Menu

لعبة الرد: ما بين الرد الكمي والرد النوعي

ثائر أبو عياش

في يوم الأربعاء الموافق 31 يوليو/تموز 2024م، أعلن الحرس الثوري الإيراني نبأ اغتيال الشهيد إسماعيل هنية في طِهْران، عقب حضوره حفل تنصيب الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان، وقبل يوم من هذا الاغتيال أعلن الجيش الإسرائيلي في 30 يوليو/تموز 2024م، أنهُ قام باغتيال فؤاد شكر المسؤول العسكري في حزب الله عبر غارة جوية على مبنى في حارة حريك بالضاحية الجنوبية لبيروت، وقبل ذلك قام الاحتلال بشن سلسة غارات على ميناء الحديدة في اليمن، بالإضافة إلى قصف طال المقاومة العراقية، ويُعتبر هذا التصعيد بمثابة قرارًا نوعيًا لدى الكيان، حيثُ أسلوب الاغتيال، فضلًا عن الشخصيات التي تم اغتيالها، بالإضافة إلى الزمان والمكان الذي تم فيه سواء الاغتيال، أو القصف، دليلًا على نوعية هذا القرار.

إذن، أصبح المحور المضاد لمحور الاحتلال أمام خيار الرد، وهذا ما عبر عنه الكثير من شخصيات المحور، سواء في إيران، أو حتى حركات المقاومة، وما زالت الضبابية تسود مشهد نوعية الرد، القصد هل سيكون بشكلٍ جماعي، أم بشكلٍ منفرد، وتُعتبر هذه الضبابية بمثابة حرق للأعصاب ضمن سياق الحرب النفسية، وهذا الطرح يأخذنا إلى سؤال جوهري، واستراتيجي، إذ يقول السؤال: هل سيقوم المحور برد كمي، بمعنى قصف صاروخي واسع على سبيل المثال يطال مدن الكيان، أم قصف نوعي يطال مواقع حساسة لدى الاحتلال، وذات بعد استراتيجي، ونوعي، وعلى سبيل المثال مواقع عسكرية، أم سيذهب المحور لاغتيال شخصيات سياسية، أو عسكرية؟

تبقى الإجابة هنا يسودها الضباب أيضًا، ولكن في لعبة الرد علينا الاتفاق اولًا، أنّ الرد حتمي، وأنّ الاحتلال هو المستهدف لدى جميع الأطراف، ولكن لحزب الله حساباته كحركة تحرر تختلف عن حسابات إيران كدولة تقبع تحت مظلة القانون الدولي، ومن زاوية ليست بعيدة عما سبق، لا شك بطبيعة الحال أنّ المحور يُمارس سياسة الحرب النفسية ضمن لعبة الرد كما عبر الأمين العام لحزب الله سابقًا في هذا المضمار، ولكن إذا قمنا بمحاولة النبش على إجابة السؤال السابق، يمكن القول أنّ الرد المنفرد إلى جانب الدعاية النفسية سيكون أكثر قوة من حيث التأثير، وتحقيق العدالة، وتأديب الكيان، بل وأكثر قدرة على تحقيق الرد النوعي، لا الكمي.

لماذا نحنُ بحاجة إلى الرد النوعي؟، تكمن الإجابة هنا، والقصد لدى بيئة المقاومة التي تحتاج هي الأخرى الرد، إذ الاحتلال بعميلة الاغتيال النوعية استطاع من زاوية ما اللعب على سيكولوجية الجماهير كهدف من الاغتيال، خصوصًا شخصيات بوزن الشهيد إسماعيل هنية، وفؤاد شكر، وهنا ربما يقصد المحور عبر عملية التأخير في الرد، هو الرد على هذه الحرب النفسية بالمثل، وفي العمق لم يكن اختيار يحيى السنوار كرئيس للمكتب السياسي ل حركة حماس ، إلا جزء من الرد، وأعتقد أنّ هذا الطرح حقيقًا، ودقيقًا لمن تحدث به، إذ اختيار السنوار هو تأكيد على صوابيه البندقية، وخيار المقاومة.

في لعبة الرد، يمكن القول، أنّ الرد إذا كان كميًا لقام به المحور، وأنتهى الحدث، ومن جديد بيئة المقاومة لا تنتظر رد كمي، بل تحتاج إلى رد نوعي، والقصد رد يُساعد على الشفاء من عمليات الاغتيال تحديدًا، وفي العمق كان السابع من أكتوبر 2023 قرارًا ساعد الكثير من الأجيال على الشفاء من الهزيمة، وهذا الآن ما تحتاجه من جديد هذه الأجيال، وبالعودة إلى الحرب النفسية، إنَّ حرب الأعصاب التي يُمارسها المحور من زاوية تُرهق المحتل، ومن زاوية أخرى تجعل بيئة المقاومة تؤكد أنّ المحور ذاهبًا نحو عملية لربما تُسمى إذا اصطلح التعبير، بعملية رد الاعتبار للمقاومة "المحور".

من زاوية أخرى، يُطرح في لعبة الرد خيار إيقاف الحرب على قطاع غزة مقابل عدم الرد، وإلى صلب الموضوع مباشرة يمكن القول، إنَّ على الصعيد الاستراتيجي في لعبة النقاط يُعتبر تحقيق هذا الأمر بمثابة رد نوعي لدى المحور، وذلك عبر إفشال الاحتلال في تحقيق أهدافه، وذلك إلى استنادا إلى القاعدة التي تقول، أنّ عدم تحقيق دولة ما أهدافها العسكرية، هو بمثابة نصر لدى حركات التحرر حتى لو أنها لم تنتصر عسكريًا الأخيرة، ولكن بوثبة سريعة إلى نتنياهو الذي يأخذ الحرب هي الهدف، القصد هنا، يسعى البعض لتخليد أسمه بأي شكل من الأشكال، وللتوضيح، في سبيل الشهرة الأنانية هناك رغبة  لدى البعض لتخليد اسمه في التاريخ، ولذلك يسعى لهذا الأسلوب، وحتى وإنَّ  كان ذلك عبر عملٍ سلبي تحت شعار "يحرق كل معبد¹"، ونتنياهو نموذجًا عصريًا لهذا الأسلوب، ولذلك بات واضحًا أنّ نتنياهو لن يوقف الحرب.

يبقى هنا سؤال أخير، هل تنطلي حيلة وقف الحرب على المقاومة؟، بات واضحًا أكثر من أي وقت مضى، أنّ المقاومة _المحور_ واعيه للسقوط في هكذا فخ تنصبه أمريكا_ راس الحية على وصف الراحل جورج حبش _ والأوروبي، ومعهم الاحتلال، وبطبيعة الحال هذا الوعي جاء عبر دراسة النظام الرأسمالي في مختبر التاريخي، والظاهرة الاستعمارية أيضًا، وعليه يمكن القول، إنَّ الرد بات خيار وضرورة في ذات الوقت، وأكثر أنّ الرد على الحيلة، هو القيام بالرد ذاته، وتحديدًا الرد النوعي.

______

¹. دونو، الآن، نظام التفاهة، مقتبس من صفحة 60 حول البهرجة والابتذال، النص الرئيسي: "يسعى البعض لتخليد اسمه بأي شكل من الأشكال، أيًا ما بلغ من فجاجة هذا الشكل أو سطحيته، وبل قبحه أحيانًا، والأمثلة كثيرة: ففي سبيل الشهر الأنانية، يصبح هؤلاء مثل هيروستراتوس Herostratus، ف"يحرق كل معبد" كما يقال، والإشارة هنا هي إلى الشخص الذي قام بحرق معبد "أرتيمس" Artemis، في آسيا الصغرى " تركيا اليوم"، وهو عجيبة من عجائب الدنيا السبع، فقد رغبةً لتخليد اسمه في التاريخ، وإنّ كان ذلك خلال عملٍ سلبي".