Menu

هل حقاً نتنياهو يسعى لتوريط أمريكا؟

وسام رفيدي

(نتنياهو يسعى لتوريط أمريكا)، مقولة غدت لازمة في التحليل السياسي، عبر الفضائيات ووسائل الإعلام، حتى باتت مسلّمة يجب تكرارها عند كل حديث عن العلاقة بين دولة الإبادة والإدارة الأمريكية في حرب الإبادة الراهنة على شعبنا. ولكن موجبات الدقة السياسية في استخدام اللغة والمصطلحات، تستوجب فحص مدى صوابيتها، كي تتموضع العلاقة بين الطرفين على أسس حقيقية لا متخيلة.

ربما من زاوية التحريض السياسي ضد المواقف الأمريكية والإسرائيلية، يمكن الضرب على وتر عجرفة وتطاول وكذب نتنياهو على بايدن وإدارته، والقول إنه (يورّطهم)، ولكن الحقائق لا تزكّي هذه المقولة، خاصة إذا ابتغينا لا التحريض السياسي، بل تجليس العلاقة على حقيقتها بين دولة الإبادة والإمبرياليّة الأمريكيّة.

في حقيقة الأمر فإن ما يتبادر للذهن عند سماع مقولة (التوريط)، هو علاقة بين طرف قوي هو نتنياهو وحكومته ودولته، وطرف ضعيف، لا يملك قراره، ويمكن أن يخضع للقوي، و(يتورّط) في حرب شاملة في المنطقة، هو لا يريدها أصلاً، ناهيك عن افتراض، كنتاج للعلاقة هذه، أن الإمبريالية الأمريكية إنما (تقاوم) كي تمنع توريطها، لأنها (عاقلة سياسياً) ومسكينة، فتحاول عدم الوقوع في فخاخ سياسية ينصبها لها نتنياهو. وتالياً يمكن الافتراض أن الإمبريالية الأمريكية بجبروت جيشها، وثقلها السياسي الدولي، واقتصادها المهيمن، ومؤسساتها الاستخبارية والأمنية، وإعلامها ومراكز أبحاثها، الدولة العميقة برمتها، لا هم لها سوى منع نتنياهو من (توريطها). هذا ما يوحيه استخدام هذه المقولة.

االوقائع غير ذلك تماماً. أولاً، إن دولة الإبادة، وبعد السابع من أكتوبر وحتى اليوم، وبعد الاشتباك المحدود في نيسان الماضي مع إيران، واشتراك 5 دول في الدفاع عنها، وبعد استنفار البوارج والطائرات الحربية، أيضاً للدفاع عنها أمام رد متوقع لحزب الله وإيران، وبعد زعزعة مكانتها على المستوى الدولي الشعبي، بعد كل ذلك، بات من الواضح أنها تحولت من ذراع ضاربة للإمبريالية، لدولة هش، مفككة، ضعيفة ومهزومة، جيشها ليس موضع ثقة، ومستوطنوها ومجتمعها يعيشون لحظات انتظار رد حزب الله وإيران، لحظات كلها رعب وتوتر وعدم يقين، دولة تستنجد بإمبرياليات العالم لحمايتها، تلك دولة أبعد عن أن تكون في موقع مَنْ يستطيع توريط الآخرين في مغامرات غير محسوبة. إنها علاقة التابع بالمتبوع، لا علاقة مَنْ (يورّط) المتبوع في حرب لا يريدها.

وفي غمار تلك العلاقة يمكن تلمس الاختلافات في الرؤى والتصورات والحسابات، لا الخلافات، وبين الاختلافات والخلافات بون شاسع. فالطرفان، دونما تمويه، متفقان على السعي لتصفية المقاومة تماماً، وفرض ترتيبات سياسية، تُنهي عملياً القضية الوطنية، وتمهد الطريق لدمج دولة الإبادة في المنطقة، عبر تتبيع وتطبيع شاملين، يجسّد دونما مواربة، ودون خطابية كاذبة ومدّعاة، انتقال النظام العربي الرسمي لموقع الحليف الموثوق والنهائي لدولة الإبادة.

أما أن يختلفوا حول تحقيق تلك الأهداف فهذا مفهوم، ففاشية نتنياهو وقراراته الدموية في كثير من الأحيان لا تراعي الحسابات الأمريكية في المنطقة، وخاصة حساباتها مع السلطة الفلسطينية والأنظمة العربية، إذ تبدو قراراته تشوّش على تلك الحسابات، ومع ذلك (وعند الجد) لا يعد لتلك الاختلافات قيمة، فتوفر الإمبرياليّة له الغطاء السياسي الدولي، وتستمر بدعمه عسكرياً وحشد كل مقدراتها لحماية دولته، والأهم مشاركته في حرب الإبادة.

الاختلافات والحال هذا لا ترقى لمستوى سعي نتنياهو (لتوريط) الإمبريالية في حرب شاملة، إذ لو شعرت تلك الإمبريالية أن حرباً شاملة ستعني كسر محور المقاومة مرة وللأبد، وتحقيق أهدافها المرسومة للقضية الوطنية والإقليم، لما ترددت ثانية واحدة بالسعي لتدمير المنطقة برمتها، وإبادة شعوبها إن تمكنت، فلا أحد يتصور أن هناك أي وازع سياسي أو إخلاقي يمنع الإمبريالية من فعل ذلك، فهي اصلاً نشأت عبر إبادة شعوب واستعمار العالم واستعباده.

إذن، تبدو الإمبريالية الأمريكية والحال هذا في عدم رغبتها الذهاب لحرب شاملة، وكأنها تحمي نتنياهو من قراراته السياسية التي ربما، وحسب حسابات الامبريالية ستلحق الضرر بالدولة نفسها، وبترتيباتها في المنطقة. ولكن السؤال الذي ينتصب: هل نتنياهو ودولته فعلاً معنيون بحرب شاملة في المنطقة؟

إن نتنياهو ومن خلفه جيشه وأجهزته الاستخبارية يحسبون مليون حساب لخوض حرب شاملة في المنطقة. فمنذ 8 أكتوبر وحتى اليوم، هو ومعه وزير حربه وجنرالات جيشه يهددون بتحويل بيروت لغزة، ولكنهم لم يشنوا حرباً واسعة، ليحولوا بيروت لغزة، وذلك رغم التدمير الذي اصاب ما يقارب 30% من مستوطنات الشمال، وترحيل أكثر من 150 ألف مستوطن، وتوريط حزب الله لهم في حرب استنزاف لا يريدونها. وعندما وجّهت إيران ضربتها في نيسان الماضي، لم تستغل دولة الإبادة تلك الضربة/ الفرصة لتشن حرباً طالما سعى لها نتنياهو ضد إران.

واضح انه في الحالتين، ليس فقط هناك حسابات عسكرية لجنرالات وسياسيي دولة الإبادة تنذرها بخطر حقيقي على وجودها في حال شنت حرباً شاملة، بل وأيضاً انصياعاً لرغبة الإمبريالية بعدم شنها، لأنها خاسرة، وهذا ينقض بالأساس مقولة (التوريط) من أساسها. مَنْ يحتاج للحماية والدفاع عنه ليبقى على قيد الحياة ينصاع لمن يحميه، ولا يفرض شروطه على مَنْ يحميه.

وأخيراً، فالإمبريالية الأمريكية تملك القدرة السياسية والعسكرية والمالية، وخلال يوم واحد فقط، على وقف حرب الإبادة، ولجم دولة الإبادة، ولكنها لا تفعل لأنها لا تريد، وليس لأنها لا تستطيع، وهذا يؤكد حقيقة أنها ليست في موقع مَنْ (يقاوم التوريط)، بل في موقع الشريك الفعلي لدولة الإبادة، وصاحبة قرارها في لحظة ما.

تبدو الإمبريالية الأمريكية في عدم رغبتها الذهاب لحرب شاملة، وكأنها تحمي نتنياهو من قراراته السياسية التي ربما، وحسب حسابات الامبريالية ستلحق الضرر بالدولة نفسها، وبترتيباتها في المنطقة.