Menu

حرب الإبادة على غزة.. نتنياهو منتصر بدون نصر

حمدي فراج

حمدي فراج

خاص. - بوابة الهدف

لا أحد يدين المنتصر على انتصاره ، حتى حين يرتكب أخطاء مشهودة ، او حتى جرائم محظورة تعاقب عليها القوانين المرعية في دولته او تلك العالمية ، سرعان ما تسقط بالانتصار الذي يجبّها و يسدل عليها ستاره السميك ، بل تصل الأمور الى ما هو ابعد من ذلك بكثير ، بأن يلتف الجميع حول ذلك الانتصار و يصطفون خلف هذا المنتصر ، بمن في ذلك خصوم السياسة الذين كانوا حتى الوقت الأخير ما قبيل النصر يعارضون و يشككون و يحذرون و يتوعدون .

يدور الحديث هنا عن انتصار نتنياهو الذي يتشدق و يتلمظ به منذ تسعة أشهر ، لا يفوّت  أي خطاب ، مقابلة ، تصريح ، دون ان يذكره بالاسم ، و يشدد عليه ، بل و يبالغ فيه ، لا يقبل ان يكون "نصرا" فقط ، بل "كاملا" و "مطلقا" و "حاسما" و "نهائيا" ، ثم ينتقل الى تحديد مستقبل المنطقة و الشعب ، فلا يريد "فتحستان ولا حماسستان" .

دعنا نبدأ من الآخر ، على ماذا يعتمد نتنياهو في كل هذه الثقة الغلوائية الخالية من أي ملمح واقعي ، الاعتماد على أمريكا ، وقد هاجمها بعنف ، و أخل بما جرت عليه العادات والإجراءات و المراسيم و المواثيق ، ووصل الامر الى حد نبذه وعدم استقباله في البيت الأبيض منذ انتخابه قبل سنتين .

لا تذهب بعيدا ، و انظر أمامك واسمع بلغتك الأم  ، ما قاله الناطق الرسمي باسم جيشك ، من ان القضاء على حماس هو مجرد ذر للرماد في عيون الشعب الإسرائيلي ، واسمع ما قال اهل بيتك ، زوجتك ، من ان قادة الجيش يرتبون انقلابا عسكريا ضدك ، وابنك الذي يتهم جهاز مخابراتك بالخيانة . واذا كانت هذه "مجرد" أقوال ، فإن انسحاب حلفائك من مجلس الحرب غانتس ، و ايزنكوت احتجاجا على ما تقوم به ، فهذه ليست اقوال ، بل أفعال فعلية جوهرية لها مفاعيلها واستحقاقاتها المستقبلية والتي بدأت تعطي أكلها في مظاهرات الشوارع ، واعتماد الجيش الأكثر اخلاقا في العالم ، جيشا على قائمة العالم السوداء .

قلت ان النصر مرتبط برفح ، و ها انت في رفح منذ ثمانية أسابيع ، لكنك على ما يبدو اكتشفت ان امورك لم تحسم في غزة جباليا و بيت حانون ، خانيونس البريج و المغازي ، وتعود اليها من جديد للمرة الثانية ، فتكتشف ان النصر مرتبط بالشجاعية لا رفح ، التي تعود اليها للمرة الثالثة .

جنودك الاسرى المحتجزين لدى المقاومة منذ تسعة أشهر ، و يدخلون شهرهم العاشر خلال أيام ، و هو أشبه بالحكم الإداري عليهم ، لم تحرر منهم الا أربعة مدنيين ، قتلت العشرات منهم ، سالت دماؤهم على يديك ، و كانوا يظنون مفعمين بالثقة والوثوق انك ستنقذهم خلال أيام او أسابيع ، وأنك لن تتخلى عنهم و لن تتركهم في ايدي "الإرهابيين المتوحشين الحيوانات" وهي اوصاف اطلقتموها على الشعب الغزي ، و لهذا قتلتم من ابريائه عشرات الالاف ، و جوعتموه عقابا لهم على ان الله خلقهم غزاويين .

انظر حولك ، الى حيث شمال البلاد ، الى حيث يتربصك حزب الله و ما بعد بعد حزب الله ، في العراق و سوريا و اليمن وايران ،  و لم يظل الا ان تنظر خلفك ، لترى كم هذه الغابة كبيرة كثيفة مخيفة خطيرة و موحشة ، و هي التي فاخرتم بها الدنيا انها الدولة الوحيدة من بين كل دول العالم التي أقيمت بكتاب ، "مزمور" من رب العالمين .