Menu

الحرب في غزة والمعركة الخلفية في الضفة

سعاده مصطفى أرشيد

سعادة مصطفى ارشيد

خاص - بوابة الهدف



لم يكن اندلاع الحرب في غزه يمثل مفاجأة واحدة فحسب، وإنما مجموعة من المفاجآت في حرب تسارعت أحداثها، بقدر لم يكن العقل والضمير يستطيعان ملاحقته لا بل يلهثان في محاولة متابعة أحداثها وتفاصيلها، مما جعلها تستحق ألقاب مثل الطوفان والزلزال، ولكن الحرب ومعاركها وإن كانت تقودها غزة بشجاعة وإدراك و اقتدار وهي ماضية في استنزاف الاحتلال، إلا أن معارك خلفية تدور في الضفة الغربية وبشكل بدا بطيئاً لكنه أخذ بالتسارع مؤخراً.
بموجب الاتفاق المرحلي الذي عقدته بعض قيادة منظمة التحرير مع دولة الاحتلال بكامل مؤسساتها في الثالث عشر من أيلول 1993 والذي أطلق عليه إسم اتفاق أوسلو تم تشكيل السلطة الفلسطينية بموجبه، وتحددت مهامها بالنص الصريح والواضح بأنه يقتصر على إدارة السكان والحفاظ على الأمن (التنسيق الأمني مع المخابرات الإسرائيلية) وسرعان ما لحق بذلك الاتفاق ما تم توقيعه في باريس عام 74 من ملاحق اقتصادية لتنظيم العلاقة بين الاقتصاد (الإسرائيلي) و بين اقتصاد المناطق التي تديرها السلطة الفلسطينية وبما يجعل من الاقتصاد الفلسطيني ملحقاً وهامشاً للاقتصاد (الإسرائيلي) تشرف به دوله الاحتلال على الاستيراد والتصدير وجباية أموال الضرائب (المقاصة) وتخصم منها عموله لقاء خدماتها الإجبارية ثم تحيل ما تبقى إلى خزينة السلطة.
ادعت قيادة منظمة التحرير في حينه أنه لم يكن بالإمكان أفضل مما كان، وأن هذه الاتفاقيات على إذعانها و رداءتها، إلا أنها ستكون مرحلة قصيرة وخطوة اضطرارية باتجاه التحول من سلطة حكم ذاتي محدود إلى دولة مستقلة عاصمتها القدس وذات اقتصاد مزدهر يحقق حالة من الرفاه تجعل من حياة الفلسطينيين جميلة وبما يشابه أو يتفوق وفق بعض المبالغات على سنغافورة ودبي وهونج كونج، الأمر الذي حصل في النهاية عكسه تماماً، و في حين بذلت السلطة الفلسطينية أقصى جهودها للحفاظ على الأمن والإيفاء بالتزاماتها مع الاحتلال لدرجة جعلت من التنسيق بين أجهزتها الأمنية ومخابرات الاحتلال على درجة تصل إلى حد القداسة ولكنها لم تستطع إدارة السكان ولا قيادة عجلة التنمية الاقتصادية واستبدلت على أرض الواقع سنغافورة بالصومال.

هكذا انتهى الحال بالاقتصاد الفلسطيني كما في وظيفة السلطة بالمعنى الوطني من الادعاء بالسعي نحو الرفاه، والتقدم إلى ما نحن عليه اليوم، وهو حالة ريعية تعتمد على المساعدات والهبات الخارجية من الدول المانحة، وهي على الدوام مساعدات ذات اشتراطات سياسية تدعم التحول الفلسطيني من الثورة ومشروع التحرير إلى مشروع التنسيق الأمني والإلحاق الاقتصادي الذي نراه اليوم، فهذا الدعم لم يكن مقدر له أن يستمر إلى الابد، ثم اعتمدت السلطة الفلسطينية على قروض البنك الدولي وعلى البنوك المحلية كل ذلك لدعم فاتورة الرواتب، ثم السعي لدى دوله الاحتلال لإصدار تصاريح عمل للشباب الفلسطيني للعمل في مشاريع (إسرائيلية) في مجالات الزراعة والبناء والفندقة والسياحة والصناعات التحويلية والذين يبلغ عددهم وفقاً لتقديرات نقابه عمال فلسطين من 175,000 إلى 200,000 عامل يتقاضون في السنه قرابة النصف مليار دولار، ومع ذلك كانت تبلغ نسبة البطالة إلى 24.1% حتى مطلع الحرب (السابع في تشرين الأول) أما بعد الحرب فقد بلغ عدد العاطلين عن العمل إلى 540000 عامل لا مصدر رزق لهم.
في جانب آخر يصر وزير المالية (الاسرائيلي) سمو ترتش على عدم تحويل عائدات المقاصة لخزينة السلطة، مما اضطر السلطة الفلسطينية لعدم دفع الرواتب كاملة، وفي هذا الشهر تم دفع نصف الراتب لموظفيها العسكريين والمدنيين، بذلك أصبح مصدري الدخل الرئيسيين وهما العمل لدى الاحتلال والوظائف الرسمية معطلين مما أدخل المجتمع في حالة عوز شديد.
هذا الواقع الاقتصادي الصعب الذي وصل في بعض الأحيان حد الحاجة للقوت مترافقاً مع عجز السلطة عن الحصول على أموال عربية كما ظهر في مؤتمر القمة العربية الأخير في المنامة، لا بد له من أن ينعكس على الحالة الأمنية التي ستنفجر في وجه الاحتلال، والاحتلال بدوره يصعد في الضفة في اقتحاماته واغتيالاته وتدميره للبنى التحتية من شوارع ومدارس وشبكات الماء والكهرباء والصرف الصحي تنفيذاً لمشروعه المعلن بضم أربعة أخماس الضفة الغربية وتهجير سكانها إلى الاردن.
هذه معالم المعركة الخلفية والتي ننتظر اشتعالها بشكل أكثر ضراوة وتتطلب الاستعداد لها.