Menu

من المخجل البحث في اليوم التالي عن النصر بدون المنتصرين

حمدي فراج

حمدي فراج

خاص - بوابة الهدف

 

     تشاء الظروف أن تمتد معركة "طوفان الأقصى"  لتتقاطع "تلتقي" مع هزيمة حزيران العربية الكبرى "النكسة" التي تدخل هذه الأيام عامها السابع والخمسين. ربما لكي يقف كل عربي وجها لوجه أمام حقائق التاريخ العنيدة، دولة "إسرائيل" وحدها تهزم جيوش مصر و سوريا والأردن، وتحتل ما يلزمها من أراضيهم، سيناء والجولان والضفة الغربية وقطاع غزة في ستة أيام، - حسن نصر الله قال في ست ساعات - و كان بإمكانها الوصول إلى عواصمهم، القاهرة، دمشق و عمان.  
    على مدار ست وخمسين سنة، نظر العربي إلى نفسه نظرة صغار و احتقار عندما كان يقارن نفسه بـ"الإسرائيلي" العملاق الجبار، جيشه الذي لا يقهر، موساده الذي يعرف دبة النملة، ديمقراطيته اليتيمة في الشرق الأوسط، اقتصاده الذي لا يشق له غبار، حتى جاء فصيل فلسطيني واحد اسمه "حماس"، لم يكن قد رأى النور بعد في ذلك العام الأسود، عام النكسة، و فعل ما فعله بـ"إسرائيل"، و إذا نظر العربي إلى السابع من أكتوبر على أنه حدث استثنائي خارق، و مازال البعض يعتقد أنه مجرد حلم. والحقيقة، حيث لا ينفع غيرها، بل إن معاندتها والتحايل عليها يضر البلاد والعباد على حد سواء، هذه الحقيقة مفادها أمران جوهريان.
    الأول متعلق بالشعوب التي ترزح تحت نير الاحتلال، أن تقاومه مقاومة شاملة، في الصيف كما في الشتاء، عبر طلائعها "حركات تحررها"، و قد تميز هنا الرئيس التركي الذي رفض كل من قال عن حماس أنها حركة إرهابية يتوجب اجتثاثها، يوم قال أنها حركة تحرر وطني، ما لم يقله النظام العربي في مجمله حتى اليوم. أما سكرتير عام الأمم المتحدة فوضع العربة خلف الحصان حين قال أن السابع من أكتوبر لم يأت من فراغ. 
   الأمر الجوهري الثاني في سبر غور تلك الحقيقة، فهو مسالمة الاحتلال من قبل من نصّب نفسه حركة تحرر و أعلن من طرفه الاستقلال الوطني والدولة والحكومة والجيش ببنادق مختومة ورصاصات معدودة. قدم تنازلات استراتيجية شبه مجانية لهذا الاحتلال الذي ما زال يجثم على صدر الشعب والأرض. مسالمته شيء، و مفاوضته شيء آخر. مسالمته تعني عدم مقاومته، عدم مقاومته تعني توسيع شهيته وأطماعه. حتى وصل به الأمر أن يرفع علمه في عدة عواصم عربية قبل أن يُسمح لهذا المنكوب المنكوس برفع علمه على عاصمته المفترضة " القدس الشريف". 
   إن صمود المقاومة في غزة لثمانية أشهر (240 يوماً)، ما يعادل 40 مرة من حرب الأيام الستة  عام 67، يفترض أن تدفع الزعيم العربي هذه المرة، وليس المواطن العربي فقط، لأن يعيد النظر فيما راكمته عليه هزيمة نلك الحرب، وأن يتوقف عن النظر لهذا الاحتلال على أنه البعبع الذي سيأتي ليحتل عواصمنا، وأنه ليس ديمقراطياً ولا إنسانياً وهو يقوم بتفريغ أحقاده ضد الأبرياء بعشرات الآلاف، ويتم اتهامه بالإبادة الجماعية وجرائم الحرب من قبل أعلى الهيئات الحقوقية في العالم.
   في عام 67 كان عمر إسرائيل أقل من عشرين سنة، وعدد سكانها ربما لا يتجاوز مليوني نسمة، بدون مستوطنات و لا مستوطنين، بدون تطبيع وبدون اتفاقيات أبراهام العلنية و السرية، فمن المخجل الاستمرار في استمراء الهزيمة، لكن المخجل أكثر و أكثر من يبحث عن اليوم التالي للنصر بدون المنتصرين.