Menu

مجدل شمس: حساب مفتوح في مواجهة الاحتلال

د. عمر الديب

 مجلة النداء اللبنانية

 فتح الحادث الأخير الذي أودى بحياة أكثر من 12 مواطناً سورياً من أهالي مجدل شمس في الجولان المحتل نقاشاً متجدداّ حول الهوية الوطنية لأهالي المنطقة، وسط سعي حثيث دأب عليه كيان الاحتلال لتقسيم السكان العرب في المناطق التي يحتلها على أساس مذهبي ووسط سرديات كاذبة، للتفرقة وإثارة الفتنة فيما بينهم.

وفي حين يسعى الاحتلال منذ عقود إلى استمالة عدد من الأقليّات إلى مشروعه العنصري، مثل الدروز في فلسطين والجولان والمسيحيون والبدو في فلسطين المحتلّة، أتى ردّ أهالي الجولان واضحاً إثر هذه الفاجعة. إذ أجمعت الفعاليات المحلية على تحميل الكيان مسؤولية الحادث، وأكّد الأهالي أنّهم سوريون وعرب وأنّهم يرفضون الاحتلال وضمّهم إلى الكيان الإسرائيلي. وتوّج أهل المنطقة تحرّكهم بطرد عدد من وزراء الاحتلال من مجدل شمس إثر زيارتها مثل وزير المالية سموتريتش، ومن ثمّ أبلغوا رئيس الحكومة نتنياهو أنّه غير مرحب به، واصفين إياه بالمجرم والفاشي في تظاهرات شعبية في البلدة.

لقد رفض أهالي الجولان منذ احتلاله عام 1967 ضمّهم إلى الكيان الاسرائيلي، وأصرّوا على انتمائهم إلى سوريا ورفعوا أعلامها مراراً وتكراراً، ونظموا التظاهرات التي التقت فيها مسيرات راجلة أتت من جانبي خط الفصل بين الأراضي المحتلة وتلك المحرّرة على الجانب السوري. وعلى الرغم من قرار الكنيست ضم الجولان بشكل كامل إلى الكيان عام 1981، استمرّ أهالي المنطقة بالمقاومة المدنية والسلمية رافضين الانخراط في هيئات ومؤسسات العدو ومنها جيشه. وأنشأ المناضلون في المنطقة أطر وهيئات لتوعية المواطنين على خطورة الاندماج في مؤسسات الاحتلال وأهميّة تمسّكهم بهويتهم السورية، وتفاعلوا مع أطر مماثلة تعمل بين إخوتهم في الداخل الفلسطيني المحتلّ، والذي انخرط عدد أكبر من سكانه من الدروز والبدو، وبشكل مؤسف، في مؤسسات الاحتلال.

الوقائع كلّها تشير إلى مسؤولية الاحتلال عن هذه المجزرة إثر سقوط صواريخ القبة الحديدية على ملعب البلدة. وتداولت وسائل التواصل الاجتماعي فيديوهات عديدة تظهر صواريخ القبّة متجهة نزولاً. وكذلك، من الجليّ أنّ لا نيّة ولا مصلحة للمقاومة في لبنان أن تستهدف أي هدف عربي داخل الكيان أو الجولان، حيث كان حرصها على ذلك واضحاً منذ اليوم الأول لاندلاع المواجهة. لكنّ العدو سارع لرفع المسؤولية عن نفسه عبر اتهام حزب الله باستهداف الملعب. ويخدم هذا الاتهام المحاولات التي يبذلها منذ فترة طويلة لتعزيز الفتنة والصدام بين المكونات المذهبية في المنطقة، من سنّة وشيعة ودروز ومسيحيين، بما يبرّر له منطق قيام الدولة اليهودية ويعطيها اليد العليا في موازين القوى.

إنّ الموقف الوطني المطلوب اليوم هو رفض هذه الفتنة بين أهالي منطقتنا على اختلاف انتماءاتهم المذهبية والعقائدية والسياسية، في لبنان وسوريا وفلسطين وكل المنطقة العربية، والوقوف صفاً واحداً لمواجهة حرب الإبادة الجماعية التي يشنّها العدو على الشعب الفلسطيني والاعتداءات الإجرامية التي يقوم بها ويتهيّأ لتصعيدها ضد دول المنطقة وعلى رأسها لبنان، وسط غياب فاضح للنظام الرسمي العربي الذي يتواطأ مطبّعوه مع الاحتلال، ويصمت الجزء الآخر منهم صمت القبور رغم فظاعة العدوان بما فيه على شعبهم وأرضهم. إنّ الوحدة الوطنية الفلسطينية والعربيّة، وبشكل خاص بين الشعوب، هي إحدى أدوات المقاومة اليوم، وعلى الجميع العمل على صونها وتعزيزها.

لقد جسّدت الشعوب في هذه المواجهة وحدتها الحقيقيّة عبر تضامنها وصمودها ضد العدوان، في غزّة والضفة و القدس وفي الأراضي المحتلة عام 48، وجنوب لبنان واليمن، وفي كلّ منطقتنا والعالم، وفي مقدّمتهم أهلنا الوطنيون والصامدون في الجولان العربي السوري المحتلّ.