قد يستمر العدوان الصهيو - أمريكي على قطاع غزة شهراً آخراً أو شهرين أو أكثر، وتتضاعف أعداد الضحايا من أبناء شعبنا، ويستكمل العدو تدمير كل مقومات الحياة هناك، وبنفس الوقت ستزداد أعداد القتلى والخسائر لدى العدو، وعاجلاً أم آجلاً سيتوقف العدوان بغض النظر عن مآلاته سواء حقق أهدافه أو فشل في تحقيق أي منها، وما أن تصمت المدافع وتتوقف الحرب إلا وتبدأ حروب ومعارك من نوع آخر وفي جبهات مختلفة.
وقبل الحديث عن الصراعات والتداعيات الداخلية ينبغي الإشارة إلى اضطرار أطراف الصراع إلى الاستعداد لجولات جديدة من القتال. سيعمل العدو الصهيوني على تعزيز قواته وقدراته العسكرية محاولا استرداد واستعادة الثقة المفقودة ورفع المعنويات المنهارة لجيشه وأجهزته الأمنية وللمستوطنين والمستجلبين، وستعمل المقاومة للتحضير لجولات وجولات من القتال والعمليات الفدائية وحرب التحرير الشعبية طويلة الأمد باعتبارها حركة تحرر وطني، ما نحن بصدده وما سنتوقف عنده الآن هو:
التداعيات الداخلية على الكيان الصهيوني
في سياق تحميل المسؤوليات ومساءلة المعنيين من السياسيين والعسكريين والأمنيين والحزبيين عن الإخفاقات والانكسارات منذ السابع من أكتوبر وحتى ما ستؤول إليه هذه الحرب ستحدث الكثير الكثير من الأزمات والتي قد تبدأ بالاتهامات وثم لجان التحقيق أو التقصي وبعدها المحاكمات والأحكام وما سيرافق ذلك أو يتبعه من إقالات أو إستقالات لقادة ومسؤولين وجنرالات.
إن أي إنجاز قد يحققه العدو حتى نهاية هذه الحرب لن يستطيع أن يشغل الصهاينة عن مشكلاتهم وأزماتهم البنيوية والمستجدة.
سيطفو على السطح ويحتل المشهد السياسي الصراع الحاد بين الصهيونية الدينية والصهيونية العلمانية ليس فقط من بوابة الإصلاح القضائي بل من بوابات عديدة مثل؛ الخدمة في الجيش، والمناهج التعليمية، والموازنات، وأية امتيازات أخرى حصلت عليها الأحزاب الدينية أو قد يحصلوا عليها عبر سياسة الابتزاز التي يمارسونها عند أية تشكيلات حكومية قائمة أو قادمة.
وسيكون للأزمة الاقتصادية وحجم الخسائر على مختلف الصعد الصناعية والزراعية والتجارية والسياحية وغيرها والتي قد تصل إلى عشرات المليارات من الدولارات، وما سينتج عن ارتفاع نسب التضخم من انعكاسات سلبية على مستوى الحياة المعيشية، وكل ذلك سيطرح وبعمق أسئلة الوجود ومستقبل الكيان، وسنرى أيضا تفاقم أزمة المستوطنين وعودتهم إلى غلاف غزة وشمال فلسطين وانعدام الثقة بإمكانية توفير ما يلزم من أمن وحماية مستدامة.
غضب أهالي الجنود والمدنيين والرهائن القتلى والمفقودين وثورتهم على قادة الحكومة والجيش والأجهزة الأمنية للعبث بمصير أبنائهم وقتل بعضهم بالخطأ كما يدّعون، هذا إذا استبعدنا قانون هانيبال الذي يجيز قتل الاسير الصهيوني وآسره.
إن تفاقم القلق الوجودي لدى الكيان الصهيوني، وضعف المناعة "القومية"، وعدم موثوقية قوة الردع الاستراتيجية، سيضاعف من حدة أزمته البنيوية، وسيحول دون المزيد من الاستقطاب والإستجلاب من اليهود في العالم، هذا إن لم يغدو نابذا أو طاردا لليهود من داخل الكيان، موضوعيا بلغ الصراع ذروته القصوى وبدأت ملامح الوهن والضعف والتآكل واضحة كل الوضوح في بنية الكيان الصهيوني، الأمر الذي يبشر بإمكانية أفوله وتفككه وانهياره.
التداعيات الداخلية على المستوى الفلسطيني
إن ما خلفه العدوان من قتل وخراب ودمار في قطاع غزة وصل إلى حد حرب الإبادة الجماعية، سيكون له أبلغ الأثر على الحياة السياسية والاجتماعية والنفسية هناك، وسيكون ذلك من أولى التحديات والمهام الوطنية الفلسطينية. يبقى السؤال المركزي حول طبيعة وطريقة الجهة المعنية بقيادة المعركة والتصدي لكل استحقاقها المباشرة واللاحقة سواء في الميدان أو على المستوى السياسي.
المرحلة حرجة ودقيقة وخطيرة جداً جداً وبحاجة للكل الفلسطيني على قاعدة الدفاع عن شعبنا وصون مصالحه وحقوقه، والارتقاء إلى أعلى درجات الشعور بالمسؤولية لحماية المقاومة وكل الابعاد والمعاني الاستراتيجية لعملية السابع من أكتوبر البطولية "طوفان الأقصى".
يجب أن نستكمل المعركة الميدانية والسياسية موحدين، فالشعب الفلسطيني هو ولي الحق والأرض والدم، ولا يجوز لأي طرف كان أن يتصرف وكأنه صاحب الولاية الحصرية على الشعب ومصيره. لم تعد الشرعية الرسمية مؤهلة لذلك ولن تكون قيادة المعركة في الميدان كافية لذلك.
بعيداً عن الأفكار العدمية أو أي شكل من أشكال التطرف اليميني أو اليساري، وأمام الحاجة والضرورة لتوحيد الجهود والإمكانيات والطاقات، نحن بحاجة ماسة في هذه المرحلة بالذات للمبادرة التي تقدّمت بها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين لجميع فصائل المقاومة الفلسطينية من أجل تشكيل قيادة طوارئ وطنية للتصدي للمهام الوطنية الملحة، ولتكون مدخلا حقيقيا للوحدة الوطنية الفلسطينية واستعادة منظمة التحرير الفلسطينية إلى دورها ومكانتها ومنطلقاتها الكفاحية الرائدة قاطعين الطريق بذلك على العابثين بواقع ومستقبل شعبنا وقضيتنا الوطنية وسياسة التخوين وسياسة الاتهام والتهديد والوعيد..
على القيادة الرسمية في المنظمة والسلطة القطع الكامل مع العدو وكل الاتفاقات الموقعة معه والعودة إلى خيار الشعب والمقاومة بكل أشكالها، ولن يكون مسموحاً لأي كان تبرئة العدو من دم أطفالنا ونسائنا وكل الأبرياء والآمنين وتحميل المسؤولية لمن قام وانجز بنجاح وإتقان العملية الفدائية النوعية والبطولية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر.
من الطبيعي اليوم مواجهة العدوان ومخططات التصفية والتهجير والإبادة وتعزيز صمود شعبنا وحماية كل المقاومة والمقاومين في غزة والضفة و القدس وكل فلسطين ...إن مهمة وقف العدوان على شعبنا وأرضنا وقدسنا ومقدساتنا ووقف الاستيطان وهجمات المستوطنين وإنجاز عملية تبادل الأسرى على قاعدة "الكل مقابل الكل" وانسحاب القوات الصهيونية ورفع الحصار عن قطاع غزة وفتح المعابر وإغاثة أهلنا هناك، كل ذلك سيوفر الظروف المناسبة لإعادة الإعمار، واعتبار ذلك من أولويات المهام الوطنية الراهنة، لا وقت لدينا للبحث مجدداً في قضايا الانقسام وتعقيداته، بل تفرض علينا المسؤولية الوطنية تجاوز كل ذلك لصالح توظيف كل الجهود والطاقات لإنجاز المهام الراهنة والملحة.
رغم حجم التضحيات من الشهداء والجرحى والمعوقين والمفقودين ورغم ومئات آلاف النازحين، ورغم حجم التدمير والتخريب الممنهج للأحياء السكنية ومئات آلاف المساكن ومعظم المؤسسات والمقرات الحكومية والخاصة، وكل البنى التحتية من مياه وكهرباء ومدارس ومشافي واتصالات وكل مقومات الحياة، إلا أن ذلك يجب أن يزيدنا القوة والصلابة في معركة التحدي والمصير خاصة أن عدونا الصهيوني يعاني من صعوبات وأزمات لا حصر لها، فهو أشبه بحالة الاحتضار وبمستوى من التفكك والهلاك والعزلة الدولية، فالفرصة مواتية تماماً للوحدة الوطنية الفلسطينية ووضع خطة الطوارئ العاجلة مستفيدين من التأييد العالمي وقوى المقاومة في المنطقة لتوجيه المزيد من الضربات الميدانية والسياسية، وإدارة المعركة بكل أبعادها وباقتدار، والشرطان الأساسيان هما قيادة طوارئ موحدة، وتغليب المصالح الوطنية على كل المصالح، وإرادة صلبة ترقى إلى مستوى التضحيات وملاحم الصمود التي يسطرها شعبنا والمقاومة.