Menu

العقيدة العسكرية الصهيونية.. سقط الجدار الحديدي

ثائر أبو عياش

إلى صُلْب الموضوع، يُعدّ ديفيد بن غورين من الناحية العملية هو المؤسس الفعلي للعقيدة العسكرية الصهيونية، التي تقوم مقام المبدأ التنظيمي المركزي للمجتمع الصهيوني على حد وصف الأكاديمي الصهيوني باروخ كيمرلينغ، وقد أستند بن غورين على نظرية الجدار الحديدي لجابوتنسكي في بناء هذه النظرية، وقبل أن نثب سريعًا على الجدار الحديدي الآنف الذِّكر نذهب بشكلٍ سريع لإلقاء الضوء على النظرية العسكرية الصهيونية التي رأى من خلالها بن غورين أن الصراع العربي - الصهيوني بمثابة صراع وجود طويل الأمد سيمتد إلى عقود طويلة.
تحديات تأتي في سياق إستراتيجي تواجه الكيان الصهيوني، ومن أبرز هذه التحديات هو الموقع الجغرافي الضيق، مما جعل هذا الكيان يُواجه صعوبة في عملية الدفاع بسبب الحدود العربية الملاصقة له _ فلسطين المحتلة_ فضلًا عن وجود فوارق في عدد السكان والموارد الاقتصادية، وفي هذا الصدد سعى بن غورين إلى ضرورة العمل على تسليح جميع سكان الكيان، أو ما أسماه بالأمة المسلحة "Natino in Arm" فضلًا عن ذلك قام بن غورين ببناء العقيدة الصهيونية للحفاظ على مشروع الكيان على مستويين، هما: المستوى العملياتي - الاستراتيجي الذي يُشكل المبادئ والمفاهيم التي تحدد استراتيجيات الحرب والأمن، وتستند هذه المبادئ على أربعة ركائز أساسية، وهي: الردع، والإنذار، والحسم، والدفاع، أما فيمَا يخص المستوى الثاني فهو المستوى الوجودي الذي يعني وجود ارتباط وثيق بين المجتمع والثقافة والاقتصاد والسياسة... وما بين القيم والمفاهيم العسكرية التي تنخرط بقوة في كافة أنساق المجتمع الصهيوني.
في عمق ما سبق تمَّ بناء النظرية العسكرية التي تشكّل الشريان التاجي للوجود الصهيوني بواسطة نظرية جابوتنسكي كما تحدثنا سابقًا، وتقوم نظرية الجدار الحديدي لجابوتنسكي التي يستند عليها اليمين الصهيوني المتطرف وتحديدًا نتنياهو على أن قَبُول العالم العربي بدولة "إسرائيل" لا يمكن عن طريق الإقناع، بل عن طريق القوة، أو السحق العسكري للمقاومة ليستمر المشروع الصهيوني ويتطور رغم أنف الشعب الأصلي على حد وصف جابوتنسكي، فضلًا عن ذلك يقول جابوتنسكي: ما دام لديهم بصيص أمل  _ الشعب الفلسطيني _ للتخلص منّا فلن يبيعوا آمالهم، لا بالكلام المعسول ولا بقطعة خبز... وفقط عندما لا يبقى في "الجدار الحديدي أيّ شق، لا يبقى لديهم بصيص أمل".
ما تزال هذه النظرية تمثّل المبدأ الأساسي في البنية الاستراتيجية العسكرية للكيان الصهيوني، إذ يسعى جيش الاحتلال لتحطيم أي بصيص أمل، بهدف خلق جدار سيكولوجي مفاده استحالة هزيمة "إسرائيل"، ولكن استطاعت المقاومة الفلسطينية، عبر عملية "طوفان الأقصى" من إعادة الأمل على طاولة الحلم الفلسطيني.
في هذا السياق، وكمثال هنا لا للحصر يقول: سماحة السيد حسن نصر الله في خطابه الذي ألقاه في يوم الشهيد الموافق 11 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023: "ما يجري في قطاع غزة من قصف وحشي ليس عملية غضب وانفعال نفسي، إنما هو عدوان هادف، وأحد الأهداف الأساسية التي يريدها العدو هو الاخضاع، ليس فقط إخضاع أهل غزة فقط، بل اخضاع الشعب الفلسطيني، واخضاع الشعب اللبناني...، وأيضًا الهدف هو إسقاط إرادة المطالبة بالحقوق المشروعة، الهدف هو التيئييس من خِيار الصمود، الهدف هو الدفع إلى الاستسلام وإلى ثقافة الاستسلام...".
إذًا نجحت المقاومة عبر عملية "طوفان الأقصى" بإسقاط الجدار الحديدي وليس فقط إحداث شق في هذا الجدار، إذ تمكنت المقاومة عبر تكتيكاتها العسكرية من أن تجعل ثلاث ركائز أساسية كحد أدنى تهوي إلى الحضيض، حيثُ لم ينجح الردع الصهيوني من الدخول إلى عقل المقاومة، وأيضًا لم ينجح الإنذار من منع عملية "طوفان الأقصى" سواء الإنذارات التي جاءت عبر القنوات الدبلوماسية، أو الإنذارات التي جاءت من خلال المناورات العسكرية، أو التصريحات الإعلامية التي تحمل في طياتها التهديد، فضلًا عن ذلك لم تنجح أساليبه الدفاعية التي قام ببنائها بعد حرب تموز 2006 من منع عملية "طوفان الأقصى"، حيثُ سقط الجدار الأمني الذي تم بنائه على حدود قطاع غزة، ويضاف إلى ذلك تلقى الاحتلال ضربة قاصمة على الصعيد الاستراتيجي فيمَا يخص البعد الاستخباري، فضلاَ عن فشل ذريع على الصعيد التكنولوجي.
أخيرًا وليس آخر، فقد غرق الاحتلال في مستنقع غزة، إذ يقول الحسم أن الجيش عليه أن يقوم بعملية عسكرية قصيرة المدة إذا لم يرتدع الخَصْم، إذ على الجيش الصهيوني أن يخوض حرب متيقنًا من حتمية النصر بشكلٍ سريع، فضلًا عن عدم تضرر الجبهة الداخلية، ولكن الدلائل على أرض الواقع تقول إن الاحتلال يعيش حرب استنزاف طويلة الأمد، ولن نُفصل هنا، سنترك هذه الركيزة للوقت وتحديدًا عند بروز نتائج المعركة البرية، إذ العبرة في النتائج على حد وصف فلاديمير لينين .
 يقول الكاتب الصهيوني يعقوب نجال في مقال له في صحيفة معاريف: "بعد نهاية الحرب يجب إجراء تغيير جوهري في العقيدة الأمنية الإسرائيلية، بالأخص في مواجهة المنظمات الإرهابية"، إن مثل هذه الأصوات داخل الكيان تُدلل على أن المقاومة نجحت في تحطيم الهالة المحيطة بالجيش الصهيوني، فضلًا على أن هذه العملية استطاعت أن تُحدث ضربة إستراتيجية هزت أُسس العقيدة الصهيونية العسكرية التي تُعدّ أحد أبرز مكونات العقلية والهوية والسيكولوجيا الصهيونية، فضلًا على أنها تُعتبر بمنزلة الركيزة الأساسية للأيديولوجية الصهيونية المركزية في تشكيل المجتمع الاستيطاني الاستعماري في فلسطين.