Menu

تقرير"احتواء التصعيد أم تكرار التاريخ: الشرق الأوسط على حافة الهاوية"

بيسان عدوان

رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي وقتذاك جو بايدن ووزير الخارجية الأسبق هنري كيسنجر في مقر الكونغرس الأمريكي عام 2007

فلسطين

في سياق مشابه لجهود إدارة بايدن الحالية، لعب هنري كيسنجر دوراً محورياً في احتواء التصعيد خلال حرب أكتوبر 1973، حيث نجح عبر دبلوماسيته النشطة في تحقيق وقف إطلاق النار بين إسرائيل والدول العربية، مستغلاً توازن القوى الدولي لتحقيق استقرار نسبي في المنطقة. فهل تنجح واشنطن في ذلك هذه المرة، وهل يؤدي ذلك إلى تنازلات شبيهة لكامب ديفيد جديد في المنطقة؟

تحاول الإدارة الأميركية جاهدة منع اندلاع حرب واسعة في الشرق الأوسط، في ظل تصاعد التوترات بعد اغتيال إسماعيل هنية في طهران والقائد العسكري لحزب الله فؤاد شكر في ضاحية بيروت الجنوبية. وفي خضم هذا الوضع المتأزم، تسعى واشنطن إلى التقليل من وتيرة التصعيد واحتواء الرد المتوقع من قبل المقاومة وإيران تجاه إسرائيل، محاوِلة بذلك حماية اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة الذي طال انتظاره.

الجهود الأميركية تأتي في ظل خلاف "محدود" مع تل أبيب، حيث تؤكد إدارة بايدن التزامها الدائم بأمن إسرائيل، الأمر الذي يبرز حدود النفوذ الأميركي على أقرب حليف لها في المنطقة. هذا النفوذ المتقلص يظهر بشكل واضح في التناقض بين أهداف واشنطن في تهدئة الأوضاع وأفعال إسرائيل التي قد تدفع المنطقة نحو مزيد من العنف.

من ناحية، تتعامل الولايات المتحدة مع التوترات الإقليمية من خلال قنوات دبلوماسية مكثفة، في محاولة لمنع التصعيد من التحول إلى صراع شامل. هذه التحركات تشمل محادثات مع حلفاء واشنطن في المنطقة، والتواصل المباشر مع القادة الإسرائيليين والفلسطينيين. الهدف الأساسي هنا هو الحفاظ على الهدوء النسبي وضمان عدم انجرار الأطراف المعنية إلى صراع مفتوح يعقد الأوضاع بشكل أكبر.

ورغم هذه الجهود، فإن الواقع على الأرض يعكس تعقيدات أكبر. إيران، التي تشهد ضغوطاً داخلية وخارجية متزايدة، قد ترى في التصعيد فرصة لتحسين موقعها الإقليمي وتعزيز صورتها كقوة مقاومة للهيمنة الإسرائيلية. من جهة أخرى، حزب الله يواجه معضلة موازنة بين الرد على اغتيال أحد قادته وبين تجنب فتح جبهة جديدة مع إسرائيل في وقت تشهد فيه لبنان أزمات متعددة.

تأتي جهود واشنطن في ظل توقيت حساس للغاية، حيث تشير "الواشنطن بوست" إلى أن إدارة بايدن تتسابق لتجنب انفجار العنف الذي قد يعرقل اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة. هذا الاتفاق يمثل بصيص أمل لسكان القطاع المحاصر الذين عانوا من ويلات الحروب المتكررة. ومع ذلك، فإن تحقيق هذا الهدف يعتمد بشكل كبير على قدرة الولايات المتحدة على ضبط إيقاع التصعيد في المنطقة.

التناقض بين الهدف الأميركي في الحفاظ على الأمن والاستقرار وبين السياسة الإسرائيلية التي تعتمد على ضربات استباقية وردود فعل عسكرية قوية يعقد المشهد أكثر. إسرائيل، التي تعتبر أي تهديد لأمنها قضية وجودية، لا تتردد في اتخاذ خطوات تصعيدية إذا رأت ذلك ضرورياً. هذا الموقف يجعل من الصعب على واشنطن ممارسة نفوذها بشكل فعال، ويزيد من احتمالات اندلاع صراع شامل إذا لم تتمكن من ضبط النفس لدى جميع الأطراف.

التحدي الأكبر الذي تواجهه الولايات المتحدة يكمن في قدرتها على ممارسة الضغط الدبلوماسي على إسرائيل دون أن تتهم بالتخلي عن حليفها الأساسي في المنطقة. هذا التوازن الصعب يتطلب تحركات حذرة ومدروسة، مع الأخذ في الاعتبار المعادلات السياسية والأمنية المعقدة التي تحكم الشرق الأوسط.

في النهاية، ورغم الجهود المكثفة التي تبذلها واشنطن لاحتواء التصعيد، يبقى السؤال حول مدى قدرتها على تحقيق ذلك في ظل عوامل متشابكة ومعقدة. التحركات الدبلوماسية قد تنجح في تهدئة الأوضاع مؤقتاً، ولكنها لن تكون كافية لإزالة جذور الصراع التي تغذي التوترات بشكل مستمر. لذلك، فإن أي نجاح في منع اندلاع حرب واسعة يتطلب استراتيجية شاملة تتجاوز الحلول المؤقتة نحو معالجة القضايا الأساسية التي تقف وراء هذا الصراع المزمن.

في ضوء كل ما سبق، يتضح أن إدارة بايدن تواجه تحدياً حقيقياً في إدارة الأزمة الحالية في الشرق الأوسط. الجهود المبذولة لاحتواء التصعيد تتطلب توازناً دقيقاً بين الضغوط الدبلوماسية والحفاظ على التحالفات الإقليمية، وفي نفس الوقت، التعامل مع واقع معقد تفرضه السياسات الإسرائيلية وردود الفعل المحتملة من قبل إيران والمقاومة. تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة يتطلب أكثر من مجرد احتواء مؤقت للأزمات، بل يستوجب معالجة جذرية للقضايا التي تدفع باتجاه التصعيد الدائم.