Menu

لبنان أمام حرب تموز ثانية أمريكية – اسرائيلية

راسم عبيدات

 

في حرب تموز/2006 والتي شنتها اسرائيل لأول مرة بالنيابة والوكالة عن أمريكا، والتي أتت بعد عملية نفذها حزب الله اللبناني بأسر جنديين اسرائيليين، وجاءت تلك الحرب لتحقيق هدف مركزي ورئيسي، إقامة ما يعرف بالشرق الأوسط الكبير الذي حلمت وبشرت به كونداليزا رايس وزير الخارجية الأمريكية آنذاك، بجانب الأهداف الإسرائيلية الإستراتيجية الأخرى المتطرفة لتلك الحرب والمتمثلة بالقضاء على قدرات حزب الله اللبناني العسكرية والتسليحية وبالذات منظومة صواريخه الدقيقة وبعيدة المدى، وأيضا اغتيال امينه العام نصر الله، الذي نجحت اسرائيل في اغتياله مؤخراً بمساعدة استخبارية وامنية وعملياتية وتنكولوجيا أمريكية، بالإضافة الى اضعاف وجود الحزب السياسي في مفاصل الدولة اللبنانية ومؤسساتها والمجتمع اللبناني ..واعادة الجنديين المأسورين بدون شروط، وفي تلك الفترة قال السيد نصرالله للذين طالبوه بإطلاق سراحهم مقابل وقف العدوان على لبنان" لو اجتمعت علينا كل الدول لن أطلق سراحهما"، المهم فشلت اسرائيل في تحقيق اهدافها الإستراتيجية المتطرفة وسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد ..حيث اشترطت امريكا لوقف اطلاق النار، بلغة كونداليزا رايس  ان يلقي حزب الله سلاحه، وعندما تأكدت استحالة تحقيق ذلك، وذهبت الحرب الى فقدان اسرائيل للسيطرة، تقدمت امريكا وفرنسا بمشروع قرار لوقف إطلاق نار، يتضمن نشر قوات متعددة الجنسية تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وعندما رفض الحزب ذلك أيضاً، هبطتا بالسقف الى منح قوات اليونيفيل صلاحيات الردع والتفتيش، وعدم موافقة الحزب على ذلك واستحالة تحقيق اسرائيل لنصر على حزب الله ،وما تعرض له الجيش الإسرائيلي من خسارة فادحة في الحرب البرية، مجزرة الدبابات في وادي حجير، دفعهما للقبول بنشر الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل في الجنوب، دون ظهور علني مسلح لحزب في الجنوب.

للمتوهمين نقول بأن هذه الحرب صاحبة فكرتها امريكا، وهي تخوضها تحت ما يعرف بالأمن القومي الأمريكي ،وهي من تقودها عسكرياً وأمنياً في قطاع غزة ولبنان، والهدف المركزي لها، إعادة بعث ما يعرف بمشروع الشرق الأوسط الجديد، ولذلك هي لا تدير الحرب من خلف الستار الآن وتعمل على تسعيرها عسكرياً، بل هي في قلب المعركة، وتعبر بشكل واضح عن دعمها وتفهمها لكامل الأهداف والعمليات التي تواصل اسرائيل شن غاراتها وعملياتها التدميرية من أجل تحقيقها، ولا احد ينخدع بالمسرحيات الامريكية التي باتت سذاجتها وفقاعتها، لا تنطلي على احد، فأمريكا هي من شاركت اسرائيل كل اهدافها العدوانية في القطاع، تحت حجج وذرائع حق اسرائيل في الدفاع نفسها والقضاء على حماس والمنظمات الفلسطينية واستعادة الأسرى لدى حماس والمقاومة، وهي كذلك تدعم وتشارك اسرائيل حربها على حزب الله اللبناني، فهي تقول انه نتيجة المشاورات المكثفة ما بين البنتاغون والأجهزة الأمنية الإسرائيلية ووزير الحرب الإسرائيلي غالانت، والمكالمة المطولة بين بايدن ونتنياهو، بات بايدن يتفهم اهداف الحرب الإسرائيلية في لبنان، وضرورة توسيع العملية العسكرية، لكي يتم القضاء على حزب الله، وبما يمكن من اجراء تغيير في موازين القوى السياسية الداخلية اللبنانية، بحيث يمكن كذلك من سيطرة القوى المتماهية مع السياسة الأمريكية والحليفة لإسرائيل على السلطة وانتخاب رئيس لبناني ينفذ الإملاءات الأمريكية ويستجيب للشروط الإسرائيلية، بالعمل على نزع سلاح حزب الله اللبناني، وهو ما لم تنجح امريكا واسرائيل في تحقيقه في تموز/2006 .

نحن امام حرب امريكية – اسرائيلية ثانية، ليست فقط على حزب الله والمقاومة الفلسطينية وفي قلبها حماس، بل نحن امام السعي الى حسم اقليمي، ينال من كل أطراف محور المقاومة، في مقدمتها رأس المحور إيران واطرافه، حركات المقاومة في لبنان، حزب الله الذراع الأقوى للمقاومة في لبنان، وبقية حركات المحور في اليمن والعراق وسوريا وقطاع غزة والضفة الغربية، حرب يراد منها تدمير قدرات وبرامج ومنشآت إيران النووية ومؤسساتها وبنيتها النفطية والغازية، وكذلك تدمير برامجها التسليحية من صواريخ باليستية ومسيرات انقضاضية. واضعاف بقية اطراف المحور، لكي تكون امريكا واسرائيل ودول الغرب والعديد من دول النظام الرسمي العربي الوظيفي، أمام شرق اوسط جديد تقوده امريكا وتسيطر على دفته وتتربع على عرشه اسرائيل.

ولذلك مطلوب سحق حزب الله اللبناني وتدميره، لتحقيق هذا الهدف، كما حصل في حرب عام 1982، عندما جرى سيطرة القوى المتحالفة مع اسرائيل والمتماهية مع الأهداف الأمريكية على الحكم في لبنان، حيث جرى تغير الواقع السياسي الداخلي اللبناني وتنصيب رئيس ينفذ شروطها ويستجيب للإملاءات الأمريكية.

السؤال المركزي المطروح، هل تستطيع امريكا واسرائيل تحقيق اهدافها من هذا العدوان والحرب الشاملة، معتقدة ومتوهمة بأن الضربات المؤلمة والخسارات الكبيرة التي تعرض لها حزب الله، بمشاركة تكنولوجية واستخبارية ومعلوماتية وأمنية أمريكية، بداية عبر الحزمة الثلاثية القاتلة، المتمثلة في تفخيخ اجهزة "البيجر" و"ايكوم"، واغتيال العديد من القادة العسكريين والأمنين للحزب والغارات الجوية غير المسبوقة على لبنان من جنوبه حتى بقاعه فالضاحية الجنوبية وصولاً للعاصمة بيروت ،وانتهاءً باغتيال الأمين للحزب نصرالله، مثل هذه العمليات كافية لإسقاط دول كبرى، ولكن لكون هذه الحزب لا يعتمد على فرد او مجموعة أفراد، استطاع ان يستوعب الضربة ولم تسقطه، ولملم جراحه ونهض، وقام بترميم اوضاعه الداخلية والتنظيمية، عبآ الفراغات في الهرم التنظيمي والقيادي... وبقيت منظومة القيادة والتحكم والسيطرة تعمل بفاعلية، بعد ان جرت عملية تعبأة سياسية وعسكرية واعلامية، وبالتالي واصل الحزب وزاد من عمليات إطلاق الصواريخ كماً ونوعاً ومداً، وبات يستعيد معادلات الردع والمبادرة، وفعل معادلة الردع، الضاحية الجنوبية مقابل حيفا، والتي جرى فيها استهداف اهداف اقتصادية ومدنية رداً على استهداف المدنيين في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية والعاصمة بيروت، وبالمقابل كانت المعارك البرية تقول بأن الوضع يشبه ما جرى في تموز/2006، حيث لم يستطع الجيش الإسرائيلي التقدم عبر الحدود واختراقها، وكانت قوات حزب الله تلتحم مع جيشه من نقطة الصفر، وتطلق صليات صاروخية مركزه تجاه جنوده ودباباته، وشهدنا على الهواء مباشرة تدمير دباباته والياته، وليصل عدد جنوده القتلى الى اكثر من 40 و200 جريح وفق بيانات حزب الله.

اذا لا تقدم بري ولا مقدرة في القضاء على مخزون حزب الله من الصواريخ بعيدة المدى الدقيقة، وبالتالي اهداف توسيع الحرب على لبنان، والتي هرب اليها نتنياهو وقيادة حكومته وجنرالاته من مأزق الفشل في قطاع غزة، من أجل كسر ثنائية جبهتي غزة ولبنان، واعادة المهجرين من مستوطني الشمال خلال عشرين يوماً حسب قول قائد المنطقة الشمالية اوري غوردين، يبدو انها اضغاث احلام، فأعداد المهجرين تتضاعف ،بحيث باتت حيفا تشبه كريات شمونة من حيث القصف والهجرة، وما يترتب على ذلك من تعمق الأزمات الاقتصادية والمجتمعية والنفسية، وفقدان الأمن والأمان والثقة بالجيش والحكومة، ومواصلة إطلاق الصواريخ من لبنان وبمديات اوسع واهداف جديدة، يعني دخول اسرائيل في مستنقع مزدوج غزة ولبنان، وكذلك الإجماع العسكري والسياسي الذي توفر لشن العدوان على لبنان وحزب الله سيتراجع، وستعود الانقسامات للظهور من جديد وكذلك المظاهرات التي تطالب بإعادة الأسرى، وأيضاً شهدنا رفض 130 جندي الالتحاق بالخدمة العسكرية، ما لم يتم توقيع صفقة تبادل تعيد الأسرى، وزعيم المعارضة الإٍسرائيلية، لبيد قال بأن هذا أسوء حكومة عرفتها إسرائيل وتقود اسرائيل نحو الكارثة.. والأخطر من ذلك النزف سيستمر ويتواصل على نحو أكثر شدة والماً، فقدرات حزب الله العسكرية والتسليحية والتدميرية عشرات اضعاف قوى المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، ولذلك الفشل في تحقيق اهداف هذا العدوان في لبنان وقطاع غزة وبقية الساحات، سيدفع نحو التوجه لحل سياسي، بما يضمن ترابط الجبهات، كل هذا سيجعل الآمال الأمريكية والإسرائيلية ستتلاشى، بخلق شرق اوسط جديد تشرف عليه وتقوده امريكا، وتتربع على عرشه اسرائيل في المنطقة اسرائيل ،كدولة تتحكم في المنطقة ومقدراتها، وموسعة من دوائر تطبيعها مع النظام الرسمي العربي.