باحثٌ وكاتب/ فلسطين
في ظلّ التغييرات الإقليميّة التي تشهدها المنطقة، والفشل في تدمير الدول المركزيّة في الصراع عبر الحروب الأهليّة الداخليّة، مثل: سوريا، واليمن، والعراق...، هذه الحروب التي أنشأتها الأنظمة الرأسمالية محورًا في المنطقة، بدأ من أمريكا وحليفها الاستراتيجي "إسرائيل"، والحليف الاقتصادي القوي، وهي "السعودية"، حيث الأخيرة هي أكبر اقتصاد في الشرق الأوسط، وهي واحدةٌ من أكبر 20 اقتصادًا في العالم، ولديها أكبر احتياطياتٍ نفطيّةٍ في العالم، بالإضافة إلى أنّها الوصي على الأماكن المقدّسة وخصوصًا "الكعبة".
يتمُّ من فوق الطاولة بعد الفشل في إسقاط هذه الدول - اليمن، سوريا، العراق...- مناقشة ملف تطبيع العلاقات بين "إسرائيل" و السعودية من جديد، وبطبيعة الحال هذا الملف قامت "أمريكا" بإعطاء ضوء أخضر لدعمه لإعادة تمركزها في المنطقة بعد الحرب الروسية الأوكرانية، أما نتنياهو فهو في أمسّ الحاجة لإعادة تعزيز دوره السياسي طموحًا شخصيًّا. كما وصف "غانتس" أحد زعماء المعارضة في "إسرائيل"، وسيدعم "نتنياهو" هذا الملف بعد دخول "إسرائيل" في احتجاجاتٍ غير مسبوقة في تاريخها بعد التعديلات القضائيّة لتقويه حزب الليكود الذي يقود الحكومة الإسرائيلية في الفترة الراهنة، وعلى صعيد "السعودية" تبحث عن دورها في قيادة العالم، وهي تنصب العداء الواضح لإيران، حيث الأخيرة هي محور هذا الاتفاق.
خلف الكواليس تُبذل جهودٌ حثيثةٌ لترتيب هذا الاتفاق، وفي هذا السياق لا يمكن أن يكون الطرف الفلسطيني بعيدًا عن هذا المشهد، فقد تناولت وسائل إعلامية زيارة وفد فلسطيني إلى السعودية وعلى رأسه "حسين الشيخ"، للاستماع لمطالب الفلسطينيين، على الرغم هنا أنّني مؤمنٌ أن القيادة الفلسطينية في رام الله تعلم أنها لن تمنع إنجاز هذا الاتفاق، حيث المصالح الكبرى "للسعودية وإسرائيل وأمريكا "أهم من مطالب القيادة الفلسطينية، ولذلك سيذهبون نحو حل اقتصادي لإرضاء الفلسطينيين، وسيتم ذلك تحت مبدأ تدوير الزوايا، وهذا ما كشفته بعض وسائل الإعلام عن لقاء "أمريكي فلسطيني" في العاصمة عمان لمناقشة هذا الملف، حيث الأمريكي لم يتعهد بإنجاز ملف دولة على حدود الرابع من حزيران.
يُشكل الاتفاق بالنسبة للكيان الصهيوني ضرورةً وخيارًا في الوقت نفسه، حيث يحاول الكيان الحفاظ على جداره الحديدي وتقويته عبر هذه الاتفاقيات، وتحديدًا بعد عودة "المقاومة" إلى ساحة الضفّة الغربيّة، وعليه سيقوم الكيان بتقديم بعض التنازلات للطرف الفلسطيني لا تتعدّى السقف الاقتصادي، ذرًّا للرماد في العيون، وأكثر سيتم الضغط على الطرف المضغوط بالإساس وهو "السلطة الفلسطينية"، حيث الأخيرة تتفاوض في هذا الملف وهي في فم الثعلب، وأكثر في ظل الانقسام الفلسطيني الداخلي الدامي، الذي يُضعف الموقف الفلسطيني بالإساس، الذي كان يجب إنجازهُ داخليًّا قبل الهرولة نحو السعودية، وفي هذا الصدد يقول الكاتب "هاني المصري" في مقاله الذي حمل عنوان "الموقف الفلسطيني من التطبيع السعودي الإسرائيلي": "طبعًا، لو كان الموقف الفلسطيني موحّدًا وفاعلًا، وينطلق من رؤيةٍ شاملةٍ ويستندُ إلى برنامجٍ وطنيٍّ وواقعيٍّ قادرٍ على التعامل مع الواقع من أجل تغييره لا الاستسلام له، لاختلف الأمر، وكان يمكن وقف التطبيع، خصوصًا أن إسرائيل تمر في أزمة غير مسبوقة، وأن الإقليم والعالم يتغيران، وعلينا أن نتغير لكي نؤثر ونحقق ما نريد، لا أن يأتي التغيير على حسابنا".
تقول مجلة الهدف الفلسطينية في مقدمة نشرها لمقال قديم للكاتب الشهيد " غسان كنفاني ": انطلاقًا من القاعدة العلميّة التي تقول: إنّ فهم الحاضر واستشراف المستقبل لا يمكن أن يكون دون فهم الماضي واستيعابه نقوم بنشر مقال لغسان كنفاني بعنوان: "الحلف السري بين السعودية وإسرائيل²"، والسؤال الذي يُطرح هنا وعلى الملأ " لماذا نحن في حاجة لقراءة هذا المقال في هذه المرحلة؟".
أوّلًا: تحت القاعدة التي تم ذكرها من قبل الهدف، حيث لا يمكن فهم ما يجري الآن من اتفاقٍ تطبيعيٍّ بين السعودية "وإسرائيل" دون فهم الماضي وإدراكه. ثانيًا: تنبّأ "غسان كنفاني" من خلال هذا المقال الذي وصف فيه الحزام الأمني الذي تشارك فيه السعودية برعاية إمبرياليّة، ويمكن هنا أن نأخذ فقرةً واحدةً من هذا المقال لفهم هذا الدور، يقول "غسان كنفاني": "لا يتمثل التواطؤ غير المكتوب بين السعودية وإسرائيل فقط في حقيقة أن النفط العربي يضخ من السعودية إلى الشرايين الأوروبية تحت الحماية الإسرائيلية، بثمن يدفعه النظام السعودي نقدًا لجعل إسرائيل قادرةً على توفير حماية أفضل، في الأرض السورية المحتلة لمصالح الإمبرياليّة، ولكن يتمثّل أيضًا في الأنباء التي تقول أنّ الأرامكو، بالاتفاق مع الحكام السعوديين بالطبع، قد وافقت سرًّا على إعطاء إسرائيل ما قيمته 20 مليون ومع ذلك، فإنّ هذين الأمرين ليسا سوى نتيجة لواقع أكثر عمقًا وتعقيدًا، ومن قصر النظر الاعتقاد بأنّهما جاءا مقطوعي الصلة بأسبابٍ وارتباطاتٍ موضوعيّةٍ تجعلُ من مجمل ما يحدث، على المدى القصير وعلى المدى الطويل، تعبيرًا عن حلفٍ سري غير مكتوب، ولكنّه موضوعيًّا قائمٌ فعلًا بين النظام السعودي وبين إسرائيل".
يعتقد "غسان كنفاني" أن هذا الحلف السري غير المكتوب يتركز في استراتيجية الاستعمار والإمبريالية، وبين فكي كماشة تلاعب إسرائيل من جهة، والسعودية من جهة أخرى. إذنْ، وبناءً عما سبق يمكن القول: إن العلاقة بين السعودية "وإسرائيل" ليست جديدة، وهذا ما تحدث به موقع "أخبار 12/نير دبوري" الإسرائيلي عن وجود علاقاتٍ وثيقةٍ بين "إسرائيل" والسعودية في الكثير من المجالات من تحت الطاولة منذ سنين، سواءً على صعيد تبادل المعلومات على الصعيد الاستخباري وغيرها، وكذلك صناعات ومنتجات وأنظمة يشتريها السعوديون من "إسرائيل" وعلى رأس تلك الأنظمة برنامج التجسس "بيغاسوس" من شركة NSO، بالإضافة إلى زياراتٍ سريّةٍ بين قيادات في الصف الأول.
بناءً عما سبق في ظل الظروف الدولية، والتغييرات الإقليمية، وصعود محور المقاومة برعاية "إيران"، والأخيرة كانت أحد حلفاء السعودية في الحزام الأمني، ولكن شكلت الثورة الإسلامية في إيران وإسقاط "الشاه" ضربة كبيرة لهذا المخطط المسمى بحسب "غسان كنفاني" شرق السويس". وفي سياق منفصل، إنّ إنجاز هذا الاتفاق يعني أن مبادرة السلام العربيّة التي أطلقتها السعوديّة كانت قد ولدت ميتةً بالفعل، واليوم يتمّ دفنها، وفي سياقٍ متّصلٍ يمكن القول: إنّ الوفد الفلسطيني الذي يشاهد إعادة ترتيب المنطقة عن كثبٍ ينطبق عليه المثل القائل: "جت الحزينة تفرح ما لقت لها مطرح"، حيث الوفد الفلسطيني الذي يفتقد لعناصر القوة ليس له "مطرح" كما يأمل في هذا الاتفاق، وعليه سيبقى حزينًا كعادته، وهذا ما صنعه سلوكهم السياسي بطبيعة الحال، وهنا تحديدًا ومجدّدًا ينطبق على الوفد الفلسطيني فيما يخصّ سلوكه السياسي المثل القائل: " دق المي و هي مي ".
***
¹. تم اقتباس العنوان من مقال سابق للشهيد الراحل "غسان كنفاني" بعنوان "الحلف السري بين السعودية وإسرائيل، تم نشره من قبل "غسان كنفاني" على صفحات مجلة الهدف بتاريخ 10/1/1970. رابط المقال للاطلاع https://hadfnews.ps/post/70196/%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%84%D9%81-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B1%D9%8A-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B9%D9%88%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D9%88-%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84.
². تم إعادة نشر مقال الشهيد "غسان كنفاني" والذي حمل عنوان "الحلف السري بين السعودية وإسرائيل" عبر بوابة الهدف بتاريخ 8يوليو 2020.