Menu

معركة رفح هل تنقذ نتنياهو ومصيره السياسي؟

راسم عبيدات

راسم عبيدات

خاص - بوابة الهدف

 

كتب راسم عبيدات*

من بعد عملية السابع من أكتوبر، والتي ردت عليها "إسرائيل" بما اسمته بعملية "السيوف الحديدية"، والتي خرجت لتنفيذها لتحقيق مجموعة من الأهداف الاستراتيجية المتطرفة الموجهة للداخل "الإسرائيلي"، القضاء على المقاومة الفلسطينية وفي القلب منها حركة حماس، وتدمير قدرات المقاومة العسكرية والتسليحية والأنفاق الهجومية، واغتيال قادتها العسكريين والسياسيين أو اعتقالهم، وإنهاء حركة حماس كحكم وسلطة، واستعادة أسراها عسكريين ومدنيين دون تفاوض، وإقامة منطقة جغرافية عازلة محمية أمنياً، توفر الأمن لمستوطنات غلاف غزة، و"هندسة "ديمغرافيا" قطاع غزة، عبر طرد وتهجير نسبة 25% من سكان قطاع غزة إلى خارج حدوده الجغرافية، وصولاً إلى الهدف الاستراتيجي "الإسرائيلي"- الأميركي الأكبر، ألا وهو إعادة رسم خرائط المنطقة وتشكلها من جديد، بما يضمن قيام ما يعرف بالشرق الأوسط الكبير.

المرحلة الأولى من الحرب التي استخدمت فيها "إسرائيل" كل فائض قوتها وأحدث ترسانتها العسكرية، بالقصف الجوي والبري والبحري، وبقوة تدميرية غير مسبوقة، باستخدام القنابل الخارقة للتحصينات والقادرة على مسح مربعات سكنية كاملة عن وجه الأرض، وكذلك الصواريخ الموجهة والدقيقة، وبعقلية ثأرية انتقامية، وبما يمكنها من تدمير قدرات المقاومة وإضعافها إلى أقصى حد ممكن، تمهيداً لعملية برية سمتها المناورة البرية، التي ستنهي المقاومة وستنهي حماس كسلطة وحكم، وتفرض على القطاع احتلال عسكري طويل الأمد، وسلطة روابط قرى مطورة من شخصيات ومخاتير وعشائر وغيرها.

بعد المرحلة الأولى من العدوان، والتي استمرت 48 يوماً، سقطت أولى أهداف العدوان، والمتمثلة برفض التفاوض مع المقاومة حول استعادة الأسرى، وكسرت المقاومة هذه الاستراتيجية، ودخلت "إسرائيل" معها في مفاوضات  في إطار الندية، وعبر هدن متقطعة، تحرر خلالها 240 من الأطفال والنساء الفلسطينيات من سجون الاحتلال، مقابل 80 أسير "إسرائيلي" مدني ومن أصحاب الجنسيات المزدوجة، ولتستأنف "إسرائيل" عدوانها المسمى بالمناورة البرية، بكل أشكال وحشيته، باستخدام قوة نارية غير مسبوقة. وانتقلت في عمليتها من شمال قطاع غزة إلى وسطه وجنوبه وصولاً إلى معركة رفح، وهذه العملية التي كان يراهن نتنياهو ومجلس حربه ومعهما أميركا ودول الغرب الاستعماري والعديد من دول النظام الرسمي العربي المنهار، بأنها يمكن لها أن تحقق أهدافها خلال شهرين أو ثلاثة على أبعد تقدير، ولكن من خلال سير العمليات، اتضح بأن هذه الأهداف، ليست قابلة للتحقيق خلال تلك المدة، وبات من الواضح من خلال شراسة المقاومة الفلسطينية وما سجلته من مقاومة بطولية، مع صمود أسطوري للحاضنة الشعبية، رغم كل الدمار  لكل ما له علاقة بالبنى والهياكل والقطاعات والمؤسسات المدنية والمنازل، بأن جيش هذا الاحتلال، كلما أوغل في رمال غزة ومستنقعها، كلما ارتفع حجم خسائره، جنوداً وضباطاً ومعداتٍ عسكريةً، وزاد التمرد في رفض الخدمة العسكرية وسُحبت ألوية وكتائب من الميدان، مثل جولاني وجفعاتي وغيرهما، واستمر نتنياهو ومجلس حربه وقادته العسكريين يتحدثون عن النصر، وتحقيق الأهداف، وبعض قادة الاحتلال أمنيين وعسكريين أقروا بالفشل، وبأن هناك نصر تكتيكي تحقق ولكن هناك هزيمة على المستوى الاستراتيجي، وبأن هدف القضاء على حركة حماس والتخلص منها ومن حكمها غير واقعي، فهي فكرة متجذرة في صفوف الشعب، وليس بناية تهدم أو نفق يدمر، وبقي نتنياهو يبحث عن نصر أو صورة نصر أو إنجاز عسكري أو ميداني، يمكنه من تسويقه للداخل "الإسرائيلي" وأهالي الأسرى الذين ترتفع وتيرة احتجاجاتهم، ولكن كل جهود نتنياهو، وما قام به من قتل وتدمير لم يحقق له مبتغاه، ولترتفع الانتقادات والمطالبات له بتقديم استقالته ورحيله، وإجراء انتخبات مبكرة سياسية سادسة، تحمله مسؤولية الفشل الأمني والاستخباري، وتحمله الهزيمة التي لحقت بجيشه في السابع من أكتوبر، ووصل الأمر إلى حد وصف حكومته بأنها الأسوء في تاريخ "إسرائيل"، وبعدم وجود قيادة سياسة لدولة "إسرائيل"، لم تعرفها منذ 50 عاماً، وكبار المعلقين العسكريين والقادة الأمنيين والعسكريين الحاليين والسابقيين، قالوا بأن مجموعة من المهووسين يقودون هذه الدولة نحو الكارثة.

نتنياهو الباحث عما يسميه بـ"الانتصار الساحق"، الذي لم يتحقق ولو بصورة نصر، ربط مصيره بمصير اقتحام مدينة رفح، التي يتكدس فيها مليون ونصف مواطن، جزء كبير منهم نزحوا من شمال ووسط وجنوب قطاع غزة، ولذلك ظل يعاند الميدان والسياسة والمفاوضات والمجتمع الدولي، رافضاً الإقرار بالهزيمة. وكيف سيعترف بهزيمة من شأنها أن تدمر مستقبله السياسي والشخصي، وتبقيه لسنوات خلف قضبان السجن، متهماً ومداناً، ليس فقط بالتهم المنظورة ضده أمام القضاء "الإسرائيلي"، كالرشوة وسوء الائتمان وخيانة الأمانة، بل وتحميله مسؤولية الفشل الأمني والاستخباري في السابع من أكتوبر وما لحق بجيشه من هزيمة، ولذلك بقي هاجسه مصالحه ومستقبله السياسي والشخصي فوق المصالح "القومية" لـ"إسرائيل"، وهذا لن يتأتي سوى عن توسيع نطاق الحرب والعدوان خارج حدود قطاع غزة الجغرافية، لكي يخلط الأوراق وتضيع المساءلة والمحاسبة، وحاول التحرش بإيران من أجل هذه الغاية والهدف، باستهداف قنصليتها في دمشق، وما نتج عنها من قتل لـ7 من قادة حرسها الثوري، هذه العملية استتبعت رداً إيرانياً واسعاً بالمسيرات والصواريخ الباليستية والتي طالت مقر الإستخبارات الذي اتخذ فيه قرار شن الغارة على القنصلية الإيرانية، قاعدة "نفطاليم" والمطار القريب منها "رامون" الذي انطلقت منه طائرات "أف 35" لمهاجمة القنصلية، هذا الرد الإيراني وضع دولة "إسرائيل" في حجمها الطبيعي، وبأنها النجمة الـ51 في العلم الأميركي، وغير قادرة على مجابهة إيران لوحدها، وبأنه بعد الرد الإيراني الذي فرض قواعد ردع ومعادلات اشتباك جديدة، انتقلت قوة الردع لإيران، ومن هنا ظل نتنياهو مسكوناً بهاجس مستقبله السياسي والشخصي و"فوبيا" حماس ومقولة "النصر الساحق" في رفح، ولتأتي عملية رفح بعد مصادقة مجلس الحرب "الإسرائيلي" عليها، وتوافق "اسرائيلي"- أميركي على محدوديتها وانتقائية أهدافها، مترافقة بموافقة المقاومة الفلسطينية وفي قلبها حماس على المقترح المصري - ال قطر ي المعدل لوقف إطلاق النار وصفقة تبادل الأسرى، وأيضاً بموافقة مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية "وليم بيرنز" على تلك الصفقة، التي تؤكد على ترابط مراحل الحل، بحيث تؤدي صفقة تبادل الأسرى إلى إنهاء حالة الحرب وفك الحصار والانسحاب الكامل من القطاع وإعادة الإعمار، هذه الموافقة على صفقة تبادل الأسرى، من قبل المقاومة الفلسطينية، أحدثت حالة من الإرباك والتخبط في داخل حكومة الاحتلال وفي مجلس حربها المصغر، ونزلت كالصاعقة على رأس نتنياهو، ووضعته بين خيارات صعبة، يصعب الجمع بينها، فهو لا يريد أن يظهر أمام أهالي الأسرى والمجتمع "الإسرائيلي" بأنه يرفض استعادة الأسرى أحياءً، وبالمقابل لا يستطيع خيانة شركائه من الفاشية اليهودية، بعدم القيام بعملية اقتحام رفح، وخيارات نتنياهو الصعبة، ربما تدفع نحو انقسام عمودي في المجتمع "الإسرائيلي"، والوقوف على أعتاب حرب أهلية، إذا لم يوافق على صفقة إعادة الأسرى، وهو يعتقد بأن الذهاب إلى معركة رفح، قد يقربه من تحقيق هذا الهدف، متوهماً بأن الضغط على المقاومة، قد يدفع إلى استعادة الأسرى بدون مفاوضات، أو هذا الاقتحام قد يجبر المقاومة على تخفيض سقف توقعاتها واشتراطاتها.

نتنياهو ومجلس حربه شنّا هذه العملية العسكرية على رفح، والتي لا تعرف أبعادها ومداياتها، ولكن الأرجح أنها عملية محدودة، جرى التوافق عليها مع أميركا، بحيث يجري تجنب قتل أعداد كبيرة من المدنيين وتقليل حجم تدمير البنى والهياكل والمؤسسات والقطاعات المدنية، وهناك مجموعة أهداف سعى نتنياهو لتحقيقها من هذه العملية، أنه ربط مصيره ومستقبله بالذهاب لمعركة رفح، وبالتالي قد يحصل على صورة نصر يحملها لشركائه من الصهيونية الدينية والقومية، يجعلهم لا يشكلون هاجساً مستمراً وتهديداً له بإسقاط حكومته، وهدف آخر أراده نتنياهو من هذه العملية، أنها قد تدفع المقاومة الفلسطينية لتجميد المفاوضات بشأن تبادل الأسرى أو الانسحاب منها، وبما يمكنه من استمرار حربه وتوسيع دائرتها، لكي يطيل أمد حكومته، ولا ننسى بأن نتنياهو وحكومته يخططون من أجل السيطرة على معبر رفح، وعزل قطاع غزة والتحكم في طرقاته، وقطع تواصله الجغرافي والديمغرافي مع الضفة الغربية والداخل الفلسطيني- 48.

في اعتقادي الجازم بأن "إسرائيل" التي فشلت طيلة سبعة أشهر في تحقيق أهداف عدوانها على غزة وكان وضعها العسكريّ والسياسي والدعم الدولي لصالحها بشكل أكبر بكثير مما هو عليه الآن، ستجد نفسها اليوم في وضع لا يمكنها من النجاح في عملية رفح، لا بل ستكون في وضع تخسر فيه ورقة رفح وستضطر بعد فترة لا تتعدّى الأسابيع الخمسة مضطرة للتسليم بالعجز والمضطرة للخضوع لضغط الميدان والسياسة والضغط الدولي، وبشكل خاص الأميركي، والإقرار الضمني بأنّ حربها على غزة أخفقت وجلّ ما حققت منها هو ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية والتدمير الذي قامت به. أما الأهداف الاستراتيجية فقد بقيت بعيدة عن متناول اليد، لذا ستبقى تعوّل على الدور الأميركي لإيجاد المخرج من المأزق وحجب سلبيات العدوان ما أمكن، ومنحها القدرات على الاستمرار إذ بدون أميركا لا بقاء لـ"إسرائيل" في الوجود، كما بات مؤكداً.

 

*كاتب فلسطيني