Menu

الحقد الصهيوني ينفجر في وجه الأسرى

أحمد أبو السعود

منذ عام 1967 شرع الاحتلال الصهيوني باعتقال العشرات والمئات من أبناء شعبنا استناداً إلى قوائم ووثائق تركها الجيش الأردني في الضفة الفلسطينية، وبعد أن اندلعت المقاومة الفلسطينية تزايدت أعمال الفدائيين بعملياتهم البطولية من خارج حدود فلسطين، وتجاوباً مع الثورة قام أبناء شعبنا بعمليات عسكرية وجماهيرية وأنشطة معادية للاحتلال مما أوقع المئات بالاعتقال، وتعرض المعتقلين إلى أنواع وحشية من التعذيب والتنكيل فاقت ما مارسته المخابرات في دول عديدة.

ولكن من مقارنة بسيطة بين أساليب القمع والتعذيب ما بعد حرب الــ 67 وما بعد معركة طوفان الأقصى، نجد أن ردة فعل الاحتلال هذه الأيام لا يضاهي أي وحشية بالعالم، فقد تفوقوا على النازية وكل مجرمي الحرب في العالم، إنهم يتلذذون على مناظر قتل الأطفال وعمليات القتل الوحشية بصفوف أبناء شعبنا، وهذا ليس تقديراً وإنما شاهدنا فيديوهات لقيادات صهيونية تشير إلى ذلك، ومنهم من طالب بضرب غزة بالقنابل النووية أو إغراقها بالبحر أو سحقها وتسويتها بالأرض، عدا عن تدمير أكثر من 60% من المباني على رؤوس أصحابها، وسحق البشر تحت  عجلات الجرافات  ودفنهم أحياء، باختصار فهم تغنوا بالإجرام والقتل وهذا مع أبناء شعبنا في غزة والضفة، فما بالنا بمن هم مقاتلون في زنازين العدو؟!

فكل من كان يعمل في داخل فلسطين المحتلة عام 1948 من قطاع غزة تعرض للاعتقال سيما من لم يهربوا، وقد لاحق الاحتلال من هربوا من العمال في الضفة واعتقلوهم ومارسوا حقدهم ضدهم، فتركوا للأيام مشبوحين لا طعام سوى وجبات التعذيب والتحطيم وبعضهم تم قتلهم إما تحت الضرب أو جوعاً أو مرضاً، وبعضهم مازال يعيش أصناف العذاب، فقد سيطر على الاحتلال هوس الانتقام من كل شيء ينتمي لما هو فلسطيني، وهناك شهادات لكبار بالعمر ممن تعرضوا لصنوف العذاب. 

وهناك من اعتقلتهم قوات الاحتلال من مناطق في قطاع غزة، لهم شهادات عن ممارسات الجنود حيث فصلوا النساء لجانب والرجال للجانب الأخر، وقيدوهم بالأصفاد وراء ظهوره دون طعام أو مياه ولا حمام فقط ينهالون عليهم بالضرب في كل وقت، ثم أخذوهم في شاحنات لمكان بارد ويسكبون عليهم المياه الباردة، ومكثوا معصوبي الأعين، ودون طعام، حتى أنهم كانوا يلقون الخبز ولا يعطونه للمعتقلين، طوال الوقت كانوا معصوبي الأعين، ورؤوسهم للأسفل، وبعد قرابة الشهرين ألقوا بهم على الحدود المصرية فمشوا إلى معبر رفح ومنه إلى المشفى وهم في حالة من الرعب وبقايا حياة.

ولأن شعبنا واحد نتأثر بما يصيبنا فقد تزايدت أعمال المقاومة بالضفة الفلسطينية بعد الانتصار الذي تحقق في السابع من أكتوبر للمقاومة الفلسطينية، وهذا يعني أن جبهة القتال اتسعت لجانب قطاع غزة وهذا شمل مدن وقرى ومخيمات الضفة إلى جانب شمال فلسطين. فما كان من الاحتلال إلا أن أقدم على اعتقال العشرات يومياً مستنداً إلى سجلات من اعتقلوا أو من حرضوا على الاحتلال، طبعاً وكل من له صلة بالمقاومة وضد الاحتلال حتى وصل العدد إلى قرابة الخمسة آلاف ما بعد السابع من أكتوبر من الضفة. 

صحيح أن تبادلاً للأسرى قد أنجز وتحرر خلاله قرابة150 من الأطفال والنساء، ولكن الاحتلال أقدم على اعتقال أكثر من 160 من النساء و260 من الأطفال وأكثر من 46 صحفياً إلى جانب أكثر من 2345 معتقلاً إدارياً. 

أما من ارتقوا شهداء بالضفة أعدادهم بالمئات، وهذا ما يؤكد أن الضفة ساحة اشتباك تآخي غزة وجنوب لبنان، ويضاف ستة شهداء من الأسرى في سجون العدو جراء القتل العمد والشهداء الأسر هم (عمر دراغمة من طوباس، عرفات حمدان من رام الله، زقول من غزة، عبد الرحمن مرعي من سلفيت، ثائر أبو عصب من قلقيلية، وسادس لم تعرف هويته) وهذا يدلل على دموية الاحتلال وأكثر من أوقع بهم قتلى هم الأبرياء من الأطفال والنساء والعمال والمعتقلين، وأي كلام أو إحصاء للشهداء يكون فقط قريب من الحقيقة  ولا يعكسها لأن حجم ونوعية الإجرام الصهيوني لا يضاهى. 

ما قبل السابع من أكتوبر كان يقبع قرابة الـ 5300 أسير ومعتقل فلسطيني وعربي في سجون الاحتلال، وهم امتداد لأكثر من مليون فلسطيني مروا في غياهب السجون وزنازينها، ولا نجافي الحقيقة عندما نقول أن الأسرى على مدى نصف قرن ويزيد قد حولوا السجون إلى مراكز ثقافية ومدارس للبناء والتربية الوطنية والتعليم والتثقيف، وما يدلل على ذلك إعادة اعتقال من تحرروا من الأسر مرات عديدة. 

في هذا دلالة على أن شعبنا مصمم على إدامة الصراع مع الاحتلال حتى نيل الحرية لشعبنا وأرضنا، وهاهم قادة الاحتلال يكشفون بعد السابع من أكتوبر أن صراعنا معهم صراع وجود، فإما أن نكون أو لا نكون، نحن أصحاب الأرض ومن سيبقى لأن الشعوب لا تهزم، بل الاحتلال هو من سيهزم ويزول. 

من الحظ السيء للأسرى في السجون لم يتاح لهم مشاهدة بطولات لمقاومينا وهم يعلّمون الاحتلال فنون بحرب العصابات ويوقعون فيهم الخسائر، لكن من حسن حظهم أنهم لم يشاهدوا نتائج الإجرام الواقع على قطاع شعبنا في قطاع غزة، حيث تجاوز أعداد الشهداء العشرين ألفاً والمفقودين ربما رقم يقارب ذلك. 

من حق الأسرى كجنود ومقاومين للاحتلال دفاعهم عن القضية شعباً وأرضاً، وأن يكافح الشرفاء من شعبنا ومقاومينا لتحريرهم من القيود وقد طالت سنين اعتقالهم، والأسرى يحلمون بالحرية أولاً لفلسطين وثانياً لهم، لأن قضاء معظم سنين العمر خلف القضبان لا يعني في الحياة، ولكن الأسرى الفلسطينيون وجدوا لأنفسهم مجالاً للنضال من خلال التعبئة الوطنية والتربية والتثقيف وتعميق الانتماء للأجيال التي يُفرض عليها أن تدخل السجون، وبالتالي فإن السجون  باتت معاقل لتزويد المقاومة بالمقاتلين والقيادات والمؤمنين بالقضية والحرية لفلسطين. 

مهما طال الزمن رغم ثقله على أهلنا، سواء امتدت الحرب لأيام أو أسابيع أو أكثر فسوف تتوقف في نهاية المطاف، وسوف تصل إلى مرحلة تبادل الأسرى، حيث لدى المقاومة العشرات من الجنود والضباط الصهاينة، ما يعني أن عملية التبادل ستتم حتماً، وقد أبدى الاحتلال استعداداً للشروع بالتفاوض، ولكن قيادة المقاومة تصرُّ على وقف إطلاق شامل ومستدام للنار، وسحب جيش الاحتلال من قطاع غزة ثم تتم عملية التفاوض، والمطلب الرئيس للمقاومة "الكل مقابل الكل" وعودة كل أسير أو معتقل إلى بيته، وإقرار دولي لضمانات حماية الأسرى بعدم اعتقالهم وترسيم ذلك بقرار من قبل مجلس الأمن الدولي وضمان دول ذو وزن وتأثير عالمي. 

وهذا سوف يشكل التتويج لانتصار المقاومة في معركة طوفان الأقصى، وفي المحصلة لا يهم كيف يتم التفاوض، بل المهم أن يتحرر كافة الأسيرات والأسرى ممن هم قبل السابع من أكتوبر أو بعده. 

وقد شرع المعنيين بالأمر بجمع قوائم الأسرى والمعتقلين لضمان تحريرهم، ولكن حريتهم لن تنسيهم ولن تنسينا ما تعرضوا له من تنكيل وقتل وجوع وحرمان وقهر من قبل المجرمين الصهاينة حيث فرض السجانون على الأسرى حياة عزل كامل، وحرموهم من التواصل مع العالم الخارجي وحتى الداخلي، فكل سجن مقسم إلى أقسام وكل  قسم لا يعلم ما يجري في الأقسام الأخرى، وصودرت منهم ملابسهم وأغطيتهم وكل ممتلكاتهم من أجهزة كهربائية أو مواد غذائية من مشترياتهم الخاصة من "الكانتينا"، وحقوقهم بالخروج للفورة أو التواصل الاجتماعي مع الفرق الأخرى داخل القسم، وقد حرموا من الكتب والسجائر ويتم قطع الكهرباء عليهم معظم ساعات اليوم، وقطع المياه عنهم، ويترك السجان شبابيك الغرف مشرعة في ظل البرد والأمطار، فلا تدفئة ولا حمام ولا حقوق أبداً. 

الأسرى يتعرضون لعقاب جماعي لكونهم فلسطينيون وأسرى وجزء من المقاومة، لكنهم سيحصلون على حصتهم من الانتصار بنيل الحرية، وسنشاهدهم بكل فرح وشعور عالي بالفخر وهم يتحررون ويرفعون شارات النصر، ويعانقون أهاليهم الذين شاركوهم رحلة العذاب الطويلة، ويلفهم شعبهم داخل فلسطين وخارجها بكل الحب والفرح، فنحن على أعتاب تحرير الأسرى كأحد أهداف معركة طوفان الأقصى، وعلى طريق تحرير فلسطين كاملة.