Menu

اليسار الفرنسي يتصدر، بركاتك يا غزة

حمدي فراج

حمدي فراج

خاص - بوابة الهدف

 

     "بركات غزة" جملة أطلقها أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله منذ بواكير العدوان الإبادي عليها قبل تسعة أشهر، الغالبية العظمى من مفاصل هذه الأمة، رأت في الجملة، مجرد "كلام فاضي"، أو "كلام إنشاء". البعض القليل رأى فيها جملة صحيحة متقدمة، تحليلية علمية إلى حد عميق، لا يطلقها إلا إنسان خبير ومتبحر، ربما يكون سماحته قد أخطأ قليلاً عندما ذهب الى التفصيل، عندما قال أن لبنان سيكون من أول الحاصلين على هذه البركات الغزية، في حين أن "البركات" ذهبت إلى البعيد، خارج الإقليم، لكنها بدون شك، ستعود من البعيد لتثمر في القريب.

    بعد تسعة أشهر، وهو وقت قصير نسبياً من الناحية الموضوعية للدول والشعوب بالكاد يكتمل فيه نمو الجنين في رحم أمه، طويل جداً جداً على شعب غزة، وأطول بكثير على مقاومتها الصلدة البطلة العنيدة، تبدأ البركات على بريطانيا في فوز تاريخي لحزب العمال المنافس لحزب المحافظين منذ 190 سنة، صحيح أنه الوجه الآخر لبريطانيا الاستعمارية، ولكن الإطاحة بالمحافظين الذين استفردوا بالحكم 14 سنة، يعد إحدى بركات غزة.

 الحال في فرنسا أكثر وضوحاً وبركة، إذ تصدر اليسار الفرنسي نتائج الانتخابات التشريعية، وأصبح الأقرب لرئاسة الوزراء و تشكيل الحكومة، ومن غير المستبعد أبداً أن تعترف فرنسا في غضون أسابيع بالدولة الفلسطينية المستقلة.

   في بركة أخرى، لا يستطيع الإحساس بلذة طعمها أكثر من الشعب الفلسطيني في غزة، تلك المتعلقة بالهرم الخرف جو بايدن، الذي في غضون أيام قليلة سينسحب من الانتخابات، أو في غضون أشهر معدودات سينهزم. و في كلا الحالين سيمنى بالخسارة والخذلان من رفاق حزبه أو من الحزب الآخر، وتكون غزة هي من أرسلته إلى غياهب عذاباتها ومقابرها الجماعية، غير آبهة بالبديل.

 أما إذا ما قام الرئيس السوري بتلبية دعوة الرئيس التركي بزيارة أنقرة بحضور الرئيس الروسي ورئيس الوزراء العراقي، وأثمرت هذه الزيارة / هذا الاجتماع – القمة، عن توافق بانسحاب قوات الاحتلال التركي من الأراضي السورية ومعهم ذيولهم من عصابات الإرهاب التكفيري، تكون الطريق نحو علاقات أخوية جديرة بالجيرة والاحترام والعلاقات البناءة قد فتحت على مصاريعها. وبهذا تكون بركات غزة قد وصلت إلى تحقيق أهداف تاريخية شبه شمولية، لها علاقة مباشرة بالقومية العربية الحقيقية ودين الإسلام الحنيف القائم على العدل والحرية والإخاء والجهاد في سبيل الله ونصرة المظلومين.

 ستكون المصالحة السورية العروبية، مع تركيا الإسلامية، مفتاح نحو إنعاش هذا الطريق الذي ظل خاوياً مقفراً عقوداً عديدة، حتى لكاد العربي يعتقد أنه ليس مسلماً، والمسلم ليس عربياً. وفي هذا بحد ذاته جزء من صحوة أن جوهر هذا الصراع إنما هو افتعال عدو خبيث، شبيه بالصراع السني الشيعي، وقبله المسلم والمسيحي، وعلى متن هذه الصراعات المفتعلة، نما هذا العدو وترعرع حتى أصبح بإمكانه الهيمنة والتغلب على مقدرات الأمتين. هذا الطريق لا بد في غضون الأشهر التسعة التالية أن يقود إلى نظام عربي أقرب إلى نبض شعبه وأمته، وأكثر تحملاً لمسؤولياته القومية وفي المقدمة منها تحرير فلسطين. بركاتك يا غزة.