Menu

عقاب قادة الاحتلال بعد أن صار الصمت مستحيلاً

حلمي موسى

حلمي موسى

خاص - بوابة الهدف

 

 

كتب حلمي موسى*

 

في السابع  من أكتوبر أطلقت إسرائيل لنفسها العنان لارتكاب جرائم حرب على نطاق واسع مستندة إلى اعتقاد بأن ما جرى صبيحة ذلك اليوم يبرر لها كل ما فعلت وما سوف تفعل. وبدأت حربها باستهداف المناطق السكنية عبر هدم المنازل فوق رؤوس ساكنيها من دون سابق إنذار واستهداف كل ما هو ثابت ومتحرك وتدمير البنى التحتية والمدارس والمستشفيات. واتجهت نحو تدمير كل وسائل الحياة من آبار مياه ومخابز ومصانع ورأت أن الأجواء مناسبة لأعظم عملية تهجير بأن طلبت أولاً من سكان غزة وشمالها البالغ عددهم ما يزيد عن مليون ونصف ترك حياتهم والتوجه نحو الجنوب. وأعلنت شريط ساحلي في مواصي خانيونس لا يزيد طوله عن سبعة كيلومترات وعرضه عن كيلومترين منطقة آمنة وطالبت الفلسطينيين بالفرار نحو سيناء. ولم تتأخر عندما تبنت هي والولايات المتحدة مشروع تهجير الفلسطينيين إلى مصر وإقامة "مدن" لهم في سيناء أو في باقي أراضي مصر.

وخلال حرب مستمرة حتى الآن منذ حوالي سبعة شهور قتلت إسرائيل وجرحت ما يقارب عشرة في المئة من السكان وهدمت ما يزيد عن 70 في المئة من المنازل وشردت حوالي مليوني فلسطيني من بيوتهم. ومارست في أثناء ذلك حصاراً استمر تقريباً حتى الآن. خلق مجاعة حقيقية في شمال غزة ومناطق مختلفة. وتم كل ذلك ضمن إعلان واضح من جانب الكثير من المسؤولين الإسرائيليين بأن ما يفعلونه مقصود إما بهدف التهجير أو الانتقام. وبعد ذلك، وعندما بادرت حكومة جنوب أفريقيا مشكورة بعرض قضية غزة على المحكمة الجنائية الدولية في إطار مناهضة الإبادة الجماعية استغربت إسرائيل ذلك ووقفت معها أميركا وأغلب دول الغرب في البداية. ولكن سرعان ما اتضح للجميع أن جرائم إسرائيل لا يسهل الدفاع عنها بدأت حلقة دعم إسرائيل في التفكك وبدأ الخوف يتسرب إلى نفوس قادة  الكيان من تحمل تبعات أفعالهم.

واليوم تقريباً وقبل انتهاء الشهر السابع للحرب يتخوف قادة الاحتلال من احتمال قرب إصدار المحكمة الجنائية الدولية أوامر اعتقال، ضد مسؤولين سياسيين وعسكريين إسرائيليين، على رأسهم رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. ورغم جرائم إسرائيل المستمرة منذ إنشائها ونكبة فلسطين فإن هذه هي المرة الأولى التي يخشى فيها قادة الاحتلال من العقاب بعد أن صار الصمت مستحيلاً. وعلى الدوام كانت إسرائيل وبأساليب مختلفة تحاول إخفاء جرائمها تارة وتكثر من ادعاء ملاحقة شكلية لمرتكبي ما يمكن أن يصنف كجرائم. وتعطي الانطباع بأن لديها جهاز قضائي قادر على ملاحقة ومعاقبة من تصفهم بأنهم "أعشاب ضارة" ما كان يوفر لها وسيلة قانونية كافية للتهرب من الخضوع للمحاكمة دولية بسبب قانون التكامل الذي يتيح لها "محاسبة" نفسها بنفسها. وهذا ما ترك في الماضي مساحة كبيرة لاستمرار جرائمها والادعاء كذباً أن الجيش الإسرائيلي هو الجيش الأكثر أخلاقية في العالم.

ولكن كل ذلك ذهب أدراج الرياح مع هذه الحرب التي أظهرت طبيعة الاحتلال وحقيقة قادته السياسيين والعسكريين والوحشية التي هم عليها. وعادت إسرائيل إلى "القبة الحديدية" الفعلية والدرع الواقي لها، وهي الإدارة الأميركية، لمنع المحكمة الجنائية الدولية من إصدار أوامر اعتقال بحق قادة الاحتلال. وحسب ما نُشر في الصحافة الإسرائيلية أجريت مناقشات مكثفة بهذا الشأن في مجلس الأمن القومي وفي وزارات العدل والخارجية. وتقرر شن حملة اتصالات مع كل من يستطيع مساعدة إسرائيل في هذا الأمر حالياً. وهكذا بدأت حملة منظمة للاتصال بوسائل إعلام وبقادة سياسيين وبأنصار من كل مكان. والغرض منع إصدار أوامر اعتقال وتحديداً ضد نتنياهو. وطلب نتنياهو شخصياً من الرئيس الأميركي جو بايدن ممارسة نفوذه على المحكمة الجنائية الدولية وقضاتها لمنع فرض عقوبات على إسرائيل وقادتها.

وقد كتب المراسل العسكري لصحيفة "هآرتس" عاموس هارئيل مؤخراً أنه في هذه الأثناء تتطور لدى القيادة السياسية والأمنية في إسرائيل مشكلة أخرى، أكثر شخصية. ففي هذا الأسبوع من شأن المدعي العام في المحكمة الدولية كريم خان أن يصدر أوامر اعتقال ضد شخصيات إسرائيلية رفيعة على خلفية الحرب في غزة. ويتم بذل جهود أميركية كبيرة، بمساعدة دول غربية أخرى، من أجل إقناع كريم خان بتأخير قراره (الولايات المتحدة نفسها لم توقع على الميثاق الذي بحسبه أقيمت محكمة الجنايات الدولية، لذلك هي نفسها لا تعتبر جزء من قراراتها). نتنياهو، كما يبدو، على قناعة بأن هذه الخطوة ستحدث وستوجه ضده بشكل محدد، إلى جانب شخصيات رفيعة أخرى في المستوى السياسي وربما في جهاز الأمن. في نهاية الأسبوع الماضي نشر رئيس الحكومة بيان جاء فيه أنه ينوي النضال ضد ذلك.

وأضاف هارئيل أن إصدار أوامر الاعتقال كما يبدو ستلزم الدول الأعضاء في المحكمة، 120 دولة، باعتقال الشخصيات الاسرائيلية الرفيعة إذا وصلت إلى أراضيها وتسليمها للمحكمة. إجراء مشابه تم اتخاذه ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على خلفية الحرب في أوكرانيا. الادعاءات تجاه إسرائيل التي بحسبها يتم فحص الأمر، تتعلق بالاشتباه بارتكاب جرائم حرب، لكن ليس الادعاء بشأن إبادة جماعية. هذا إجراء منفصل وموجه للدولة وليس للأفراد، وهو يمكن أن يستغرق سنوات. القضية الجديدة في لاهاي يمكن أن يكون لها تداعيات دراماتيكية لسنوات طويلة، وجهات سياسية وأمنية في إسرائيل تصفها كهزة أرضية محتملة.

 

وخلص إلى أنه في الوقت الحالي من غير الواضح إذا كان المدعي العام خان، المواطن البريطاني، سيقرر اتخاذ هذا الإجراء، وإذا كان ذلك سيحدث بالتأكيد في هذا الأسبوع. ولكن المشكلات من ناحية إسرائيل في الساحة الدولية بعيدة عن أن تقتصر على ذلك. الصحفي توماس فريدمان نشر أول أمس في "نيويورك تايمز" بأن الإدارة الأميركية تفحص فرض قيود على التصدير الأمني الإسرائيلي إذا شنت عملية واسعة في رفح، التي ستنطوي على قتل عدد كبير من المدنيين الفلسطينيين رغم معارضة الإدارة الأميركية. في المقابل، في الوقت الحالي يبدو أن الإدارة الأميركية تراجعت عن نية فرض عقوبات على كتيبة "نيتسح يهودا" التابعة للناحل الحريدي، التي نشر عنها في منتصف الشهر.

وتتحدث الأنباء عن تقارير في وزارة الخارجية الأميركية حول خمس كتائب إسرائيلية، بينها كتيبة نيتسح يهودا، ارتكبت مخالفات صارخة للقانون الدولي وينبغي فرض عقوبات عليها. وقد ضغطت إسرائيل على أميركا لتأجيل فرض العقوبات بسبب الظروف الإقيمية والدولية. لكن ما فات الكثيرين أن التوجه الأميركي لفرض عقوبات على وحدات في الجيش الإسرائيلي يقتصر حتى الآن على نتائج تحقيقات أجريت قبل السابع من أكتوبر. ما يجعل من الصعب على إدارة بايدن مواصلة تمسكها بمساندة الجرائم الإسرائيلية لاحقاً خصوصاً بعد أن صارت هذه الجرائم أمام الجميع بالصوت والصورة.

 أما معاريف فأشارت إلى تقديرات مسؤولين إسرائيليين كبار بأن أوامر الاعتقال، إذا ما صدرت، فستركز على نتنياهو، ووزير الحرب يوآف غاالنت ورئيس الأركان هرتسي هليفي وليس ضد ضباط صغار. وتعقيباً على ذلك قال نتنياهو يوم الجمعة: "تحت قيادتي، إسرائيل لن تقبل أبداً محاولة من محكمة الجنايات في لاهاي التشكيك بالحق الأساسي لإسرائيل في الدفاع عن نفسها. التهديد ضد جنود الجيش الإسرائيلي وشخصيات عامة في إسرائيل، الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط والدولة اليهودية الوحيدة في العالم – هو تهديد فضائحي، ولن نستسلم له". ومع ذلك، أضاف نتنياهو: "بينما لن تؤثر قرارات المحكمة في لاهاي على أعمال إسرائيل، فإنها ستشكل سابقة خطيرة تهدد الجنود والشخصيات العامة لكل ديمقراطية تقاتل ضد إرهاب مجرم وعدوان خطير".

 ورأت الصحيفة أن إصدار أوامر اعتقال دولية هو حدث غير مسبوق، سيؤثر على قدرة إسرائيل على إدارة الحرب في قطاع غزة ومن شأنه أن يمس بمكانة إسرائيل الدولية. إذا ما خرجت أوامر الاعتقال إلى حيز التنفيذ، سيضطر المسؤولون إلى النظر في خروجهم من حدود الدولة بسبب التخوف من الاعتقال والتقديم إلى المحاكمة بتهمة جرائم حرب.

 

*كاتب صحفي من غزة