Menu

طوفان الأقصى .. قراءة في المخططات والسيناريوهات الأميركية

محمد أبو شريفة

"كتب محمد أبو شريفة"

يبدو أن ما تمر به المنطقة في خضم الأوضاع الإقليمية الراهنة هو الأخطر منذ وعد بلفور قبل أكثر من مائة عام وفي هذا السياق شهدت المنطقة  في الآونة الأخيرة تحركات دولية مكثفة ابتداء من زيارات متكررة لمبعوثين أميركان  وغربيين في الأشهر الأربعة الماضية إلى اجتماعات المسؤولين على كافة المستويات الدبلوماسية والأمنية والعسكرية.

وتداولت أوساط اقليمية مطلعة حول فحوى الاجتماعات التي تجاوزت العرف الديبلوماسي في بعض الأحيان بإخبار وتبليغ الأطراف عن معلومات خطيرة ربما تداهم بعض الدول من جراء ما يحدث في غزة. وخطابهم للدول المعنية ان " إسرائيل تمر بأزمة وجودية حقيقية وبنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي بات يفقد توازنه بسبب عجزه عن تحقيق ما وعد شعبه به من القضاء على حماس وتحرير الرهائن، وهو يحتاج إلى تحقيق إنجاز نوعي يعود بعده إلى الإسرائيليين لإعادة الثقة ورفع المعنويات"

 وبحسب المبعوثين سيكون هذا الإنجاز ربما في دول الجوار أو في الخليج. فالمعلومات الغربية تقول إن إسرائيل ربما ستتوصل في نهاية المطاف إلى وقف إطلاق نار شبه مستدام مع حماس وتحرير المزيد من الرهائن، وسيتجه بعدها نتنياهو إلى الضغط تفاوضيا وإذا لم ينجح فعسكريا، لإبعاد خطر قوى المقاومة عن حدوده الشمالية مسافة 50 كيلومترا.

وكان مدير المخابرات الأمريكية CIA ويليام بيرنز يحمل أثناء تجواله وإشرافه على المفاوضات الدائرة في الدوحة مخططا أميركيا تم الإعداد له بالتعاون مع دوائر صنع القرار في دول عربية وإقليمية يتضمن المخطط ورقة عمل حول مستقبل القضية الفلسطينية وضرورة إنهاء هذا الصراع الذي أصبح بقائه يهدد المصالح الإستراتيجية الأميركية ويهدد وجود الكيان الاسرائيلي من الأساس، وأبرز ما يتضمنه المخطط:

1- تغيير شامل للقيادات السياسية والأمنية والعسكرية الإسرائيلية عبر إجراء انتخابات مبكرة في مدة أقصاها شهر آذار/ مارس 2024 ويبقى مصير نتنياهو شأنا اسرائيليا داخليا يختص به القضاء الإسرائيلي.

2- تغيير شامل للقيادات الفلسطينية السياسية والأمنية التغييرات ستطال حركة فتح وأحزاب منظمة التحرير الفلسطينية وإقالة كامل أعضاء اللجنة المركزية والمجلس الثوري لحركة فتح وانعقاد مؤتمر لحركة فتح في مدة أقصاها نيسان/ابريل 2024 وفق النظام الداخلي المعمول به داخل الحركة.

3- انعقاد الانتخابات الفلسطينية العامة التشريعية والرئاسية بمشاركة القدس الشرقية في مدة اقصاها تشرين أول/اكتوبر 2024 بمشاركة كافة القوى الفلسطينية.

4-  إبرام صفقات لتبادل الأسرى في موعد أقصاه شباط/فبراير2024 تشمل قيادات من مختلف القوى والأحزاب الفلسطينية.

5- اقتراح حزم اقتصادية هامة لإعادة اعمار غزة بإشراف كامل للأمم المتحدة.

6- فترة انتقالية تبدأ من شهر كانون الثاني/يناير 2024 تستمر لموعد أقصاه تشرين أول/ اكتوبر 2024 .

8- يعقد المجلس الوطني الفلسطيني في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2024 وكل عضو مجلس تشريعي فائز هو تلقائيا عضوا في المجلس الوطني ويكون تعيين أعضاء المجلس الوطني الجدد من قوائم تعدها القوى الفلسطينية نسبة وتناسب مع عدد المقاعد التي حصلت عليها في الانتخابات التشريعية من غير انتخاب بل يعينون من احزابهم.

9- يكون للمجلس التشريعي الفلسطيني صلاحية تعديل النظام الأساسي الفلسطيني المعدل سنة 2003 وبموجبه سيتم إلغاء منصب رئيس الوزراء وتحويل النظام السياسي الفلسطيني إلى نظام رئاسي-برلماني مشترك بموجبه ستزداد صلاحيات المجلس التشريعي الرقابية مع تحديد صلاحيات لرئيسه وتحديد صلاحيات لنائبه.

10 ـ خطة إعادة انتشار يتضمن تفكيك مستوطنات وتبادل أراضي وحل نهائي للقدس الشرقية يتضمن وجود قوات دولية من 7 دول تتبع الناتو ودول من خارج الناتو تحت إشراف الأمم المتحدة لتكون جهات دولية رقابية وضامنة منها قوات من ثلاثة دول اسلامية هي ماليزيا وتركيا و الأردن وقوات ايطالية وفرنسية والمانية وإسبانية.

11- انشاء غرفة عمليات أمنية أمريكية مصرية اردنية فلسطينية اسرائيلية بمشاركة قطر ية سعودية يكون مقرها الرئيسي بالقاهرة وتعقد اجتماعات دورية أسبوعيا.

 12- تشكيل لجنة اقتصادية اسرائيلية فلسطينية عليا.

13- انشاء 4 مدن صناعية كبرى في الخليل و الخان الأحمر وطوباس وجنوب غزة.

14- تشكيل لجنة دولية تسمى بلجنة التوافق تبحث وضع اللاجئين الفلسطينيين في دول الطوق واي دولة اخرى فيها لاجئين فلسطينيين بلا حقوق مدنية أو سياسية أو اقتصادية.

وعلى وقع هذه المخططات بدأ وزير الخارجية الأميركية انتوني بلينكن مؤخرا جولة جديدة ابتدأها بتل ابيب (9/1/2024) مرورا بعدة محطات واختتمها في القاهرة (11/1/2024) والتي أعلن فيها عن وصفة سحرية لعلاج أزمات المنطقة فحواها "عزل ايران" ، والإرشادات الواجب اتباعها للاستخدام الأمثل لهذه الوصفة هو  التقارب بين (اسرائيل) والدول العربية. وبالتالي يمكن استنتاج أن الهدف من الجولة الأميركية ليست غزة ومجريات القضية الفلسطينية بل ايران وما تشكله من خطر على نتنياهو. واللافت أن طرح موضوع التقارب الإسرائيلي البعض عربي تحت عنوان "عزل ايران" في هذا الظرف الدموي يشير إلى حقيقتين الأولى فشل بلينكن في جولته الإقليمية، والثانية عدم نضوج الرؤية الأميركية في قراءة الحال بين الحكومات العربية المطبعة وبين شعوبها وما سيشكله ذلك من حرج شديد بسبب ما ترتكبه إسرائيل من جرائم إبادة وعدوان ضد الإنسانية ناهيك بدخول (اسرائيل) قفص الاتهام أمام محكمة العدل الدوليّة. لذلك تحاول الخارجية الأميركية أن تنقل صفة العزل عنها بالمنطقة بسبب سياساتها ودعمها اللامحدود لإسرائيل إلى إيران مع التأكيد على فوائد العلاقات العربية الاسرائيلية في التوقيت الحساس الذي يواجهه كيان الاحتلال.

لا شك بأن جولة خارجية البيت الأبيض تناولت موضوع غزة لكن من زاوية العقيدة الأمنية الإسرائيلية وبما يضمن استمرارها بالعدوان على القطاع. وأيضا بحث مع الأطراف المعنية حسب تصريحاته موضوع وقف إطلاق النار في غزة وتبادل الأسرى وما هو شكل "اليوم التالي" والسيناريوهات والخطط المقترحة والإعلان  بأن غزة والضفة الفلسطينية يجب أن تكونا متحدتين تحت قيادة فلسطينية وليس دولة فلسطينية. وقال بلينكن وفق وسائل إعلام بأن "زعماء الدول التي زارها في هذه الجولة الشرق أوسطية اتفقوا على مساعدة غزة في الاستقرار والتعافي ورسم مسار سياسي مستقبلي وأنهم مستعدون لتقديم الالتزامات اللازمة لاتخاذ القرارات الصعبة لتحقيق الأهداف".

يدرك بلينكن بأن ائتلاف نتنياهو الحكومي يعيش اسوأ حالاته سياسيا وعسكريا  ولم يعد لديه القدرة على الصمود أكثر في وجه المقاومة التي تثبت بعد أكثر من مئة وعشرين يوما أنها صامدة ولديها القدرة على الاستمرار رغم كل المجازر الدموية وحرب الإبادة التي يمارسها الاحتلال الاسرائيلي . لذلك تتبنى إدارة بايدن انقاذ (اسرائيل) من مستنقع فيتنام –غزة بتقديم ضمانات بقاء هذا الائتلاف الحكومي العنصري المتطرف من خلال الدعم المفتوح له وتأمين جسور الإمداد برا وبحرا وجوا. خاصة أن الرئيس الأميركي جو بايدن يأمل بإحكام السيطرة على الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة ولا يترك مجالا لنتنياهو بأن يكسب الرهان بفوز حليفه ترامب من خلال اللوبيات الداعمة للسياسة الإسرائيلية في الولايات المتحدة. فالحزب الديمقراطي يواجه تعارضات وتناقضات شديدة بسبب سياسة بايدن وموقفه من الأزمة والتي امتدت ظلالها إلى داخل الكونغرس ودوائر صنع القرار الأميركي .

 الوصفة السحرية "العزل" التي أطلقها وزير الخارجية الأميركية لا تعدوا كونها إعادة تلميع الوجه البشع لسياسات البيت الأبيض التي مارستها على دول المنطقة وشعوبها منذ احتلالها للعراق وتدمير مقدراته وقتل وتشريد الملايين والترويج  لافتراءات وذرائع لشن الحروب والهرولة لإنقاذ الكيان الذي يعاني من فوبيا الأفول في الثمانين عام بتطمينه أنهم حضروا بعد السابع من اكتوبر بصفتهم "الصهيونية واليهودية" متبنين روايات أسطورية حول جرائم وقعت بحق (اسرائيل) ما لبثت ان كذبها الاعلام العالمي واثبت انها محض خداع وزيف.

المئوية الأولى من القتال على أرض غزة كانت كفيلة بفضح السياسات الأميركية بدعمها اللامحدود لإسرائيل ماليا وعسكريا واستخباراتيا وحتى في مجلس الأمن منعوا وقف إطلاق النار وبرروا كل الأفعال الإجرامية والدموية بحق المدنيين تحت ذريعة "حق الدفاع عن النفس" وحاولوا توسيع دائرة المواجهة في المنطقة باغتيال شخصيات ورموز قيادية مقاومة في سوريا ولبنان والعراق وشن عدوان على اليمن كمحاولة لإعادة مرور السفن الاسرائيلية من البحر الأحمر بعد أن منعها اليمنيون كوسيلة ضغط لوقف الحرب.   وتاليا فإن الإفصاح عن الوصفة الأميركية بعزل ايران أظهرت أن الولايات المتحدة معزولة بشراكة تنصل منها معظم حلفائها الأوربيين والإقليميين .

في الواقع، أهم استخلاص على المستوى الفلسطيني والعربي والدولي والإسرائيلي أن ما قبل طوفان الأقصى ليس كما بعدها، هذه هي الحقيقة المؤكدة رغم أن الحرب لا تزال مستعرة، إذ سيكون لها ارتدادات عميقة، فالعملية تعد ضربة مباشرة للاستراتيجية الأمريكية والإسرائيلية حيال المنطقة.