Menu

هي الحرب قائمة وقادمة

عمر مراد

 بغض النظر عن جرائم العدوان الصهيوني وحرب الإبادة الجماعية، والتطهير العرقي المستمرة بحق أبناء الشعب الفلسطيني، وخاصة في قطاع غزة. وبغض النظر عن عمليات الاغتيال لقادة المقاومة وربما ليس آخرها اغتيال القائد الكبير الأخ إسماعيل هنية أبو العبد في طهران، أو تلك الاغتيالات لقادة عسكريين كبار أو قادة ميدانيين في لبنان خاصة من حزب الله.
 وبغض النظر عن طبيعة الرد سواء كان إيرانياً أو لبنانياً أو فلسطينياً، منفرداً أو جماعياً، وقد يشترك فيه المقاومون في اليمن والعراق أيضاً.
 وبغض النظر إذا كان الرد مدروساً وضمن قواعد الاشتباك، أو متجاوزاً ذلك إلى أبعد من الخطوط الحمراء، إلا أن الحرب ورغم أنها قائمة بطبيعة الحال، إلا أنها قادمة لا محال، على نحو أوسع وأشمل. وهي قادمة ليس ارتباطاً بنوع الرد وحجمه ومدى إيلامه للعدو، وليس مرتبطاً ذلك بحجم الرد الإسرائيلي عن الرد المتوقع لإيران وحزب الله وقوى المقاومة الأخرى، إنما ارتباطًا بوصول الصراع في فلسطين ومنطقتنا إلى الذروة.
 وإذا كانت الحروب أنواعاً كالحروب الاستعمارية، والحروب الداخلية والأهلية، والحروب العادلة؛ حروب التحرير أو حروب الاستقلال... فإن الحرب التي شنها الكيان الصهيوني في فلسطين والمنطقة هي حرب استعمارية من الدرجة الأولى، لأنها حرب اغتصاب فلسطين واستكمال احتلال أراضيها، ونفي كامل لشعبها الأصلي ونفي لوجوده ونفي لحقائق التاريخ والجغرافيا، وبنفس الوقت هي حرب بوظيفة استعمارية يقوم بها الكيان الصهيوني بالوكالة عن الغرب الإمبريالي بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية لضمان السيطرة والهيمنة على المنطقة ومقدراتها، ولما تحتله من مواقع استراتيجية، للسيطرة على العالم والتحكم بمستقبله، عدا عن المكانة الاستراتيجية للمنطقة في الصراعات  الإقليمية والدولية.
 أما الشعب الفلسطيني فحربه عادلة وشريفة وواجبه، فهي حرب تحرير واستعادة الأرض والوطن والمقدسات، وعودة اللاجئين الفلسطينيين الذي تجاوز تعدادهم خارج فلسطين السبعة مليون، مع العلم أن تعدادهم الإجمالي في الداخل والخارج تجاوز الاحدى عشر مليوناً، فالحرب عادلة مئة بالمئة بغض النظر عن شكلها وحجمها وطبيعتها، والنضال ضد مشاريع الهيمنة الاستعمارية بأشكال الكفاح المختلفة، هو حق عادل ومشروع لكل الشعوب العربية وشعوب المنطقة لأنه يتعلق بحريتهم واستقلالهم الحقيقي وسيادتهم ومستقبلهم المنشود، "مستقبل الحرية والعدالة والكرامة والعزة الوطنية والقومية".
 إن ما يقوم به الكيان الصهيوني من عدوان مستمر على قطاع غزة والضفة و القدس ، وكذلك المحاولات الدائمة لاستدراج أمريكا لحرب شاملة واسعة تستهدف إيران بشكل رئيسي وحزب الله في لبنان، ما هو إلا ضمن رؤية تتبناها الحكومة الصهيونية القائمة برئاسة نتنياهو مفادها إنهاء الصراع نهائيا بدلا من إدارته، وهذه مستندة إلى خطة "الحسم"، أو كما يسميها سموت ريتش "الأمل الوحيد"، وفكرة إنهاء الصراع مفادها السيطرة على كل الأرض الفلسطينية، وتهجير أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين واجتثاث المقاومة وحلفائها في فلسطين والمنطقة والإقليم، وهذه مصلحة "قومية" إسرائيلية صهيونية، وهي بنفس الوقت مصلحة أمريكية وإمبريالية، أي أن هذه الفكرة ببعدها الاستراتيجي تعبر عن مصلحة استراتيجية مشتركة وتضمن بقاء ووجود الكيان الصهيوني بما يمثله من "دولة قومية" لكل يهود الدنيا، وبوظيفته الاستعمارية التي تساعد بل تضمن إخضاع المنطقة والسيطرة على كل مقدراتها وثرواتها وممراتها الاستراتيجية، وهذا كله يشكل الحماية الاستراتيجية للكيان الصهيوني، ويضمن لأمريكا السيطرة والتحكم في السياسة الدولية وباقتصاديات ومستقبل العالم في جميع القارات على الأرض، وهذا ما يجده المرء أصلا في شروطهم للسلام، سواء كان في المنطقة أو في أي مكان آخر، والمتفحص لشروط السلام في كامب ديفيد وفي أوسلو ووادي عربة، وحتى في اتفاقات التطبيع المُعلنة وغير المُعلنة وليس آخرها اتفاقات "إبراهام" سيجد بأن المصالح الإمبريالية والصهيونية وضمان أمنها وحمايتها هي الأساس.
إذاً لا يترك العدو الصهيوأمريكي أو الصهيوامبريالي أي فرصة للتعايش مع مشروعاته ومخططاته العدوانية لا عبر الهدن المتتالية، ولا عبر التسويات المتنوعة، وحتى من يعتقد أن هناك حلولاً متوسطة فهو واهم، فالعدو يدرك مصالحه جيداً، لا يفرط بأي منها، فما على الشعب الفلسطيني إلا أن يكون في مقدمة صفوف المواجهة والقتال لاستعادة أرضه وتحرير وطنه من الغزاة الصهاينة، وتفكيك كيانهم العنصري الفاشي، وهذا لا يمكن تجزئته عن شمولية المعركة والمواجهة.
 مهمة الشعوب العربية وشعوب المنطقة التي تتطلع إلى الاستقلال الناجز، والسيادة الكاملة، والحرية والمستقبل المشرق، "مستقبل العدالة والكرامة"، التصدي والمواجهة، وبناء القدرات لمواجهة المشروع الإمبريالي الصهيوني بكل قواعده ومصالحة وغاياته، لا خيار إلا بطرد الغزاة وقواعدهم من أوطاننا وبحارنا وأجوائنا.
 الحرب تفرض نفسها، فحرب الشعوب عادلة رغم كل بلاويها ومآسيها، لأنها ضد الاستعمار والاستعباد وقبل كل شيء ضد الاحتلال، سواء كان مباشراً أو غير مباشر، لا خيار أمام الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة وخاصة الشعوب العربية إلا الاستعداد لحرب طويلة الأمد، وإن كانت بأشكال مختلفة وفق متطلبات كل مرحلة والتكتيك المناسب. 
 أما الاستراتيجية فهي حرب وجود، إما الانتصار لمستقبل الشعوب وخياراتها وحريتها، وإما الخضوع والاستسلام، وبالتالي الذل والهوان.
 الانتصار لقضايا الشعوب حق وواجب، وكذلك مواجهة كل أشكال الاحتلال والطغيان.. يبقى أن تحسم الشعوب خياراتها وأولهم الشعب الفلسطيني الذي لم يخسر سوى القيد والخيمة، فالحرب مفروضة عليه عاجلاً أم آجلاً، فلا خيار أمامه إلا الوحدة  الاستعداد لها، ولن يكون وحيداً، معه كل شعوب المنطقة بطلائعها وقواها المقاومة، خاصة وأن عوامل تفكك العدو الذاتية متوفرة أكثر من أي وقت مضى، وما يحميه اليوم هو الدعم الأمريكي والإمبريالي المطلق مستغلين نقاط الضعف التي تعاني منها الدول والشعوب العربية وجوارها، ويشهد العالم اليوم معاني ودروس طوفان الأقصى وما يقوم به الشعب الفلسطيني، وخاصة في قطاع غزة من مقاومة وثبات وصمود وقتال مستمر لأكثر من عشرة أشهر، رغم كل الآلام.. أليس في ذلك عبرة ومثل، ألا يعزز ذلك الإرادة والقناعة بالقدرة على الانتصار وهزيمة وتفكيك الكيان وطرد قوى الاستعمار من أوطاننا وعالمنا؟!!.