الضرائب والأموال التي يدفعها الفلسطينيون لحكومة الاحتلال، في الوقت التي تُمارس التضييق به على المدارس الفلسطينية، حيث الهدم وعدم منح تراخيص للبناء بذرائع عدم الترخيص، كما أنّ الاحتلال يعمل على إغلاق مدارس تدرس المناهج الفلسطينية، تحت حجج وذرائع مختلفة، ويخصصّ ميزانيات ضخمة لأسرلة العملية التعليمية، وضمن الخطة الخماسية 2018-2023، التي تنصّ على دمج السكان الفلسطينيين في الاقتصاد المجتمعي "الإسرائيلي"، وهي أكثر من 2 مليار شيكل، خُصّص منها 875 مليون شيكل لأسرلة العملية التعليمية، فالاحتلال يعد السيطرة على العملية التعليمية جزءًا من سياسة التهويد وأسرلة المدينة.

وحول أهداف هذا القرار، رأى الكاتب عبيدات أنّ الاحتلال يُريد إزاحة المنهاج الفلسطيني بشكلٍ كلي من مدينة القدس، وسط تراجع المدارس التي تُعلّم المنهاج الفلسطيني نتيجةً للقصور في تطوير العملية التعليمية، ارتباطًا بأنّ المدارس التي تتبع للسلطة في مدينة القدس أصبحت بيئةً صعبةً بالنسبة للمعلم والطالب، لافتًا إلى أنّ الاحتلال يعرض على المعلمين الفلسطينيين مبالغ تصل لـ 12 ألف شيكل رواتب، في حين ما يتقاضونه من السلطة 3000 شيكل، وفي هذا السياق، فإنّ 50 معلمًا مقدسياً طلبوا إجازات مفتوحة بعد إضرابهم الأخير للذهاب للمدارس "الإسرائيلية"، وأنّ كلّ ذلك يأتي وسط ما تشهده المدارس الفلسطينية من تراجعٍ في حالة الإشغال، بمعنى أنّ ما نسبة الطلبة فيها تُشكّل من 40-50% فقط.

المطلوب من السلطة لانتشال العملية التعليمية في القدس:

وفي هذا السياق، شدّد عبيدات على ضرورة وجود قرارٍ سياسيٍ للتصدّي لسياسة الأسرلة وتهويد العملية التعليمية، وأن يكون هناك جدية في التعاطي مع الحفاظ على العملية التعليمية، واتخاذ خطوات في هذا الشأن والبحث عن حلول كثيرة.

كما أكّد أنّ السلطة يجب عليها أن توفّر ميزانياتٍ كافيةً للتعليم، وأن تُوجد صناديق خاصة لدعم العملية التعليمية، وتوفير موارد لدعمها من الشركات الخاصة الكبرى أو غيرها الرسمية، فيجب أن يكون خطوات تحمي المنهاج الفلسطيني والعملية التعليمية بالقدس.

وحول هذه الخطوات، بين الكاتب عبيدات أنّها تتمثّل باقتطاع 5% من ميزانية الأمن ومكتب الرئيس، التي اعتبرها أنّها كافية للنهوض بالعملية التعليمية، وتوفير متطلبات المدارس والمعلمين، ليس بالشكل الذي يضاهي المدارس الخاصة و"الإسرائيلية" لكن ممكن أن يحفظ الحد الأدنى من المتطلبات، كما أنّ الخطوات ممكن أن تشتمل على اقتطاع 5 شيكل من رواتب العاملين في السلطة، وتشكيل صناديق خاصة لدعم العملية التعليمية، والتوجه للمؤسسات الإسلامية والعربية لشراء أراضي وإقامة مباني مدرسية عليها أو استئجار مدارس تدرس المنهج الفلسطيني.

المطلوب من الأهالي إزاء مواجهة عملية الأسرلة:

وفي ختام حديثه مع "الهدف"، أكّد الكاتب المقدسي عبيدات على ضرورة توعية الأهالي بطبيعم عة المنهاج "الإسرائيلي"، مشيرًا إلى أنّهم قد لا يَتَنَبّهون للمخاطر القائمة على تعليم المنهاج "الإسرائيلي" لأبنائهم، فيما يتعلق بأسرلة وعيهم واغترابهم عن واقعهم وثقافتهم وهويتهم وانتمائهم الوطنيّ.

وعدّ أنّ هذا الدور واقع على اتحاد لجان أولياء الأمور والقوى والمؤسسات، التي يجب عليها العمل على توعيةٍ شاملةٍ في المؤسسات والأحياء وغيرها لكشف حقيقة الخطر القادم من هذه الخطوة.

من جانبه، قال رئيس لجنة أولياء أمور الطلبة في القدس، رائد بشير: إنّ المدارس التي تدرس المنهاج "الإسرائيلي"، تُشكّل تحديًا للتعليم في القدس، وتثير قلقًا بسبب ما تنطوي عليه من آثارٍ محتملةٍ لهذا النهج على التعليم والثقافة الفلسطينية، حيث تعتمد هذه المدارس منهاجًا يهدف لتكريس وتعزيز الهوية والتراث اليهودي، مؤكّدًا على ضرورة التصدي لهذا التحدي من جوانب متعددة، سواءً من خلال العمل السياسي أو التفاعل الاجتماعي والدعم الاقتصادي.

وشدّد بشير في تصريحاتٍ صحفيةٍ على أهمية دعم التعليم الفلسطيني في القدس والحفاظ على المنهاج الوطني الفلسطيني، وهوية التعليم ومستقبله في القدس، داعيًا مختلف الجهات والأوساط الفلسطينيّة لمواجهة تحدّيات تطورات المناهج "الإسرائيليّة".

وأشار الى أنّ لجنة أولياء أمور الطلبة أكّدت أهميّةَ التمييز بين المناهج التعليمية في المدارس الفلسطينية، وتلك المدارس التي باتت تعتمد المنهاج "الإسرائيلي"، لافتًا إلى أنّ الاحتلال يبذل جهودًا متزايدة للترويج والدفع نحو اعتماد المناهج التعليمية "الإسرائيلية" في بعض المدارس بالقدس المحتلّة، جزءًا من سياسته لتغيير الهُويّة والسرديّة التاريخيّة الفلسطينيّة والثقافة الوطنيّة.

كما أكّد بشير أهميّة تضافر جهود الأهالي والمجتمع والجهات الفلسطينية المختلفة للتصدي لهذه الممارسات، مضيفًا: "نحن نسعى جاهدين لجذب انتباه الأهالي والمجتمع إلى هذا الأمر وخطورته، ونعملُ على نشر الوعي بأهمية الحفاظ على هُويّتنا وتراثنا التعليمي".

العدوّ الصهيونيّ ماضٍ في سياساته بحقّ فلسطين بشكلٍ عام، والقدس بشكلٍ خاص، فلا منجى من مواجهتها إلّا بمواجهتها، وهنا واجبات متراكمة؛ على السلطة بدايةً عبر وضع الخطط الجديّة للحفاظ على هُويّة القدس مهما كانت وكلّفت، وختامًا بالأهالي وأبنائهم عبر التوعية من مخاطر أسرلة ثقافتهم وضرورة مواجهة ذلك والتصدّي له.