Menu

قرار محكمة العدل الدولية في الميزان :

القرار لم يتهم (إسرائيل) بالإبادة الجماعية، ومحاكمتها  بتهمة  الإبادة  وضعها في دائرة العزلة الدولية

عليان عليان

عليان عليان

خاص - بوابة الهدف


المتأمل لقرار محكمة العدل الدولية بتاريخ 25 مايو الجاري ،والذي صدر بموافقة (13)قاضياً من أصل (15) هم مجموع أعضاء المحكمة، يلاحظ  ( أولاً) أنه لم يعاقب الكيان الصهيوني  قانونياً ، بعدم إصداره  التوصيف القانوني ل( إسرائيل) بأنها مارست ولا تزال تمارس الإبادة الجماعية بحق أبناء  الشعب  في قطاع غزة ، ولم يؤنبها على عدم التزامها بتنفيذ  الإجراءات التي أمرتها بها  ، في السادس والعشرين من يناير (كانون ثاني) الماضي ، وفي الثامن والعشرين من شهر  مارس ( آذار) الماضي، رغم منحها مهلة (30) يوما في كل مرة لتنفيذ أومر المحكمة. 
ويلاحظ (ثانياً) أنه ساهم في زيادة عزلة الكيان الصهيوني على  الصعيد الدولي جراء عدم تنفيذه  لأوامر المحكمة ، خاصةً وأنه يتعرض لأول مرة للمحاكمة بشأن تهمة الإبادة الجماعية  منذ نكبة 1948 . 
مزايا متحققة للكيان الصهيوني من القرار
1-أنه منح الكيان الصهيوني مهلة جديدة لمدة شهر ، لتنفيذ  تدابير مؤقتة جديدة  على نحو "أن توقف فورا هجومها على رفح، وأن تحافظ على فتح معبر رفح لتسهيل إدخال المساعدات لغزة، وأن تقدم تقريرا للمحكمة خلال شهر ، عن الخطوات التي اتخذتها بهذا الصدد ، ما يمنح  حكومة العدو مهلة أخرى لاستكمال تحقيق أهدافها  السياسية المعلنة  من العدوان على قطاع غزة .
ويجب أن نشير هنا   إلى أن حكومة العدو ،لم  تنفذ  ما أمرته  المحكمة الواردة في مهلة  26   يناير   2024 بشأن  اتخاذ تدابير لمنع وقوع أعمال إبادة جماعية بحق الفلسطينيين، وتحسين الوضع الإنساني في قطاع غزة، كما أن حكومة العدو لم تنفذ  أمر المحكمة بشأن التدابير المؤقتة في مهلة مارس 2024 ، وهذا ما أكد عليه رئيس المحكمة القاضي نواف سلام قي قراءته للقرار الجديد   بقوله: "إن الإجراءات المؤقتة التي أُشير إليها في مارس/آذار الماضي لم تعالج الوضع في القطاع ، مشددا على ضرورة توقف الهجوم العسكري الإسرائيلي وأي عمل آخر في مدينة رفح ، من شأنه أن يفرض على الفلسطينيين في غزة ظروفا معيشية، يمكن أن تؤدي إلى تدميرهم المادي كليا أو جزئيا".
2-رغم إشارة رئيس المحكمة بأن التدابير المؤقتة  لم تحق ما هو مطلوب منها سواء تلك الواردة في لائحة 26 يناير أولا لائحة  28 مارس ، ورغم إعلانه أن شروط الإبادة الجماعية  متوفرة في الحيثيات والبينات المقدمة للمحكمة ، إلا أن المحكمة لم تصل إلى قرار يتهم ( إسرائيل) بالإبادة الجماعية رغم استشهاد ما يزيد عن (35) ألف فلسطيني معظمهم من النساء والأطفال ، ورغم إصابة ما يزيد عن 80 ألف ، ورغم تدمير 75 في المائة من مباني قطاع غزة  ، ورغم تدمير البنية الطبية والتعليمية والخدمية ، ورغم  المجاعة التي ضربت وتضرب القطاع كل ذلك بشهادة منظمات الأمم المتحدة .
3- القرار نص على أن توقف القوات الاسرائيلية عملياتها العسكرية في رفح فقط، ما يتيح للعدو الصهيوني أن يواصل حرب الإبادة الجماعية في مختلف أرجاء القطاع ، في محاولات يائسة منه للتعويض عن هزائمه المستفحلة في ميدان المعارك في غزة،  وفي محافظات الشمال والوسط وفي محافظتي خان يونس  ورفح.
ونشير هنا إلى أن المحكمة لم تستجب منذ  انعقادها في يناير ، لطلب حكومة جنوب أفريقيا  بوقف الحرب الصهيونية  على  قطاع غزة أو تعليقها ، ما سهل مهمة قوات الاحتلال على الإمعان في تنفيذ جرائم الإبادة الجماعية  .
4- اللافت للنظر استخدام قرارات المحكمة عبارة " بشكل كاف" على نحو" أن ( إسرائيل ) لم تطبق ما هو مطلوب منها من التدابير "بشكل كاف" ، ما يعني وفق منطوق هذه العبارات أنها نفذت جزئياً ما هو مطلوب منها ، وفي ذلك إنصاف في غير محله للكيان الصهيوني ، لا سيما وأن الكيان بعد مهلة 26 كانون ثاني(يناير) ومهلة 26 آذار (مارس) لم ينفذ نهائيا أي أمر  من أوامر المحكمة،  بل ضاعف من عملياته الإبادية والتدميرية للقطاع ،وارتكب جرائم إبادة غير مسبوقة بحق المدنيين، أثناء انتظارهم  شاحنات  المواد الغذائية في مختلف أرجاء القطاع ، وقام بتدمير المستشفيات  وإخراجها من الخدمة، خاصةً مجمعي الشفاء في مدينة غزة ، وناصر في مدينة خان يونس.
5-  الأمر  الذي وجهته المحكمة ل  (إسرائيل) بضمان وصول أي بعثة لتقصي الحقائق ترسلها الأمم المتحدة للتحقيق في مزاعم الإبادة الجماعية" ... معتبرة أن العمليات العسكرية تشكّل "خطرا حقيقيا ووشيكا" على الشعب الفلسطيني.
هذا الأمر جاء متأخراً ، ما يدفع المراقبين لطرح السؤال التالي : لماذا انتظرت المحكمة أربعة شهور لتطلب من الأمم المتحدة تشكيل هذه البعثة  ؟ ولماذا لم تطالب بتشكيل هذه  البعثة بعد المرافعات الغنية والموثقة التي تقدمت بها حكومة جنوب أفريقيا ؟ الا  يعني هذا التأخير منح الوقت الكافي للعدو لاستمرار  حكومة العدو في حرب الإبادة الجماعية لتحقيق أهدافها ، بغطاء من الولايات المتحدة ومن مظم الدول الغربية؟ سؤال برسم الإجابة  لرئيس المحكمة وقضاتها؟!.
6- أن القرار نص على وجوب إطلاق ( الرهائن) الإسرائيليين فوراً ، وتجاهل آلاف الأسرى الفلسطينيين في معتقلات  الكيان الصهيوني،  ما يعني تجاهل متعمد  لاتفاقية جنيف الخاصة بأسرى الحرب، ومع ميثاق الأمم المتحدة  الذي يؤكد أن مقاومة الاحتلال مشروعة بكل السبل المتاحة.
مزايا متحققة لقطاع غزة
 رغم الميزات التي وفرتها محكمة العدل  الدولية  بقرارها   للكيان  الصهيوني ، ورغم خضوع قرارها  لمساومات ضمنية نتيجة ضغوط  سياسية على القضاة ، إلا أنه انطوى  في تداعياته ميزات لمصلحة القطاع والمقاومة ، مع ضرورة الإشارة هنا إلى أن المحكمة اضطرت لاتخاذ قرارها بوقف إطلاق النار في مدينة رفح ارتباطا بعدة عوامل أبرزها :
1-الحراك الشعبي والجامعي  الذي عم الولايات المتحدة وعموم الدول الغربية  الداعم للمقاومة والمستنكر للإبادة الجماعية في قطاع غزة على مدى ثمانية شهور .
2-  تمرد بعض الدول الأوروبية على موقف الولايات المتحدة  بشأن الاعتراف  بالدولة  الفلسطينية ، نتيجة ضغط الرأي العام ، حيث اعترفت كل من إيرلندا واسبانيا والنرويج بالدولة الفلسطينية.
3- طلب المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية " كريم خان" من قضاة المحكمة توقيف كل من رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو ووزير حربه " يو آف غالانت" بتهمة ارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية في قطاع غزة.
وبصدد الميزات  النسبية  التي تحققت   لمصلحة   قطاع غزة  نشير إلى ما يلي :
1-أن الطلب من حكومة الكيان الصهيوني تنفيذ إجراءات وتدابير على نحو  أن تحافظ على فتح معبر رفح لتسهيل إدخال المساعدات لغزة،  وأن توقف فوراً على هجومها على رفح ، وأي عمل آخر في مدينة رفح من شأنه أن يفرض على الفلسطينيين في غزة ظروفا معيشية يمكن أن تؤدي إلى تدميرهم المادي كليا أو جزئيا" "..."وأن تقدم تقريرا للمحكمة خلال شهر عن الخطوات التي اتخذتها بهذا الصدد" ، يعني أن  المحكمة تواصل وضع الكيان الصهيوني في قفص العدالة كمتهم في ارتكاب جريمة إبادة جماعية.
2- إنها المرة الأولى منذ نكبة 1948 ،  التي تحاكم فيها ( إسرائيل) على جرائم الإبادة الجماعية  ويجري التعامل معها من قبل أطراف عديدة في المجتمع الدولي ،ومن قبل مختلف القوى الشعبية في الولايات المتحدة وكندا وأروبا  وأستراليا  ، كدولة مارقة ومنبوذة تتحدى القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني ، وتتحدى محكمة العدل الدولية الذي أنشأتها الولايات المتحدة ودول الغرب الرأسمالي بعد الحرب العالمية الثانية عام 1945 ، عبر مواصلتها حرب الإبادة غير مكترثة لأوامر المحكمة .
صحيح أنه خلال العقود السابقة جرى توجيه انتقادات للكيان الصهيوني بشأن  الاستيطان وبناء جدار الفصل العنصري، وتهويد القدس ،  وعمليات القتل والاعتقال  والتضييق الاقتصادي وأنها لم تلتزم بقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، دونما محاسبة لها بحكم الغطاء الأمريكي لها ، لكنها هذه المرة لا تتعرض للانتقادات فحسب ، بل يجري  توجيه التهم له من معظم دول العالم ومن مختلف  المؤسسات الحقوقية ، ومنظمات حقوق الأنسان  ، بأنه كيان إرهابي ومارق يتحدى القانون الدولي ، والقانون الدولي الإنساني.
3- أن المحكمة أصدرت ولأول مرة  أمراً للكيان الصهيوني بوقف الحرب ، لكنه اقتصر  على مدينة رفح ، وهذا تطور مهم لكنه قرار ناقص بحكم أن عموم محافظات القطاع تتعرض للقصف والتدمير والإبادة ، وكان  المطلوب أن يتضمن القرار أمراً بوقف الحرب على عموم قطاع غزة.
وفي هذا الإطار، يرى الأستاذ في القانون الدولي لحقوق الإنسان بكلية ترينيتي في دبلن والموظف القانوني السابق في محكمة العدل الدولية "مايكل بيكر" أن هذا القرار يعد "الأول من نوعه"، الذي يأمر (إسرائيل) بتعليق عملياتها العسكرية في رفح ..." ، أن هذا  القرار لا يضع تل أبيب فحسب تحت ضغط كبير لتغيير سلوكها، بل واشنطن أيضا، "...." أن أوامر المحكمة ملزمة قانونا بشكل رسمي، وإذا لم تلتزم (إسرائيل )بها فإن ذلك سيعني انتهاكا مباشرا للقانون الدولي".
4- أن هذا القرار بما تضمنه من أوامر واجبة التنفيذ للكيان الصهيوني ، وعدم التزامه بتنفيذها يدفع العديد من الدول المترددة  لمقاطعة الكيان الصهيوني ومعاقبته ، ويدفع الشركات  والجامعات التي تستثمر في الكيان  إلى الخروج منه ، وحتى الدول الغربية وغيرها التي تزود ( إسرائيل)  بالسلاح  قد تراجع موقفها وتتوقف عن تصدير السلاح له ، خشية من اتهامها هي الأخرى بالمشاركة في الإبادة الجماعية..
خلاصة: ما تقدم  من معطيات يؤكد  على  ما يلي :
1-أن القرار الراهن والقرارات السابقة مسيسة بامتياز ، وأن القضاة لم يلتزموا بقواعد قانون الإبادة الجماعية ، المتعلقة بمنع الغذاء والوقود وجرائم قتل المدنيين ألخ بل ارتهنوا لإملاءات سياسية وتهديدات، كتلك التي تمارس هذه الأيام من قبل الكونجرس الأمريكي ضد مدعي محكمة الجنايات الدولية.
2-القرار غير متوازن وحقق مزايا كبيرة للكيان الصهيوني ، مثل القرارين السابقين ومنح العدو المهلة الكافية للاستمرار في حرب الإبادة في قطاع غزة  ، وميوعة  هذا  القرار سهلت مهمة حكومة العدو في اقتراف أكبر عملية قصف لقطاع غزة ، إذ إنه بعد مرور 24 ساعة على صدور قرار المحكمة  ، ارتكب عشرة مجازر في أماكن النزوح ، راح ضحيتها 195 شهيداُ من المدنيين ، من بينهم (35) شهيداً في مخيم النزوح  شمال غرب رفح في بلوكات 3 -5- 7-1 ، 3-  قرب  مستودعات الأونروا .
3-أن المحكمة  برفضها طلبات جنوب إفريقيا بوقف العدوان، على غزة على مدى أربعة شهور، وضعت نفسها  في دائرة الشبهة  والتسييس ، وأخرجت نفسها من السياق القانوني، ومن سياق العدالة  المناط بها وبدورها الذي أقيمت من أجله.