Menu

التّحدّيات الجيوسياسيّة لمشروع "النظام الشرق أوسطي" في إطار العولمة الإمبرياليّة وأخطاره على القضيّة الفلسطينيّة وعلى الهُويّة العربيّة

عليان عليان

نشر هذا المقال في العدد 52 من مجلة الهدف الإلكترونية

 بعد انهيار الاتّحاد السوفياتي في مطلع تسعينات القرن الماضي، والعدوان الثلاثيني على العراق عام 1991؛ تكرّست الهيمنة القطبيّة الأمريكيّة على العالم بشكلٍ متفرّد، وباتت الدول الأوروبيّة أكثر تبعيّةً للولايات المتّحدة، ناهيك أنّ المنظّمات المنبثقة عن اتفاقية "بريتون وودز" بعد الحرب العالميّة الثانية، وهي (صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظّمة التجارة العالميّة التي حلّت محلّ اتفاقيّة الجات) والشركات المتعدّية الجنسيّة، أصبحت أداةً رئيسيّةً للهيمنة الأمريكيّة وللعولمة الإمبرياليّة.

وقد بات واضحًا بعد انتهاء الحرب الباردة، وفي ضوء المتغيّرات الجديدة، أنّ العولمة باتت تعني حالة الانتقال إلى مرحلة القطبيّة الواحدة والمسيطرة؛ أي أحادية الجانب الأمريكي على الصعد الاقتصاديّة السياسيّة والعسكريّة، وتفرّد الولايات المتّحدة بمقاليد السلطة العالميّة؛ أي تشكّل نظامٍ عالمي جديد بقيادتها - القطب الرئيسي والأوحد في تلك المرحلة - بعد أن أرهبت العالم بقوّتها العسكريّة ذات التقنية العالية، التي برزت قوّةً طاغيةً في حرب عاصفة الصحراء ضد العراق (1).

 لقد سعت الولايات المتّحدة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، إلى إقامة نظامٍ إقليميٍّ جديدٍ تحت مسمى "الشرق الأوسط الجديد" نظامًا فرعيًّا للعولمة الإمبرياليّة الأمريكية، تتحقق من خلاله المصالح الاستراتيجية الأمريكية، ومصالح الكيان الصهيوني ووجوده الآمن، بحيث يؤدي هذا الكيان دورًا محوريًّا في هذا النظام، عبر اندماجه في المنطقة، وبما يؤدّي إلى إحلال الهُويّة الشرق أوسطية محلّ الهُويّة القوميّة العربيّة، في ضوء إجراء اتفاقات سلامٍ مرتكزةٍ على علاقات ومشاريع اقتصاديّةٍ مشتركة.

وبصدد مشروع الشرق الأوسط الجديد نشير إلى ما يلي:

أوّلًا/ الولايات المتّحدة تسخّر العولمة في المنطقة لمصلحتها بحكم امتلاكها أدوات القوة ووسائلها بمعناها الشامل، وخاصةً وسائل الردع والقوّة العسكريّة، فإنّها عملت منذ سبعينات القرن الماضي على ما يأتي:

1- عملت على تسخير "العولمة" لصالحها، وبوسعنا القول: إنّ الخطط والأطروحات المتتابعة التي يشهدها العالم بشأن العولمة وتطوّراتها، إنّما ترتبطُ عمومًا بالمشروع السياسي الأمريكي الساعي لتوحيد العالم من خلال "رأسماليّة السوق" (Marketing Capitalism). وأوّل الخطوات التنفيذيّة لهذا المشروع، هي الحربُ التي شنّتها الولاياتُ المتّحدةُ وحلفاؤها وأدواتها على العراق عام 1991، التي كانت أشبه بحربٍ عالميّةٍ شنّها الشمال الذي تقوده الولايات المتّحدة على الجنوب، بعد أن حوّلت أوروبا واليابان إلى تابعين لها.

2- عملت على بسط نفوذها على "منطقة الشرق الأوسط"، وذلك بحكم موقعها الحيوي في العالم، فمنطقة الشرق الأوسط كانت ولا تزال أعظم منطقةٍ استراتيجيّةٍ بالنسبة إلى مصالح الولايات المتّحدة، التي لم تتوقّف يومًا عن دعم الأنظمة السياسيّة الموالية لها، ناهيك عن تبنّيها الكامل (لإسرائيل) منذ اغتصاب المنظّمات الصهيونيّة ل فلسطين عام 1948.

ولا تقلُّ أهميّة الشرق الأوسط في التفكير الاستراتيجي الأمريكي، عن أهمية أمريكا الوسطى والكاريبي وحتّى أوروبا، حيث ستبقى (إسرائيل) هي الحليف المركزي للولايات المتحدة والمرتبطة بها عضويًّا، من خلال اندماجٍ متنوّعٍ في طبيعته وسري في تكوينه ومتعدّد في أبعاده.

ثانيًا/ مشروع الشرق الأوسط الجديد:

لقد عملت الولايات المتّحدة منذ مطلع تسعينات القرن الماضي، وخاصّةً بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ودول المنظومة الاشتراكيّة، على خلق ترتيباتٍ إقليميّة، تتلاءم مع الرؤية الاستراتيجيّة الأمريكيّة لفترة ما بعد انتهاء الحرب الباردة، لإقامة نظامٍ إقليميٍّ جديد - عولمة فرعيّة للعولمة النيوليبراليّة الأمريكيّة - تحت مسمى "مشروع الشرق الأوسط الجديد" بحيث تكون "السوق الشرق أوسطيّة" "والتعاون الاقتصادي الإقليمي" أهم ركيزتين لهذا النظام، وأن تضطلع (إسرائيل) فيه بدور الشريك (2).

 

 يمكن الجزم، بأن الحربين التي شنتهما الولايات المتحدة وحلفاؤها وأدواتها على العراق عامي 1991، 2003 تندرجان في إطار تحقيق هدفين هما: ضمان أمن الكيان الصهيوني، وخدمة الاحتكارات الأمريكيّة في مجال النفط وغيره، وكلا الهدفين يصبّ في إطار الشرق الأوسط الجديد.

إذ إنه وبعد سنة واحدة من غزو العراق (2003)، وحسب ما ورد في صحيفة "الفاينانشال تايمز"، زادت أرباح شركة هاليبرتون 80 في المائة، وزادت أرباح شركة "شيفرون تيكسيكو" 90 في المائة، أمّا أسهم شركة صناعة الأسلحة "لوكهيد مارتن" فزادت 300 في المائة منذ تولي جورج بوش الابن الحكم، وبعد سنة على غزو العراق (3).

كما يمكننا الجزم بأن غزو العراق، والجهود الأمريكية لتصفية القضيّة الفلسطينيّة بدءًا من مؤتمر مدريد (1991) مرورًا باتفاقات أوسلو (1993) ومعاهدة وادي عربة الأردنية الإسرائيلية 1994، والقمم الاقتصادية للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في الدار البيضاء (1994) وعمان (1995) والقاهرة (1996) ثم مبادرة السّلام العربيّة عام 2002 وخطّة خارطة الطريق لتسوية الصراع في شقّه الفلسطيني الإسرائيلي عام 2003، ومؤتمر أنابوليس عام 2007، وصفقة القرن 2020، يضاف لذلك الحرب التي شنّتها (إسرائيل) على لبنان عام 2006 والحروب الإسرائيليّة المتتالية على قطاع غزة (2008، 2012، 2014 ، 2023)، والربيع العربي المزعوم، والحرب الإمبرياليّة العدوانيّة والرجعيّة على سوريّة منذ عام 2011، واتفاقيات التطبيع الإبراهيميّة منذ عام 2020.. إلخ، يمكننا الجزم بأنها تندرج كلها في إطار خلق الظروف وتهيئة الأجواء لإقامة مشروع الشرق الأوسط الأمريكي.

ثالثًا/ الأهداف الأمريكيّة المتوخاة من مشروع " الشرق أوسط الجديد" وتتمثّل فيما يأتي:

1- سعي الولايات المتحدة لإحكام سيطرتها الجيوسياسيّة على المنطقة، وتوظيف مبرر الحفاظ على أمن الخليج لإحكام هذه السيطرة من جانب، ولتعزيز وضعها الاقتصادي عبر الاستحواذ على ثروات المنطقة من جانبٍ آخر، ولتكريس هيمنتها على النظام الدولي من جانب في مواجهة القوى الصاعدة (ألمانيا في أوروبا، واليابان والصين في آسيا) من جانب ثالث، والحفاظ على أمن (إسرائيل) وتمكينها، من أن تؤدي دورًا رئيسيًّا في هذا المشروع من جانب رابع. كما أن مشروع الشرق أوسط الجديد، يأتي امتدادًا لمحاولات الولايات المتّحدة الأمريكيّة السابقة لإزاحة النفوذ الأوروبي من المنطقة، واستكمالًا لمشاريعها، وتحديدًا مشروع الرئيس الأمريكي الأسبق "أيزنهاور" "لملء الفراغ"، الذي طرحه بعد العدوان الثلاثي الفرنسي البريطاني الإسرائيلي على مصر عام 1956.

تجدرُ الإشارةُ هنا إلى أن (النظام الشرق أوسطي) (والسوق الشرق أوسطية) مصطلحان جرى التركيز عليهما في وسائل الإعلام، منذ انتهاء الحرب الباردة، وخاصةً منذ عام 1993 وهو العام الذي جرى فيه توقيع اتفاق أوسلو، بين منظمة التحرير الفلسطينية (وإسرائيل) عام 2003.

في ضوء ما تقدّم، يصبح من السهولة معرفة الهدف الأساسي من وراء عمل الولايات المتحدة (وإسرائيل)، على ربط قضية (السلام) أو تحديدًا: تسوية الصراع بين العرب (وإسرائيل) بمسألة التعاون الاقتصادي، من خلال النظام الشرق أوسطي، إذ إنّه من خلال هذا الربط يمكن تجاوز العناصر الحادة في الصراع، وخصوصًا الجوانب المتعلّقة بالقضيّة الفلسطينيّة، وإيجاد حالة من التعاون والترابط المتبادل، بما يجعل البلدان العربيّة "أكثر طواعية" للمصالح الاستراتيجيّة الأمريكيّة، في عصر العولمة الاقتصاديّة والاحتكار التقني، بحيث تصبح مجموع الخطط الاقتصاديّة، ومشاريع البنية الأساسيّة، رابطًا رئيسيًّا بين بلدان المنطقة و(إسرائيل) و تركيا على نحوٍ لا فكاك منه، أو بالأحرى على نحوٍ يجعل "كلفة الانفصال" باهظةً جدًّا بالنسبة للدول العربيّة، التي تريدُ أو تودّ الانسحاب من إسار الترتيبات الإقليميّة الجديدة (4).

لقد أدركت الولاياتُ المتّحدة، أن تحصين السلام بين الدول العربيّة (وإسرائيل) لا يمكن ضمانته كليّةً في إطار الاتفاقات، والمعاهدات والترتيبات الأمنيّة والتمثيل الدبلوماسي وغير ذلك من إجراءات السلام.. إلخ؛ لأنّ هذا "السلام" قد يتحوّل إلى سلامٍ باردٍ وهشّ، وأنّ الضمانة الحقيقيّة لإنهاء الصراع العربي مع (إسرائيل)، تكمنُ في إقامة قاعدةٍ عريضةٍ من الترتيبات والمشاريع الاقتصاديّة بين (إسرائيل) والدول العربيّة، "كمشروع قناة البحرين" الذي يربط بين البحر الأحمر والبحر الميت، واتفاقية شراء الغاز من قبل الأردن من (إسرائيل) والمدن الصناعيّة المؤهّلة في هذا ال قطر العربيّ أو ذاك، التي تشارك (إسرائيل) فيها إلخ.. بما يفضي إلى نوعٍ من السلام الحي والديناميكي.

وهكذا، فإنّ الولايات المتّحدة تعطي أهميّةً استثنائيّةً للشرق الأوسط ، باعتباره ميدانًا رئيسيًّا للهيمنة والنهب الإمبريالي للثروات؛ ذلك أنّ الترتيبات الاقتصاديّة التي يجري تنفيذها في إطار النظام الاقتصادي الشرق أوسطي وتلك المقترحة، التي يجري شنّ الحروب الأمريكيّة والإسرائيليّة من أجلها (العدوان على العراق عامي 1991 و 2003، والعدوان على لبنان في حرب تموز 2006، والعدوان في حروبٍ متّصلةٍ على قطاع غزّة في الأعوام 2008، 2012، 2014 الخ) هي جزءٌ من فهمٍ أمريكيٍّ صهيونيٍّ مشترك، لتنمية روابطَ اقتصاديّةٍ إقليميّةٍ تحقّق المصالح الحيويّة للولايات المتّحدة (وإسرائيل).

ويرتكزُ هذا المفهوم على أن تكون (إسرائيل) المركز الإقليمي لهذا الفضاء الاقتصادي الشرق أوسطي، على أن يتمَّ تكوين هذا الفضاء بعد سلسلةٍ من الخطوات أبرزها (5):

1- إخضاع المنطقة للهيمنة والسيطرة الأمريكيّة، ووضع المنطقة كلّها تحت هذه الهيمنة والسيطرة.

2- فرض الكيان الصهيوني (إسرائيل) وإدماجه استراتيجيًّا بالمنطقة العربيّة من أجل الهيمنة على مقدّراتها الاقتصاديّة.

ت- إنهاء المقاطعة الاقتصاديّة العربيّة (لإسرائيل) وللشركات المتعاملة معها.

3- تطبيع العلاقات الاقتصاديّة العربيّة مع (إسرائيل) ثمَّ تطبيع العلاقات السياسيّة معها.

4- وضع التعاون الإقليميّ تحت المظلّة الأمريكيّة.

يضاف إلى ما تقدّم، فإنّ مشروع الهيمنة الإمبراطوريّ الأمريكيّ الذي يتفرّع منه النظام الشرق أوسطي يستهدف ما يأتي (6):

1- السيطرة على منابع النفط وعلى البرزخ القائم بين شرق البحر المتوسّط "بلاد الشام وبلاد الرافدين" والخليج لدقّ إسفينٍ جيوسياسيّ يفصلُ العوالم الثلاثة "العربي والتركي والفارسي" بعضها عن بعضها الآخر، تدبيرًا استراتيجيًّا استباقيًّا لمنع تضامن العوالم الثلاثة في مواجهة مشروع الهيمنة الإمبراطوري الأمريكي.

2- إعادة تشكيل المنطقة العربيّة سياسيًّا وثقافيًّا، على نحوٍ يؤدّي إلى تفتيت كيانات "سايكس – بيكو" لدويلاتٍ أو جمهورياتٍ هزيلةٍ وهزليّةٍ تقومُ على أسسٍ مذهبيّةٍ وقبليّة، فتكون بذاتها حدودًا آمنةً (لإسرائيل).

3- تصفية قضيّة فلسطين وفق شروط (إسرائيل) بإقامة كيانٍ فلسطينيٍّ هزيلٍ بلا سيادةٍ ومجرّدٍ من السلاح، وحرمان اللاجئين الفلسطينيين من حقّ العودة.

4- أمركة سائر دول المنطقة بإقامة نظم "ديمقراطية!" تابعة وفق المواصفات الأمريكية تعتمد اقتصاد السوق وحرية التجارة، وتنفتح على العولمة بما هي "الأمركة"، وتكون ممسوكةً بواسطة طبقةٍ سياسيّة، عمادها رجال الأعمال وحلفاؤهم من الجماعات المذهبيّة وأجهزة الاستخبارات وزعماء العشائر.

في ضوء ما تقدّم، فإنّ النظام الشرق أوسطي الجديد هو نظامٌ إقليميٌّ نقيضٌ للنظام القومي العربي، ونقيضٌ للهُويّة القوميّة العربيّة، يمكّنُ الولايات المتّحدة من الاحتفاظ بسيطرتها على المنطقة، خاصةً على الموارد النفطيّة والماليّة، وأنماط التصنيع والتقنيّة والتسويق والتمويل، وبذلك تتأكّد الهيمنة على نفط العرب ونمط تصنيعهم ونمط استهلاكهم، ونمط استثمارهم ونمط تجارتهم الداخليّة والخارجيّة (7).

رابعًا/ سبل حماية الهُويّة الثقافيّة الوطنيّة:

مثلما شكّل فقدان المناعة الاقتصاديّة مدخلًا لضرب السيادة والاستقلال وتهميش الهُويّة الثقافيّة وتذويبها في إطار هُويّة المركز الإمبرياليّ الرئيسي، فإنّ إعادة الاعتبار للاستقلال الاقتصادي، هو المدخلُ والممرُّ الإجباريّ للحفاظ على الهُويّة الثقافيّة والسيادة والاستقلال الحقيقي.

ومتطلّبات هذه المناعة ترتكزُ على أمورٍ عدّة:

1- التكامل الاقتصادي بين الدول العربيّة، وهذا الأمرُ يتطلّبُ إرادةً سياسيّةً قوميّة. لقد أقيمت مشاريع الوحدة الاقتصاديّة العربيّة وخططها عبر اتفاقاتٍ في جامعةٍ الدول العربيّة منذ خمسينات القرن الماضي، لكنّها انتهت بالفشل؛ ارتباطًا بعوامل عدّة، أبرزها (8):

أ- غياب الإرادة السياسيّة لدى معظم قادة الدول العربيّة.

ب-ارتهان بعض الدول العربيّة للأجندات الغربيّة وتبعيّتها الاقتصاديّة للدول الرأسماليّة الغربيّة

ج-اختلاف النظم الاقتصاديّة والاجتماعيّة في بلدان الوطن العربي

2- التحصين الثقافي: بمعنى أن تعمل النخب الثقافيّة على خلق حالةٍ من التحصين الثقافي للحفاظ على الهُويّة الثقافيّة القوميّة والوطنيّة، عبر التركيز على مفردات الانتماء والهُويّة والثوابت الوطنيّة والقوميّة، وأن تعمل الدول الوطنيّة على توظيف المناهج التعليميّة في خدمةٍ للحؤول دون تحقيق الاختراق الثقافي المعولم. وهنا نشيرُ إلى ما أكّده محمد عابد الجابري: بأنّه لا يمكن أن تكون هنالك ثقافة عالميّة واحدة، بل ثقافات، وأن للهُويّة الثقافيّة الجامعة، مستويات ثلاثة: هي فرديّة وجمعويّة ووطنيّة قوميّة، والعلاقة بين هذه المستويات، تتحدّد أساسًا بنوع الآخر الذي تواجهه، ولا تكتملُ الهُويّة الثقافيّة، إلا إذا كانت مرجعيّتها جماع الوطن والأمة والدولة (9).

3- تفعيل حركات المقاومة في الوطن العربي ضدّ المشروع الصهيو أميركي وضد الاحتلال الصهيوني لفلسطين وجنوب لبنان؛ إذ إنّ نجاح المقاومات العربيّة يفشل استهدافات العولمة على صعيد الهويّة، ويفشل مشروع الهُويّة الشرق أوسطيّة.

لقد أفشلت المقاومة اللبنانيّة مشروع الشرق الأوسط الجديد من بوّابة هزيمتها للعدوان الصهيو أميركي على لبنان  عام 2006، ومن بوابة التصدّي والمقاومة له في فلسطين والعراق وسوريا وإيران، لكن الولايات المتّحدة رغم انسحابها الذليل من أفغانستان، ورغم انشغالها بالأزمة الأوكرانيّة في مواجهة روسيا، ورغم انشغالها في مواجهة التحدّي الصيني، تسعى لإعادة الاعتبار لمشروعها من بوابة إدامة الحصار على سورية وتفعيل حضورها العسكري في العراق وسورية، واستمرار تبنيها العملي لصيغة صفقة القرن الترامبيّة، واستمرار محاولتها لفرملة الاتفاق السعودي الإيراني ولإنجاز التطبيع الرسمي بين السعودية والكيان الصهيوني.

4- الديمقراطيّة الاجتماعيّة: كما أنّ النضال من أجل العدالة الاجتماعيّة والديمقراطيّة المرتبطة بها، في مواجهة الليبراليّة الجديدة، يحفظ للدولة هيبتها وكرامتها وهُويّتها الوطنيّة.

 لقد وصل د. سمير أمين في أطروحةٍ له بشأن الاستراتيجيّة المضادة للنهج النيوليبرالي المعولم إلى خلاصةٍ مفادُها: "أنّه لا يمكن الفصل بين النّضال من أجل العدالة الاجتماعيّة والديمقراطيّة، ونظامٍ دوليٍّ متعدّد المراكز، مشيرًا إلى أنّ الولايات المتّحدة تعرفُ ذلك، وهي لهذا السبب تحاولُ أن تفرض نظامها الدولي المسيطر بالقوّة العسكريّة محلّ القانون". وهي تعرفُ أنّ هذا هو السبيل الوحيد، لفرض "النظام الاجتماعي النيوليبرالي" الجائر، ومن ثَمَّ تقضي على الديمقراطيّة حيثما وجدت، وتمنعها من الظهور في أي مكانٍ آخر. وعلى حركات المقاومة ونضالات الشعوب أن تفهم ذلك هي الأخرى، وأن تفهم أن مشروعاتها للتقدّم الاجتماعي والديمقراطيّة، لن يكون لها مستقبل، إلا بعد دحر مشروع السيطرة العسكريّة للولايات المتّحدة الأمريكيّة (10).

مراجع الدراسة:

1- بير كاسن، مقاتل بعنوان: "إنقاذ المجتمع" منشور في كتاب لمجموعة من المشاركين، بعنوان "العولمة – الطوفان أن الانقاذ"، تحرير فرانك جي وجون بولي، ترجمة فاضل جنكر، صادر عن المنظمة العربية للترجمة ومركز دراسات الوحدة العربية، مارس – آذار 2004، ص 37- 38.

2- حسين معلوم، دراسة حول التسوية في زمن العولمة- التداعيات المستقبلية لخيار العرب الاستراتيجي، في إطار ندوة منشورة في كتاب "العولمة والتحولات المجتمعية في الوطن العربي، تحرير د. عبد الباسط عبد المعطي، مركز البحوث العربية والجمعية العربية لعلم الاجتماع، الناشر: مكتبة المدبولي، القاهرة،1999، ص 118-119.

3- عبد الحي زلوم، أزمة نظام "الرأسمالية والعولمة في مأزق"، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، الطبعة الأولى، 2009. ص44.

4-حسين معلوم، مصدر سابق، ص129- 130.

5- حميد الجميلي، دراسات في التطورات الاقتصادية العالمية والإقليمية المعاصرة، أكاديمية الدراسات العليا والبحوث الاقتصادية، ليبيا – طرابلس، 1998م، ص 347.

6- عصام النعمان – لبنان، ورقة بعنوان "نحو مواجهة مشروع الهيمنة الامبراطوري الأمريكي طرحت في المؤتمر القومي العربي في بيروت في نيسان 2003"، منشورة في جريدة الوحدة الأسبوعية الأردنية، عدد 92، تاريخ 18 حزيران / يونيو 2003، ص 11

7- حميد الجميلي، مصدر سابق، ص 348

8- عليان عليان، العولمة ليست قدراً: في مواجهة تحديات العولمة النيوليبرالية... ما العمل؟  دار فضاءات للنشر والتوزيع، ط 1، 2018، ص 144- 147.

9- محمد عابد الجابري، ندوة العرب والعولمة، بيروت، كانون أول 1997، جريدة العربي، القاهرة، 29 كانون أول 1997، ص 299

10- سمير أمين - بحث تحت عنوان: البديل للنظام النيوليبرالي المعولم والمسلح- الإمبريالية اليوم وحملة الولايات المتحدة للسيطرة على العالم، منشور في كتاب "المجتمع والاقتصاد والعولمة"، مركز دراسات الوحدة العربية، سلسلة كتب المستقبل العربي، ص 26.