Menu

ما لم يتحقق بالقوة يمكن أن يتحقق بمزيد من القوة!

حلمي موسى

استمراراً لمنطق اليمين الإسرائيلي ورغم كل ما يجري محلياً ودولياً لا يزال الاعتقاد بأن ما لم يتحقق بالقوة يمكن أن يتحقق بمزيد من استخدام القوة. وباتت الصورة أشد وضوحاً، منظومة القيم التي تدّعيها إسرائيل زائفة. ابتداءً من القيم الإنسانية إلى الدينية إلى الحضارية. لا شيء من كل هذا. السلوك الإسرائيلي المهيمن هو البربرية بأدنى أشكالها. نزع الإنسانية عن الخصم والتعامل معه على أساس وحشي من الكذب في اتجاه اتهام العدو إلى الوحشية في التعامل مع المدنيين والأسرى إلى إعلاء قيمة الثأر والانتقام. والبدائية في منطق الحرب وليس الانطلاق من كسر إرادة العدو وإنما إبادته مادياً وروحياً وتحويله إلى هباء.

وواضح أن تجلي هذا السلوك الوحشي يستند إلى خوف حقيقي يصل إلى حد الجزع من معطيات الواقع. فالكيان بُنى على أساس توفر فرصة لهزيمة العرب ومحاولة تأبيد هذه الهزيمة إلى أبد الآبدين. وكان الاعتقاد هو أن ذلك تحقق بإنشاء الكيان وتحويله إلى إسبارطة فعلية وتكريس ذلك بامتلاك السلاح النووي. وكان امتلاك هذا السلاح ومنع العرب من امتلاكه سدرة المنتهى. فامتلاك هذا السلاح وفر اعتقاداً بأنه سلاح يوم القيامة الرادع. وهو وسيلة ليس فقط لردع العرب وإنما أيضاً لابتزاز الغرب وقت الحاجة وعلى قاعدة أن على الغرب توفير أفضل السلاح الغربي لإسرائيل كي لا تضطر لاستخدام السلاح النووي. ولعب هذا الابتزاز دوراً أميركياً في انتهاج أميركا سياسة التغطية على السلاح النووي الإسرائيلي وسكوت الغرب عموماً عن هذا السلاح.

ورغم أن امتلاك السلاح النووي لم يمنع مصر وسوريا من شن حرب أكتوبر ١٩٧٣ إلا أن إسرائيل في ذروة إحساسها بالفشل فكرت في استخدام السلاح النووي. وشكل هذا التفكير حافزاً للجسر الجوي التسليحي الأميركي لإسرائيل. غير أن طوفان الأقصى في ٧ أكتوبر كان مختلفاً من ناحية الجهة التي شكلت خطراً وجودياً وأحدثت هزة أرضية عميقة في الكيان ووظيفته ومكانته في المنطقة والعالم. فالهزة نتجت عن فعل المقاومة في قطاع غزة. أي من المنطقة الأضعف والمحاصرة بشدة وعديمة الموارد المادية ومعدومة العمق الاستراتيجي. وقطاع غزة تقريباً المنطقة الأشد عرضة للمراقبة المادية والالكترونية في العالم. بل إن شدة المراقبة والحصار كانت تتيح لإسرائيل إحصاء الكالوريات المسموح بدخولها إلى غزة لدرجة تمنع الموت جوعاً ولكنها لا توفر صحة وقوة لأجساد الغزيين.

وبعد فشل سياسة الحصار لجأت إسرائيل إلى سياسة التنقيط والتنفيس عبر منهج العصا والجزرة. وكانت تعتقد أنها بذلك أفلحت في ترسيخ الانقسام الفلسطيني عبر الفصل التام بين منهجي حكم الفلسطينيين في الضفة والقطاع.

في كل حال كان طوفان الأقصى الضربة الأشد مفاجأة في تاريخ الكيان التي أفقدت قيادته توازنها. ويعتقد البعض أن أميركا والغرب احتضنا إسرائيل بقوة في ٧ أكتوبر وبعدها بسبب ارتباطهم الجوهري بالكيان من جهة ولمنع الكيان من التصرف بجنون زائد.

وهنا ينبغي استعادة النقاش الذي دار في القيادة الإسرائيلية يوم ٧ أكتوبر حيث كانت القيادة العسكرية مع توجيه الضربة الأساسية للبنان وليس لقطاع غزة. وكان هذا في نظر أميركا والغرب ذروة الجنون. وهو ما تحاول أميركا حالياً منعه لمنع وقوع حرب إقليمية.

والحرب الإقليمية حالياً هي موضع الخلاف الأساسي في الكيان، هناك يمين متطرف بقيادة نتنياهو يريد هذه الحرب وكان يسعى إليها وهي تعني في نظره أن أميركا والغرب يشنون حرباً على إيران لتجريدها من قدراتها النووية. وواضح أن أميركا ليست حالياً في مزاج كهذا، وهذا ما يمنع حتى الآن التوصل لاتفاق وقف نار وتبادل.

فالقصة ليست وقف نار وإنما وجهة الأمور، هل نحو حل سياسي للصراع؟ عموماً وهو ما لا يريده اليمين أو الحرب الإقليمية التي لا يعرف أحد نتائجها. إنها مقامرة نتيجتها أما زوال اليمين من الحكم في إسرائيل أو حرباً شاملة تزلزل المنطقة العربية بأسرها.