Menu

رسول الإمبريالية الأميركية قادم للسعودية والمنطقة

راسم عبيدات

راسم عبيدات

خاص - بوابة الهدف

 

كتب راسم عبيدات*

 

رسول الإمبريالية الأميركية بلينكن قادم إلى السعودية والمنطقة، وهذا الرسول الدائم الزيارات والجولات المفاخر بيهوديته، طبعاً لا يتحرك ولا "يصول" ولا "يجول"، إلا من أجل إنقاذ دولة الاحتلال من أزماتها ومنع هزيمتها، والحرص على بناء أوسع الشراكات والأحلاف الأمنية والعسكرية الاستراتيجية بينها وبين دول المنطقة المنضوية تحت العباءة الأميركية، من أجل أن تبقى "إسرائيل" الأقوى في المنطقة، فأي ضعف أو هزيمة لـ"إسرائيل"، تعني هزيمة لأميركا، في المنطقة الأكثر أهمية لمصالحها الاستراتيجية، ففيها منابع الطاقة وخيوطها وخطوط التجارة العالمية والممرات والمضائق المائية. ولذلك يحرص بلينكن في كل زياراته للمنطقة على اللقاء مع قيادات الدول التي تنضبط للاستراتيجية الأميركية في المنطقة، والتي تقوم أولاً وعاشراً على توفير الأمن والحماية لـ"إسرائيل"، وهذه الزيارات التي أتت بعد تيقن بلينكن والإدارة الأميركية ومعه قوى الغرب الاستعماري، بأن الرد الإيراني على استهداف قنصليتها في دمشق بمئات المسيرات والصواريخ البالستية، قال بشكل واضح بأن "إسرائيل" لم تعد الحليف القادر على حماية المصالح الأميركية والغربية في المنطقة، فهي فقدت قدرة الردع، ليس أمام إيران، بل وأمام حلفائها من قوى وحركات المقاومة، المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وحزب الله في الجبهة الشمالية وجماعة "أنصار الله" اليمنية، جبهة البحر الأحمر .

بلينكن وقادة الغرب الاستعماري جن جنونهم وفقدوا صوابهم، عندما وجدوا بأن إيران تخلت عن سياسة الاحتواء للاعتداءات "الإسرائيلية" المتكررة على إيران داخل الأراضي الإيرانية، وبما شمل عمليات التخريب وزعزعة الاستقرار، واستهداف برامجها ومنشأتها النووية، والاغتيالاات التي طالت خبراء وعلماء في البرامج النووية، ناهيك عن استهداف العديد من مستشاريها وقادة حرسها الثوري في أكثر من بلد وبالذات في سوريا.

إيران تخلت عن مقولة "الصبر الإستراتيجي" وقالت علناً بأنها سترد على استهداف قنصليتها في دمشق وبشكل مباشر من طهران، وليس عبر أي حليف في المنطقة، في رسالة واضحة لتل أبيب ومن يدعمها، بأن طهران قادرة على أن "تكيل الصاع صاعين"، وأنها لن تتهاون فيما يتعلق بأمنها وهيبتها وسمعتها وكرامتها، ولن تسمح لـ"اسرائيل" بإقامة معادلات ردع وقواعد اشتباك جديدة. و"إسرائيل" التي كان يتبجح قادتها بأنهم إذا لم تشارك معهم أميركا في شن عدوان على طهران سيقومون بهذه المهمة لوحدهم، الرد الإيراني كشف زيف هذه "الببروغندا" والأسطوانة المشروخة، وعلى عكس ما قاله الفاشي بن غفير بأن "إسرائيل" ليست النجمة الـ51  في العلم الأميركي، ثبت بأنها النجمة الـ51 في العلم الأميركي، حيث استنجدت بواشنطن ودول الغرب الاستعماري ودول" الناتو" العربي، من أجل أن تحميها من الرد الإيراني .

حتى أن حالة من الهستيريا سيطرت على جبهتها الداخلية، وقياداتها العسكرية والسياسية والأمنية عاشت حالة من التخبط والإرباك، ووقفت كامل الدولة على "رجل واحدة".

 بلينكن في جولته هذا وبناء على ما أحدثه الرد الإيراني من تغيير في معادلات الردع وقواعد الإشتباك. فإن أولى أولويات مهمته في هذه الزيارة، إقامة درع صاروخي يمتد من المشيخات الخليجية  بالشراكة مع  دول حلف النقب "سديه بروكر"، لكي يكون هناك حزام أمان وحماية لـ"إسرائيل" ضد أي استهداف لها من إيران ومحورها في المنطقة.

ولعل المهمة الثانية، هي تشكيل حلف خليجي أميركي-إسرائيلي ضد ايران، وبما يعزز من الوجود الأميركي في الخليج، وكذلك سيجري البحث مع السعودية في مسألة التطبيع السعودي مع "إسرائيل" كأحد الجوائز التي يجب أن يتم تقديمها لنتنياهو، لكي يتخلى، أو يؤخر عملية اقتحام مدينة رفح، وأن يرى في التطبيع مع السعودية بديلاً يمكن أن يقنع حلفائه من الفاشية اليهودية، بعدم تفجير حكومته من داخلها وإسقاطها، ولكن يبدو من تصريحات بن غفير وسموتريتش، وقولهما بأنه إذا لم يستكمل نتنياهو حربه على رفح وإذا ما رفع الراية البيضاء فلن يكون رئيساً للوزراء، وكذلك سيعمل بلينكن على إقناع السعودية بتشكيل قوة عربية متعددة، تعمل على إدارة قطاع غزة، في اليوم التالي لتوقف الحرب على قطاع غزة، قوامها مصري – أردني – سعودي - سلطة الحكم الذاتي فلسطينية – ومحميات خليجية أخرى، بافتراض أن "إسرائيل" ستنجح في القضاء على المقاومة الفلسطينية وفي القلب منها حركة حماس. وكذلك سيعمل بلينكن على ممارسة ضغوط على قطر ومصر، لكي تضغط على حماس من أجل الوصول إلى وقف مؤقت لإطلاق النار يضمن إطلاق سراح الأسرى "الإسرائيليين"، ولعل المقترح المصري الأميركي الذي جرى تقديمه لـ"إسرائيل"، وقدم بشكل مشترك من قبل مصر والمخابرات "الإسرائيلية" لحماس، والذي تسلمته وستقوم بالرد عليه، المؤشرات تقول بأنه لا يوجد فيه تغير جوهري في الموقف "الإسرائيلي" لجهة الوقف الشامل لإطلاق النار ورفع الحصار، وبالتالي متوقع أن ترد عليه حماس وفصائل المقاومة سلباً، ولعل أميركا التي دأبت إدارتها على تحميل حماس المسؤولية عن عدم إتمام صفقة التبادل، بخلاف القيادات الأمنية والعسكرية وأهالي الأسرى "الإسرائيليين" الذين يحملون نتنياهو المسؤولية عن ذلك خدمة لمصالحه وطموحاته الشخصية.

بلينكن يسعى للضغط على "إسرائيل" لتأجيل عملية اقتحام رفح، أو العمل على تنفيذ المرحلة الأولى من الاتفاق، والمتمثل باستعادة الأٍسرى "الإسرائيليين"، والقبول بوقف إطلاق نار مؤقت، وهذا من شأنه أن يفتح الطريق نحو منع تواصل وتوسع "ثورة الجامعات" الأميركية التي انطلقت شرارتها من جامعة "كولومبيا" لتمتد إلى أكثر من 75 جامعة أميركية، وليصل لهيبها إلى جامعات بريطانيا وفرنسا وكندا وإيطاليا، والتي باتت أميركا تعتبر بأنها تشكل خطراً على الأمن القومي الأميركي، في ظل الدعوات والشعارات والهتافات التي ترفعها وتطلقها، ضد المشاركة الأميركية في حرب الإبادة التي تشنها "إسرائيل" على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وكذلك الدعوات لوقف تصدير السلاح إلى "إسرائيل" والغاء الشراكات الأكاديمية والاقتصادية معها ومع مؤسساتها التعليمية وشركاتها الاستثمارية، وهذه الجبهة الإسنادية الخارجية الجديدة للشعب الفلسطيني، دفعت بقوات الأمن الأميركي للتعامل مع هذه "الثورة" الطالبية، بمنتهى القسوة والوحشية، واعتقلت المئات من الطلبة المحتجين، ودخلت "إسرائيل" وكالعادة على الخط متهمة القائمين على تلك "الثورة" الطالبية بالعنصرية ومعاداة السامية.

بلينكن سيسعى لتحقيق التطبيع السعودي مع "إسرائيل" كجائزة كبرى  لنتنياهو تعويضاً عن شن عملية عسكرية على رفح، مقابل جزرة باتخاذ خطوات من أجل إقامة دولة فلسطينية، وهذه الجزرة والبضاعة الفاسدة، طوال ثلاثين عاماً وأميركا تبيع الوهم والكذب والخداع والتضليل لقيادات رسمية عربية وفلسطينية عاجزة ومنهارة، تستمر في "تجريب المجرب"، وهي تدرك بأن هذا البضاعة التي يروجها بلينكن، هي فقط من أجل "ذر الرماد في العيون"، فأميركا بقيادتها الصهيونية واليهودية أكثر تطرفاً من القيادة "الإسرائيلية فيما يتعلق بحقوق الشعب الفلسطيني، ولعل "الفيتو" الذي اتخذته أميركا مؤخراً في مجلس الأمن الدولي، ضد المشروع الذي تقدمت به الجزائر نيابة عن المجموعة العربية، من أجل الاعتراف ب فلسطين كدولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة، يؤكد على صحة ما نقول .

بلينكن ربما يقول لنتنياهو في هذه الجولة، عليكم أن تختاروا بين استعادة الأسرى أو الذهاب إلى معركة رفح، وبين التطبيع مع السعودية أو الذهاب إلى معركة رفح، وبين العلاقات الاستراتيجية مع أميركا والذهاب إلى معركة رفح، دون المس بثوابت العلاقة الاستراتيجية بين البلدين، والبقاء على الخلافات تحت سقف "أميركا صهيونية" و"إسرائيل" قاعدة متقدمة في المنطقة لحماية المصالح الأميركية والغربية.

 

*كاتب فلسطيني