Menu

٧٦ عاما على النكبة

طوفان الأقصى يغير وجه العالم

غسان أبو نجم

غسان أبو نجم

خاص - بوابة الهدف

 

عندما وصف الشهيد قسطنطين زريق ما حدث في فلسطين عام ٤٨ بالنكبة كان وصفاً دقيقاً وموفقاً لحالة التهجير والقتل للشعب الفلسطيني على يد العصابات الصهيونية. ولازالت هذه العصابات وبعد مرور ٧٦ عاماً تمارس نفس النهج من قتل وتدمير وتهجير قسري لشعبنا في الضفة الغربية وقطاع غزة ولكن بفارق مهم ومميز أن كل آلة القتل والتدمير لم تستطع أن تدفع طفلاً أو سيدة أو رجلاً فلسطينياً إلى الهرب أو الهجرة خارج فلسطين بل ازداد تمسكهم بالأرض والمنزل المدمر، بل يقفون فوق جثث أبناءهم وبقايا منزلهم المدمر يرفعون شارات النصر يصرخون بأعلى صوت: "إننا مع المقاومة ولن نترك أرضنا ولن نعيد تجربة الهجرة التي عاشها الشعب الفلسطيني عام ٤٨". عندما انطلقت معركة طوفان الأقصى وباغتت المقاومة الوطنية الفلسطينية الاحتلال بدخولها إلى عمق قواعد جيشه وقتل وأسر العديد من جنوده، أصاب الذهول الكيان الصهيوني بكل مستوياته العسكرية والسياسية ودب الرعب بين جمهوره وسادت حالة من الهستيريا السياسية والعسكرية بين حلفائه وارتعدت فرائص الأنظمة الرسمية العربية المطبعة معه. وعلى النقيض من هذا هبت الجماهير الفلسطينية والعربية فرحة بهذا الانتصار وخرجت إلى الشوارع مستبشرة بالنصر وتهتف للمقاومة في مشهد لم يسبق له أن حدث منذ النكبة الأولى عام ٤٨، إذ لم تذق هذه الجماهير طعم الانتصار بل تجرعت الهزيمة تلو الأخرى وسادها شعور باليأس والإحباط وخذلان بإمكانية هزيمة هذا الاحتلال وتحرير فلسطين. إلى أن وقعت معركة طوفان الأقصى التي أعادت الأمل لهذه الجماهير حيث دفعت بالقضية الفلسطينية إلى دائرة الاهتمام وأصبحت قضية العالم الأولى بعد أن حاول الاحتلال وحلفاؤه دثرها. وسقطت مقولة الجيش الذي لا يقهر وكسر تابو التحريم عن مساءلة الكيان الصهيوني ومثل أمام محكمة العدل الدولية بوصفه مجرم حرب وصنف جيشه كأكبر منظمة إرهابية وفر مستوطنوه من غلاف غزة. ولاحقاً من قرى شمال فلسطين نتيجة دخول المقاومة الوطنية اللبنانية على خط الإسناد وتبلور حلف مقاوم شكل محوراً للمقاومة ولحق بالكيان الصهيوني خسائر اقتصادية كبيرة شملت القطاعات العسكرية والاقتصادية واحدثت شرخاً سياسياً في مكونات الكيان الصهيوني نتيجة الهزيمة التي لحقت بالمؤسسة العسكرية والسياسية التي لم تستطع تحقيق أي من الأهداف التي رسمتها لمجري الحرب وتواصل الخسائر المادية والبشرية في صفوف الجيش نتيجة الضربات الموجعة التي تلقاها من المقاومة التي رغم التدمير للبنية الصحية وتدمير المباني والقتل والقصف العشوائي على السكان المدنيين بقيت صامدة وتزداد قوة يوماً بعد يوم.

ولم يقتصر تأثير هذه المعركة على الواقع المحلي الفلسطيني بل شهدت معظم بلدان الوطن العربي مظاهرات ووقفات مساندة للمقاومة الفلسطينية ومحور المقاومة اللبنانية واليمنية والعراقية والإيرانية وشاهدت الجماهير الفلسطينية والعربية بأم عينها الصواريخ والمسيرات الإيرانية تدك مواقع جيش الكيان الصهيوني وكشفت محور الخذلان الرسمي العربي الذي ساند الكيان الصهيوني إبان المعركة وأمده بالذخائر والاحتياجات الضرورية بعد فرض المقاومة اليمنية حصاراً بحرياً على السفن المتجهة للكيان الصهيوني.

أما عالمياً فقد شهدت معظم دول العالم مظاهرات ووقفات مساندة للشعب الفلسطيني بعد أن تكشف زيف الرواية الصهيونية وظهر ككيان مجرم وقاتل للأطفال وأدركت عدالة وأحقية الشعب الفلسطيني بأرضه ووطنه وانطلقت حملات طلابية وجماهيرية للضغط على الحكومات لوقف تمويل الكيان الصهيوني ووقف تزويده بالأسلحة والذخائر ووقف الاستثمارات العلمية والعسكرية مع ومؤسساته الجامعية وحازت القضية الفلسطينية على دعم وإسناد من برلمانات عالمية وحازت فلسطين على عضوية كاملة في هيئة الأمم المتحدة وشهد العالم تحولاً واضحاً ومهماً في تفهم وإدراك عدالة القضية الفلسطينية وحقه في المقاومة ضد المحتل الصهيوني حتى تحقيق حقه في وطنه تأتي الذكرى ٧٦ للنكبة في ظل ظروف ومتغيرات شملت العالم أجمع نتيجة معركة طوفان الأقصى التي لم يقتصر تأثيرها على مجريات الصراع الفلسطيني الصهيوني بل سيمتد ليغير وجه العالم الذي أصبحت فلسطين بالنسبة له مقياس ومعيار ورمز للعدالة الدولية، وأي تجاوز لهذا الحق يعتبر تعدياً على كل القيم الإنسانية واختلال في منظومة القيم الأخلاقية التي تجاوزها الكيان الصهيوني وحلفاؤه. ويكشف الوجه الحقيقي لكل من حاول التشكيك والتقليل من أهمية هذه المعركة التي شكلت تهديداً وجودياً للكيان الصهيوني ومفصلية في الصراع الفلسطيني الصهيوني.