Menu

فوائد المقاطعة

عبد الله جناحي

عبدالله جناحي

خاص - بوابة الهدف

 

 

1- راحةُ الضمير، بأننا نقفُ مع شعبِنا الفلسطينيّ، هذا الجانبُ الأخلاقيُّ والدينيُّ مهمٌ جداً، باعتباره رافعةً معنويةً لنا لمواصلةِ عملِنا القوميِّ هذا، ورافعةً معنويةً لشعبِنا الفلسطينيِّ أيضاً، خاصةً إذا أدَّت مقاطعةُ الشركاتِ والخدماتِ التي تدعم العدوَّ الصهيونيَّ إلى نتائجَ إيجابية، فكلما ترفعُ الشركةُ العلمَ الأبيضَ، معلنةً استسلامَها لضغطِ المقاطعة، وتعلنُ انسحابَها من دعمِ هذا العدوِّ الغاشم، فذلك مسمارٌ جديدٌ في تابوتِ ونعشِ هذا العدو.

٢- هل تعرفون أن جهازَ المخابراتِ الصهيونيةِ والحكومةَ الصهيونيةَ وضعت الحركةَ العالميةَ لمقاطعةِ التطبيعBDS ، كأخطرِ حركةٍ عالميةٍ على حاضرِ ومستقبلِ هذا الكيانِ المصطنع. وفي تقريرٍ صهيونيٍ حكوميٍ يؤكد بأن BDS هي أخطرُ من حركاتِ المقاومةِ الفلسطينية، لأنهم قادرونَ على التعاملِ ومواجهةِ المقاومة، لكنهم غيرُ قادرينَ على لَجْمِ وتدميرِ هذه الحركةِ العالمية.

٣- ممارسةُ مقاطعةِ المأكولاتِ والمشروباتِ الغربيةِ عامةُ، والأميركيةِ على وجهِ الخصوص، ليست فقط رسالةُ شعبيةُ للإمبرياليةِ الداعمةِ لهذا العدوِ الصهيوني، بل هي تأثيرٌ اقتصاديٌ، على المدى الطويلِ، سيكونُ لهذا التأثيرِ تداعياتٌ سلبيةٌ على اقتصادياتِ هذه الدول، بشرطِ أن تستمرَّ المقاطعة ُبشكلٍ منتظمٍ وعلميٍّ ومنهجيٍّ، ومن خلالِ النفَسِ الطويلِ جداً جداً.

٤- مقاطعةُ السِّلَعِ بكلِّ أنواعِها وماركاتِها العالميةِ الغربيةِ والشرقيةِ التي تتعاملً وتدعمُ العدوَّ الصهيونيَّ، تساعدُنا أن نتحررَ تدريجياً من سلوكياتٍ وقِيَمٍ استهلاكيةٍ سَرَّبَتها لنا الصناعاتُ الرأسماليةُ عبْرَ إعلاناتِها وإعلامِها الضخمِ والتي تضعُ الخطَطَ والإستراتيجياتِ لكيفيةِ التلاعبِ بعقولِ أطفالِنا وشبابِنا ونسائِنا ورجالِنا، وكيف يتمُّ غسلُ أدمغتِنا لدرجةِ أن نعلمَ بأنها سِلَعٌ لها بدائلُ أرخص، وندري بأنهم يخدعوننا، لكن التخديرَ الإعلاميَّ والإعلاني، هذا الأفيونُ الحقيقيُّ للشعوب، المستسلمونَ تحت رحمتِه، يجرُّنا ويجذِبُنا نحوَ مواصلةِ حياتِنا في نظامِ التفاهةِ الغربيةِ الذي تم فرضَها على العالم. هذا النظامُ التافهُ الذي يُجبِرُنا أن نُصدقّ بأنَّ سِلَعَهم هي أفضلُ السلع، مثلما فرضوا علينا بأنهم هم مركزيةُ العالَمِ في قِيَمِهم وسياساتِهم، وما نحن سِوى هوامشَ عليها أن ترضعَ من مصانِعهم… وقِيَمِهم التي فضحتْها مقاومةُ طوفانِ الأقصى في غزة. وصدقوني؛ كلما نتحررُ من سلوكياتِ الاستهلاكِ للسلَعِ والخدماتِ الرأسماليةِ، ونبحث عن بدائلَ وطنيةٍ محليةٍ وعربيةٍ ومن الأسواقِ الصديقةِ لشعبِنا الفلسطيني، كلما نستنهضُ طاقاتِ ومنتجاتِ شعوبِنا، ونُحِسُّ أجسادَنا وعقولَنا وقلوبَنا نظيفةً بسيطةً غيرَ ملوثةٍ من قِيَمِ وسلوكياتِ نظامِ التفاهةِ الرأسماليةِ المتوحشة.

٥- ما يساعدُنا على أن نستمرَّ بنَفَسٍ طويلٍ جداً جداً في المقاطعة، بأن هذه المقاطعةَ في صالِحنا جميعِنا؛ صحياً ونفسياً ومعنوياً. وفي صالحِ أسواقِنا الوطنية، وسلعِنا ومنتجاتِنا المحليةِ والعربيةِ والصديقةِ لقضيتِنا الإنسانيةِ والعروبيةِ والدينية.

كيف ذلك؟

-إليكم حِكايةُ حَرَكَةٍ شعبيةٍ بدأت بمقاطعةِ مطاعم ماكدونالدز في إيطاليا. ليست بهدف دعمِها للعدوِ الصهيوني، وإنما لسببٍ آخر. المهم بالنسبة لكم أن نستفيد من هذه التجربة الرائدة ونكررها- بالطبع بعد تطويعِها محلّيًا لتصبحَ منسجمة مع أهداف المقاطعة ضد التطبيع مع العدو الصهيوني.

- عندما فتحَ ماكدونالدز فرعاً له في ١٩٨٦بجانبِ منطقة (السلالم الإسبانية) في روما، عاصمة إيطاليا المشهورةِ بمطاعمِها ومقاهيها المحليةِ العائلية التي بدأت تخسرُ زبائنَها، حيث انجذب المواطنون لمطاعمِ الوجباتِ السريعةِ الأمريكية، ولأن الشعبَ الإيطاليَّ يعتزُّ ويفتخرُ بصناعةِ مأكولاتِه ومشروباته، فقد اعتبرَ كثيرٌ من السكانِ المحليين أن ماكدونالدز تجاوزَ الحدودَ المقبولَة ولابُدَّ من رد، ولدحِر تسونامي الوجباتِ السريعةِ التي تجتاحُ الكوكبَ، وليس فقط روما. بادرَ (كارلو بتريني) الكاتبُ المحبوبُ المتخصصُ في شؤون الطباخ، بإطلاقِ حركةِ (الطعام البطيء). وكما يوحي اسمُها فإن الحركةَ تهدفُ إلى العملِ في كلِّ ما لا يفعلُه ماكدونالدز، أي تشجيعُ المنتجاتِ المحليةِ الموسميةِ الطازَجة، والوصفاتِ المتوارَثَة عبرَ الأجيال، الزراعة المستدامة، والمنتجاتُ البلدية والريفية، وتناولُ الطعامِ على مهلٍ مع العائلةِ والأصدقاء، وليسَ كما نفعلُ عندما نأكلُ في مطاعمِ الأكلاتِ السريعة. بالإضافةِ إلى ذلك فإنَّ هذه الحركةَ تدعو إلى (الطهو البيئي) أي فكرةُ تناولِ الطعامِ الجيِّدِ الذي يمكنُ -بل يجبُ أن يترافقَ مع حمايةِ البيئة. وبعد فترةٍ من انتعاشِ هذه المطاعمِ العائليةِ في منطقةِ السلالمِ الإسبانية، اضطرَّ مطعمُ ماكدونالدز أن يُغلقَ أبوابَه، ويبحثَ عن منطقةٍ أخرى لا توجد فيها مطاعمُ محليةٌ عائليةٌ حتى لا تتكررَ حركةُ المقاطعةِ بحقِّه.

توسَّعت هذه الحركةُ تدريجيا. حالياً عددُ أعضاءِ هذه الحركةِ حوالَي مائةِ ألفِ عضوٍ من خمسينَ بلداً، ولديها كوادرُ شبابيةٌ يردُّونَ على الرسائلِ الإلكترونيةِ ويُصدرونَ النشراتِ الاخبارية، كما أنها بادرَت في إصدارِ مجلةٍ فصليةٍ في خمسِ لغات، ومجموعةٍ مرموقةٍ مهمةٍ من أدلةِ المأكولات والمشروباتِ الطازَجة الصديقةِ للبيئة، ويقوم أعضاءُ الحركةِ بتنظيمِ حفلاتِ عَشاءٍ وَوِرَشِ عملٍ وزياراتٍ مدرسيةٍ في جميعِ أنحاءِ العالمِ وذلك للترويجِ لفوائدِ  (التأنِّي في الأكلِ ومقاطعةِ الفاست فوود)، ولأنَّ التعليمَ هو مفتاحُ الحل، فإن هذه الحركةَ افتتحَت في سنة ٢٠٠١ جامعتَها الخاصةَ (لعلومِ الطهوِ والمأكلِ الطبيعيِ غيرِ المستورد) في إيطاليا، واستطاعت الحركةُ إقناعَ الحكومةِ الإيطاليةِ بإدخالِ (دراسات الغذاء المحلي) في المناهجِ المدرسية، كما قام "كارلو بتريني" بنفسِه مساعدةَ الحكومةِ الألمانيةِ في وضعِ أساسٍ لبرنامجٍ وطنيٍّ باسم (تعليم التذوّقِ للطعامِ والشرابِ الوطني). وفي الجانبِ الاقتصاديِّ تسعى هذه الحركةُ إلى تحديدِ الأطعمةِ المحليةِ المهدَّدَةِ الآيلةِ إلى الانقراض، ومساعدتها في الحصولِ على موطئِ قدمٍ في الأسواقِ العالمية. تُعارِضُ هذه الحركةُ في إطار عقيدتهِا البيئيةِ التعديلَ الوراثيَّ للموادِ الغذائية، وتروِّجُ للزراعةِ العضوية، وهي تؤمنُ (بالعولمة الفاضلة)، فهي تعملُ على اتفاقياتٍ تجاريةٍ تسمحُ للطهاةِ الأوروبيين باستيرادِ مأكولاتٍ من مزرعةٍ عائليةٍ في تشيلي، أو بتكنولوجيا معلوماتٍ تسمحُ للترويجِ لمتخصِّصِ في سمَك السلَمُون المُدخَّنِ يُقيمُ في المرتفعاتِ الاسكندنافيةِ أن يعثرَ على عملاءٍ في اليابان.

لكن لا شيءَ أدلَّ على انتشارِ هذه الحركةِ من انبعاثِ أسواقِ المزارعينَ التقليديين، ففي مختلَف بلداتِ ومدنِ العالَم الصناعي- وغالباً على بُعد بضعةِ أمتارٍ من متاجرِ التسوّق الكبيرة- عاد المزارعونَ إلى بَيع الفواكهِ والخضرواتِ والجبن واللحومِ الطازَجةِ المحليةِ مباشَرة للجمهور، وصار المستهلكونَ يأتونَ لشراءِ منتجاتِهم (هذه الظاهرةُ أصبحَت منتشرةً تقريباً في جميعِ أنحاءِ العالم، بما في ذلك البحرين  وبقيةِ دولِ الخليج العربي. وعلى فكرة لِهواةِ شربِ الكوفي، يقولُ لي أصدقائي المدمنين على الكوفي بأنه يوجد كوفي شوب محلِّي لديه فرعٌ في سوق المزارعين على شارع البديع، قهوتُه ألذُّ بكثير من قهوة ستاربَكس وكوستا). والسببُ أن هذه المحاصيل ذاتِ طعمٍ أفضلَ عادةً لأنها نضجَت طبيعياً، وجاءت من مسافاتٍ قصيرة، عكس الموجودةِ في متاجرِ التسوقِ الكبيرةِ أو السوبرماركت. وهذا ما شجع نحوَ ٢٠ ألف مزارعٍ في الولايات المتحدة الانسحابَ تماماً من سلسلةِ الأغذيةِ الصناعية.

ومع انتشارِ هذه الحركةِ زادت المساحاتُ الخضراء، ودَعْم المزارعين المحليين والمحلاتِ التجارية العائليةِ الصغيرة، والأسواق والمطاعم التي تبيع منتجاتِهم المحلية، وترويج التكنولوجيا التي تحمي البيئة. مدينة (برا) الإيطالية نموذجاً للمدينةِ الحاميةِ للبيئة والصناعاتِ الوطنية. فقد منحَت بلديةُ المدينةِ أفضلَ البناياتِ للأعمالِ العائليةِ الصغيرةِ التي تُدارُ عائلياً، ومن بينِها محلاتِ بيعِ أقمشةِ منسوجةٍ يدوياً، ومحلات متخصصة بأصنافِ اللحومِ المحلية. وصارت مقاصفُ المستشفياتِ والمدارسِ تقدم أطباقاً تقليديةً مصنوعةً من الفواكهِ والخضرواتِ العضويةِ المحلية، بدلاً من الوجباتِ المصنعَّةِ والمنتجاتِ المستوردة من بعيد. حتى الشباب استجابُوا في أماكنِ لَهوِهم وأخذوا يتعلمونِ متعةَ ارتشافِ مشروباتهِم المحلية في مكانٍ هادئٍ فيه موسيقى ناعمة، بدلاً من شرب الكوكا كولا  في نادٍ صاخبٍ من موسيقى البوب الأمريكية. أصبحت هذه المدينة- وغيرُها من البلداتِ الشبيهة- تستقطبُ آلافِ السياحِ كلَّ شهر سبتمبر بسبب ِكلِّ ذلك، حيث تقام مهرجاناتُ الطعامِ المحلية، وتمتلئ المدينةُ بأكشاكٍ يديرُها صانعو جبن متخصصونَ من مختلَف أرجاءِ أوروبا، ولذلك انخفضَت البطالةُ في هذه البلدات. بل إن حركةَ هذه المدنِ أدت حتى بِقلب الطاولةِ السكانيةِ الديمغرافية، ففي إيطاليا، كما في بقية البلدات، لطالما فرّ الشبابُ من الأريافِ والبلداتِ الصغيرةِ صوبَ الأضواءِ الساطعة في المدن الكبرى، أما الآن ومع خُفوت سِحر السرعات العاليةِ والضغوطاتِ الكبيرةِ التي أصبحَت سِمَةُ الحياةِ الحضرية، صار العديدُ منهم يعودونَ إلى ديارهم بحثاً عن إيقاع حياة أكثرَ هدوءًا. فقد زادت أعدادُ هذه المدنِ إلى ٢٨ بلدةً إيطاليةً عام ٢٠٠٣، وتسعى ٢٦ بلدةً أخرى للحصولِ على التصديق، وكذا الحالُ في أستراليا واليابان، وانضمت بلدتان من النرويج وبلدٌة في انجلترا وبلدتان في ألمانيا إلى عضوية المدن الداعمة للمنتجاتِ الوطنية.  ألا يمكن أن نحققَ جزءًا من هذا النجاح من خلال حركة المقاطعة ضد التطبيع مع العدو الصهيوني.

لماذا لا نفكر وننتقل إلى مستوياتٍ أخرى من جهودِنا في تشجيع المقاطعة. لماذا لا نُشكلُ فِرقًا شبابيةً مُطعَّمَةً بالمتخصصينَ في الترويجِ والتسويق، كلُّ فريقٍ يتخصصُ في قطاعٍ واحدٍ من قطاعاتِ الاقتصاد؛ قطاعُ المأكولاتِ والمشروبات. قطاعُ الملابسِ والأحذية. قطاعُ السوبرماركت. قطاعُ العطورِ والمَكياج. قطاعُ الهواتفِ والكمبيوتر. قطاعُ السياحة والسفريات. إلخ إلخ إلخ. ويقوم كلُّ فريقٍ بِعقدِ اجتماعاتٍ مع هذه المؤسساتِ الموجودةِ في أسواقِنا، بهدفِ إقناعِهم بالتالي:

اعلِنوا دعمَكم لمقاطعة كلِّ المنتوجاتِ التي تنتجها الشركاتُ الداعمةُ للعدوِ الصهيوني، والتوجُّهِ للسلعِ البديلة. ومقابل ذلك نحن كحركةِ مقاطعةِ التطبيع المكونة من ائتلافِ عددٍ من جمعياتِ مقاطعةِ التطبيع ومناصرةِ فلسطين ومؤسسات المجتمعِ المدنيِ البحرينية، ولاحقاً الشبكات الخليجية والعربية للجمعيات المقاطعة، وتالياً مع الحركةِ العالميةِ لمقاطعةِ التطبيع BDS. سنقومُ عبرَ إعلامِنا ومواقِعِنا الإلكترونية وتغريداتِ أعضائِنا ومجلاتِنا ونشراتِنا في الدعايةِ والترويجِ لمنتجاتِكم ومحلاتِكم البديلة عن تلك المؤسساتِ التي تتعاملُ مع العدوِ الصهيوني مباشرةً أو عبرَ شركاتٍ تدعمُ هذا العدو.

ولاحقاً وفي حال نجاحِ هذه الإستراتيجية، نطلب نسبةً من أرباحِ هذه القطاعاتِ لدعمِ شعبِنا الفلسطيني من جهة، ودعمِ جمعياتِ مقاومةِ التطبيعِ مع العدوِ الصهيوني من جهةٍ أخرى.

هل هذا حُلمٌ؟.. نعم. كل النجاحات العظيمة بدأت بحلم.

قاوِم .. حاوِل .. ناضِل حتى لو وصلتَ ممزَّقاً، لذةُ الوصولِ ستُرَمِّمَك.

سنظلُّ نحفرُ في الجدار، سنظلُّ نحفرُ في الجدار، إما فتحنا ثغرةً للنورِ أو مُتنا على وجهِ الجدار.