Menu

مواجهة محاولات ضرب الحاضنة المجتمعية

تقريرتقدير موقف لجان الحماية الشعبية في مواجَهة الفوضى وأهدافِ الحربِ في غزة

مركز عروبة للأبحاث والتفكير الاستراتيجي

منذ إعلان حكومة الاحتلال الحرب على قطاع غزة، وَضعَ رئيسُ وزراء الاحتلال، "بنيامين نتنياهو" هدفَ تفكيك القدرات السلطوية في قطاع غزة، وضرب البنية التحتية لقوى المقاومة جزءًا من الأهداف الرئيسية لحرب الإبادة ضد قطاع غزة.

شكَّلَ ضربُ الحاضنةِ المجتمعيةِ للمقاومة والاستهدافُ الجماعيُّ لأهالي قطاع غزة بكل أدوات القتل والتدمير والحصار والتجويع سمةً أساسيةً من سمات العدوان على القطاع، واتَّخذَ هذا الضربُ أشكالاً متعددة، من منع كامل ومن ثم تقليص لدخول المساعدات، ورعاية وتسهيل إشاعة الفوضى ومظاهر البلطجة، وصولًا إلى الضربات المباشرة للمنظومة الأمنية والشرطية بهدف شلِّ قدرتها على العمل، بشكل متوازٍ مع إعلانات متكررة حول البحث عن استحداث صيغ محلية لإدارة شؤون السكان في القطاع بمعزل عن منظومة الحكم الرسمية والفصائل.

تهدف ورقة تقدير الموقف، من إعداد برنامج الإنتاج المعرفي في مركز عروبة للأبحاث والتفكير الإستراتيجي، إلى تقديم قراءة في أشكال وأدوات إشاعة الفوضى وضرب منظومة السلم المجتمعي بوصفها جزءًا من هدف تفكيك القدرات السلطوية في قطاع غزة وتفكيك البنية التحتية للفصائل وتجاوز دورها، وإلى بحث سبل المواجهة التي تتطلبها حماية الحاضنة الشعبية وإفشال مخططات الاحتلال.

الفوضى بوصفها إحدى أدوات استكمال الدمار والحصار

تدريجيًّا ومع إطالة أمد الحرب، تجلَّت العديد من المَظاهر التي تهدف إلى ضرب السِّلم المجتمعي في القطاع، من حالات سرقة ونهب وبلطجة، تستهدف بُعدَين أساسيَّين: الأول استكمال الدمار والتخريب في الممتلكات والمنشآت بالسرقة والنهب والتخريب، وذلك بشكل أساسي في المناطق التي توغل فيها جيش الاحتلال أو استهدفها بالقصف المكثف؛ والثاني التعرض لشاحنات المساعدات والإمداد التي تدخل إلى قطاع غزة بعد تقليصٍ خانقٍ فرَضَه جيش الاحتلال على آلية دخول هذه الشاحنات لا تكفي لسد الحاجة الإنسانية المُلحَّة للقطاع في ظل الدمار الكبير والحصار الخانق واستخدام سلاح التجويع ضد السكان.

وفقًا لشهادات العديد من السكان، فإنَّ العديد من حالات السرقة والنهب والتخريب في الممتلكات العامة، التي جرَت في مناطق تغول جيش الاحتلال، جرَت بتسهيل كامل من قوات الاحتلال التي سمحت بتحرُّك مجموعات من اللصوص التي يُشبه بتحفيزها وتحريكها من عملاء للاحتلال على الأرض للتحرك تحت غطاء العدوان واستهداف الممتلكات العامة ونهبها وتخريبها بطريقة أدى تكرارها إلى تمظهر واضح بأن الهدف الرئيس من ذلك يتمثل باستكمال الدمار والتخريب، الذي أحدثته آلة الحرب الصهيونية، بدمار وتخريب من شكل آخر.

على المقلب الآخر، فإن حوادث سرقة شاحنات المساعدات، أو التعدي على مخازن المؤسسات الإغاثة الدولية والمحلية بالسرقة والنهب، تعدَّى ما فُسِّر في أيام الحرب الأولى بكونِه فعلًا فوضويًّا عشوائيًّا ناتجًا عن حالة الجوع التي سبَّبتها حرب التجويع والحصار الخانق على القطاع، ليغدو شكلًا من أشكال الفوضى المنظَّمة الذي تنفِّذه مجموعات منظَّمة تَستهدف خطَّ المساعداتِ بالنهب والسرقة والتخريب، ما يَمنع وصولَ هذه المساعداتِ إلى مستحقِّيها، ويؤدي إلى زيادة الضغط على الحاضنة الشعبية المُنهَكة بفعل العدوان الذي أدى إلى نزوحِ أكثر من مليون ونصف من أهالي القطاع.

أساليب الاحتلال في إشاعة الفوضى

استخدَم الاحتلالُ العديدَ من الأشكال والأدوات بهدف إشاعة الفوضى وضرب المنظومات السلطوية في القطاع واستهداف المؤسسة الأمنية والأجهزة المنظمة المُكلَّفة بحماية الأمن الداخلي والسلم المجتمعي، وتنوعت هذه الأشكال على النحو التالي:

الاستهداف المباشر للمقدَّرات: منذ أيام الحرب الأُولى، استهدفَ العدوان على قطاع غزة ضربَ مقرَّات ومقدَّرات وزارة الداخلية في قطاع غزة، واستهدفَ المراكز الشرطية والأمنية على امتداد محافظات القطاع، ونسف مجاميع الأجهزة الأمنية في مواضع توغُّل جيش الاحتلال.

  • الاغتيال والتصفية البشرية: استهدفَت طائرات الاحتلال بالاغتيال مجموعةً رئيسيةً من مدراء المؤسسة الأمنية في القطاع، شملت استهداف مدير المعابر في وزارة الداخلية، وعدد من قادة الأمن الوطني، ومدير الشرطة المجتمعية، ومدير معبر كرم أبو سالم، وعدد كبير من الضباط، من بينهم الضباط المكلَّفون بحماية وتأمين قوافل المساعدات، والضباط المسؤولون عن متابعة ملف التموين والأسواق، وشملت عملياتُ الاغتيالِ استهدافَ عدد من مسؤولي ملفات حفظ الأمن الداخلي والسلم المجتمعي في فصائل المقاومة الناشطة في القطاع.
  • حملات الاعتقال: شكَّل العاملون في الأجهزة الأمنية الحكومية وملفات الجبهة الداخلية في فصائل المقاومة هدفًا من أهداف حملات الاعتقال التي جرَت في المواقع التي حاصرها جيش الاحتلال، أو عمليات الاعتقال على الطريق الذي ادَّعى جيش الاحتلال أنه آمن للانتقال من شماليِّ القطاع إلى جنوبيِّه، والأمر كذلك في الممر الذي فُتح لخروج المواطنين من محافظة خان يونس.
  • تسهيل حركة اللصوص ومجموعات النهب والتخريب: في كل مواضع توغُّل جيش الاحتلال، سمحت قوات الاحتلال بتحرك مجموعات من اللصوص في أماكن التوغل، وفتحت المجال لها بالتنقل بين بيوت المواطنين والمنشآت العامة وممارسة أعمال النهب والسرقة والتخريب.
  • استهداف طرق النقل والتأمين لشاحنات المساعدات: استهدفَت طائراتُ الاحتلالِ أكثر من مرَّة طرقَ النقل والتأمين المُعَدَّة لتأمين قوافل المساعدات والشاحنات خاصةً في محيط معبرَي رفح وكرم أبو سالم، بهدف ضرب مساراتِ تحرُّكِها المؤمَّنة، ودفعها إلى طرق وخطوط أخرى لتسهيل عمل مجموعات البلطجة والسطو التي تستهدف هذه الشاحنات.
  • التحريض المباشر وتأليب الحاضنة المجتمعية: عبر أدوات متعددة تنوعت ما بين استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والإشاعات والمناشير التحريضية التي تُلقِيها طائرات الاحتلال، عملت منظومة الدعاية في جيش الاحتلال وجهاز "الشاباك" على تحريض الجمهور والحاضنة الشعبية لدفعها لمظاهر الفوضى والاشتباك الداخلي.
  • تحفيز النزعات العشائرية في مواجهة الحالة التنظيمية والفصائلية: حملت العديد من خطابات قادة مجلس الحرب حول خطط اليوم التالي للحرب، عن نيتهم العمل مع العشائر والحمولات العائلية في القطاع لإدارة شؤون السكان بمعزل عن المنظومة الفصائلية وأي مظهر من المظاهر السلطوية بالقطاع، في محاولة لاستثارة وتحفيز النزعات العشائرية للتمرد على المنظومة الفصائلية والسلطوية القائمة بالقطاع.

تأثير محدود ومخاطر مستقبلية

على الرغم من حجم العدوان والاستهداف الواسع لمنظومات القيادة والسيطرة الحكومية والفصائلية، والعمل الدؤوب من الاحتلال عبر عملائها، وشكل وطبيعة ضرباته الهادفة إلى إشاعة الفوضى وخلق أشكال متعددة من الاقتتال الداخلي، وضرب تجليات السِّلم المجتمعي ومحاولة إثارة نزعات عشائرية وجهوية على حساب الانتماء الوطني والمسؤولية الجماعية، فإنَّ حجم تأثير هذه الدعوات ما يزال محدودًا وقابلًا للحصر، إذ إنَّ عمقَ تماسُكِ التركيبةِ المجتمعيةِ في القطاع، وتجذُّرَ البنى التحتية للفصائل في مجتمع يغلب عليه الانتماء مثل مجتمع قطاع غزة، لا يسمح بتسهيل الانزلاق نحو فوضى شاملة لصالح أهداف الاحتلال.

إلا أن توسُّع دوائر البلطجة والنهب والاستهداف المباشر للأجهزة الأمنية والشرطية وفرق التأمين، وعلى الرغم من هذه التأثير المحدود، ينذر بضرورة التداعي إلى مواجهة هذه الحالات ومحاصرتها والقضاء عليها، لمنع تطورها ودفعها المجتمعَ للانزلاق إلى مستنقع الفوضى التي تخدم الاحتلال.

لجان الحماية الشعبية سبيلًا للمواجهة

في إطار المواجهة لمخططات الاحتلال، والحفاظ على السِّلم المجتمعي، وتجاوُز محاولات شل وتعطيل المنظومة الأمنية عبر استهداف المقدَّرات والاغتيال الجسدي للشخصيات والمفاصل، فالمطلوب وطنيًّا التحرك للبحث عن صيغ وطنية جامعة تؤمِّن شراكةً بين قوى وفصائل العمل الوطني والإسلامي، والمكونات الشعبية والجماهيرية والمجتمع المحلي، من أجل تشكيل شبكة أمان شعبية تَحفظ السِّلم المجتمعي وتعزِّز التكافل ومظاهر التماسك للحاضنة المجتمعية، وتتصدى لمظاهر البلطجة والنهب والتخريب.

في الإطار ذاته، فإن عملية التأمين الواسع لمخيمات النازحين وأملاك المواطنين وقوافل المساعدات، وتنظيم الأسواق، وتسهيل عمل المستشفيات وطواقم الإسعاف، والتصدي لمظاهر البلطجة والتعامل مع مثيرِي الفوضى والخارِجين عن القانون والنظام العام، تتطلب استحداثَ آلية فعَّالة ومنظَّمة ومتنوعة من أجل تنفيذ هذه المهام الضرورية والحيوية.

يُعَدُّ خيارُ تشكيلِ لجان الحماية الشعبية من القوى والفصائل والمكونات المجتمعية، بوصفها قوةَ إسناد وإنفاذ للنظام العام والقانون، وأداةً شعبيةً ووطنيةً تعمل على حماية المقدرات، والممتلكات العامة، والمؤسسات الخدماتية (تعليمية، صحية، أملاك عامة)، وتعزيز وحماية القيم الوطنية المستندة إلى الشفافية والعدالة، الخيارَ الأجدى الذي يحتاج إلى توافُقٍ وطنيٍّ سريعٍ وفعَّالٍ في سبيل تحصين الحاضنة الشعبية ودعمها، وإفشال هدف أساسي من أهداف حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني.