Menu

أعطاني هدية من غزة

حسين الغلبان

حسين الغلبان

كان أخي معن، وهو الذي يكون من علم بوتين الروسي السياسة والاستراتيجية الدولية والاقتصاد والسياحة إلى الفن والتصوير والموضة، يناقشني في مواضيع الحياة المختلفة، بينما كنا نتحدث من خلال شاشات الهواتف. جلسنا الكترونياً نتجادل حول الوضع الحالي في فلسطين، خاصة بعد الطوفان، وكيف يمكن أن نرى نهاية هذا الاحتلال الذي يُعد الأكثر وحشية في تاريخ الإنسانية. كان حديثنا يتطرق حتى إلى الانقسامات الداخلية بين الصهاينة المتطرفين وبين البنائين الفعليين للصهيونية، حزب "عمال صهيون" أو ما يعرف بنقابة "الهستدروت" وأنه المفتاح في تدمير الكيان كما بناه بالسابق.

في تلك اللحظة، قررت الاتصال بوالدي المرابط في خانيونس. كان صوته يحمل في اهتزازات في نبراته لحنٍ يعكس واقع الحياة الصعبة. كان يعلمني دائماً أن أرى الأمور من منظور الحقيقة الواقعية، وكأنه يقودني بطائرة تحملني نحو فهم أعمق للأمور.
بينما أنتما، أيها المحللان الاستراتيجيان، تبربران في الحديث، "دعني أضعك في قلب غزة، في جيب بنطالي جلدة من البلاستيك لأشعل النار".
 وبينما أنتم تتحدثون، "أنا أبحث عن قطع بلاستيكية تحت الأنقاض لأذيبها وأسد بها ثقوب خزان الماء، ذلك اللعين الذي حاولت إصلاحه مراراً".
بينما تتحدثون عن فيلادلفيا، "أبحث عن أربعة ألواح خشبية لأصب عليها بعض الحصمة والاسمنت. لقد وجدت لوحين؛ واحداً عند المختار أبو عصام، وآخر عند عمي أبو ماهر. والثالث كان تحت الأنقاض. أما الرابع، فأنتظر الفرج لأجده."
بينما تتحدثون عن الرد الإيراني،" ألعن الأسمنت والحصمة. الحصمة غالية، وإذا كسرنا الأنقاض، لن نحصل إلا على غبار وأشلاء متناثر". 
وبينما تتحدثون عن وقف الدعم الأمريكي الغربي،" البعوضة ما زالت تنتظرني على ذاك السرير الخشبي القديم، نفس السرير الذي تربيت أنت وأخوك عليه وأسقيتموه بسوائلكم الصفراء."
بينما تتحدثون عن سمعة الكيان الصهيوني، "أريد فقط عشر دقائق قبل أن انام، بلا زيارة من البعوض واخواتها". 
وبينما تتحدثون عن انهيار الاقتصاد الصهيوني، " هنا في غزة، بتنا نرفض العملات المعدنية والورقية التي حملت على جسدها أثر الزمن والانكسار، نريدها نضرة عذراء كأنها ولدت الآن، بلا جرح أو خدش، لم تلمسها أصابع العالم من قبل."
ثم قال بابتسامة مريرة: بينما تتحدثون عن المكاسب بعد الحرب، "لدي في جيبي ألف وست مئة شين ياء كاف لام لكنها مثل الذكريات، قديمة تحمل آثار من غادروا، ولا أعرف كيف أصرفها ". 
وبينما تتحدثون عن قطع الأوردة لمستوطنات الضفة الغربية بالألغام، "في شارعنا توجد جثث حيوانات، وروائح الموت تملأ المكان."
وختم قائلاً: بينما تتحدثون عن الهجرة من الصين إلى الغرب، “هنا، هاهنا في ليل غزة المعتم، نسمة من الهواء البارد تشق صدري وتسبح في أعماقي، لتخرج من بين أضلعي همساً خافتاً يحمل معه الحوقلة، كأنما الروح ترددها قبل أن تلفظها الشفاه".
شكراً لك، يا أبي العزيز