Menu

أزمة السيولة النقدية في سياق الإبادة الجماعية في غزة

عمارة بنك فلسطين - فرع الرمال

بوابة الهدف الإخبارية - قطاع غزة

منذ بدء العدوان الصهيوني على قطاع غزة في 8 أكتوبر 2023، قامت قوات الاحتلال بتطبيق سياسات وإجراءات تستهدف تدمير مقومات الحياة للسكان. ضمن هذه الإجراءات، برزت أزمة السيولة النقدية كواحدة من أدوات الإبادة الجماعية الممنهجة التي تعمق معاناة سكان القطاع وتحرمهم من حقوقهم الأساسية.

ويؤكد مركز الميزان في ورقة صادرة عنه وصلت بوابة الهدف الاخبارية نسخة عنها، أنّ هذه الأزمة تحولت لأحد الأدوات التي استخدمها الاحتلال تقويض قدرة عمل المصارف (البنوك) على تقديم خدماتها المالية للجمهور كواحدة من أدوات الإبادة الجماعية، بحيث تمنع سلطات الاحتلال وصول السيولة النقدية الضرورية لعمل المصارف بالعملات المختلفة ولاسيما الشيقل "الإسرائيلي" الذي يشكل عملة التداول الرئيسية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وبذلك تخلق سلطات الاحتلال أزمة في توفر السيولة المالية غير مسبوقة في قطاع غزة.

استهداف المنظومة المصرفية: وكان قد أعلن وزير المالية المتطرف، بتسلئيل سموتريتش، في تغريدة له على منصة X، أنه لن يقوم بتحويل أموال المقاصة للسلطة الفلسطينية حتى إشعار آخر، مشيرًا أيضًا إلى عدم تمديد التصاريح للبنوك التي تتعامل مع بنوك السلطة الفلسطينية. في ظل هذا القرار، أعلنت سلطة النقد الفلسطينية أن قطاع غزة يضم 10 بنوك و56 فرعًا ومكتبًا و84 صرافًا آليًا، لكنها أكدت أن جميع الفروع والمكاتب في محافظتي غزة وشمال غزة توقفت عن العمل منذ بداية العدوان "الإسرائيلي"، بينما توقفت لاحقًا كافة فروع البنوك في جنوب القطاع بعد اجتياح مدينتي خانيونس ورفح. حاليًا، لم يبقَ سوى فرعين يعملان في المنطقة الوسطى. من جهته، أشار محافظ سلطة النقد، الدكتور فراس ملحم، إلى أن تدمير معظم فروع المصارف بشكل كامل أو جزئي زاد من تعقيد الأوضاع وأدى إلى خروجها من الخدمة.

نقص السيولة النقدية: بحسب سلطة النقد الفلسطينية، يعاني قطاع غزة من أزمة حادة في السيولة النقدية، حيث تعذر على المواطنين سحب أموالهم بسبب خروج معظم أجهزة الصراف الآلي عن الخدمة وتوقف البنوك. المواطن فادي الشيخ يوسف يعبر عن معاناته في الحصول على راتبه رغم المحاولات المتكررة للسحب من الصراف الآلي الوحيد الذي كان يعمل في رفح بداية الحرب.

وفي سياق محاولات سلطة النقد توفير بدائل عن التعامل بالعملة النقدية، أعلنت في بيان صادر عنها بتاريخ 08/05/2024 إطلاق نظام المدفوعات والحوالات الفوري بين البنوك وشركات خدمات الدفع الفوري وتنفيذ المعاملات المالية بوسائل الكترونية، باستخدام التطبيقات البنكية والمحافظ الإلكترونية والبطاقات البنكية.

أمل أبو سعدة موظفة في القطاع الخاص من شمال غزة تقول: الدفع بالوسائل الإلكترونية أمر في غاية الصعوبة، الحرب خلقت سوق بسطات ونادراً ما نجد محلات أو من يقبل أن يتعامل بالوسائل الإلكترونية، لا سيما مع انقطاع الكهرباء منذ بداية الحرب، وكل ما كنت أملكه من سيولة نقدية نفد، خاصة في ظل ارتفاع الأسعار بشكل جنوني طوال فترة الحرب، أصبحت الآن عاجزة عن تلبية أبسط احتياجاتنا الأساسية لانعدام السيولة النقدية رغم وجود الأموال في حسابي البنكي.

اهتراء العملة: مع استمرار العدوان وعدم دخول أي نقود جديدة إلى القطاع، تدهورت حالة العملة المتداولة، حيث أصبحت الأوراق النقدية القديمة والمتدهورة هي السائدة. المواطنة وفاء نعمة الله توضح كيف يعاني السكان من رفض الباعة لقبول العملة المهترئة، ما يزيد من صعوبة تأمين الاحتياجات الأساسية.

العمولة المرتفعة وسوق السوداء: أمام هذه الأزمة، لجأ المواطنون إلى وسائل بديلة للحصول على النقد، مثل استلام رواتبهم من مكاتب الصرافة مقابل عمولة تصل أحياناً إلى 20%. المواطن محمد المدهون يروي كيف تعرض لاستغلال في سعر صرف الدولار مقابل الشيكل، حيث خسر جزءاً كبيراً من قيمته بسبب نقص السيولة. ورغم تحذيرات سلطة النقد من استغلال المواطنين، إلا أن تحكم تجار العملة في السوق زاد من تعقيد الأزمة.

وأكد مركز الميزان أن قوات الاحتلال تتعمد تدمير المنظومة البنكية في قطاع غزة، وذلك في إطار سياسة ممنهجة تهدف إلى تدمير البنية الاقتصادية كجزء من العقاب الجماعي ضمن حملة الإبادة الجماعية المستمرة. وأشار المركز إلى أن الحصار والتدمير الممنهج للبنية الاقتصادية، بما في ذلك منع وصول السيولة النقدية وحرمان السكان من الوصول إلى رواتبهم وأجورهم، يؤدي إلى تقويض قدرتهم على توفير الأساسيات الضرورية للحياة.

وأضاف المركز أن هذه الإجراءات تحرم السكان من حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية، والتي تُعد حقوقًا أساسية لكل إنسان، مشددًا على أن كفالة حق الإنسان في الحياة بكرامة وضمان تحرره من الفقر والجوع لا يمكن أن تتحقق دون حماية هذه الحقوق. واعتبر المركز أن استمرار سلوك قوات الاحتلال يشكل انتهاكًا جسيمًا للمعاهدات والاتفاقيات الدولية، بما في ذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والقانون الدولي الإنساني. وشدد المركز على أن مهاجمة الأعيان المدنية، بما في ذلك البنية التحتية للاقتصاد، يتعارض مع الالتزامات القانونية لدولة الاحتلال، ويشكل تهديدًا مباشرًا لحق الإنسان في العيش الكريم وضمان الوصول إلى موارده المالية.

خاتمة: تفاقمت أزمة السيولة النقدية في غزة كجزء من سياسة الإبادة الجماعية التي تمارسها قوات الاحتلال. تستمر سلطات الاحتلال في منع دخول الأموال وتدمير البنية المصرفية، مما يفاقم الوضع الاقتصادي والإنساني. في ظل هذه الظروف، يطالب مركز الميزان لحقوق الإنسان المجتمع الدولي باتخاذ إجراءات فورية لإيقاف جريمة الإبادة الجماعية، وإدخال السيولة النقدية إلى غزة، وتفعيل عمل البنوك. كما يدعو المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لملاحقة المسؤولين "الإسرائيليين" المتورطين في تجميد الأموال ومنع إدخالها إلى القطاع.