Menu

الذكرى السنوية لاستشهاد القائد الرفيق وديع حداد

(وراء العدو في كل مكان) وإعادة فتح الحساب

وديع ابو هاني

جنازة وديع حداد

آذار شهر الخصب والجمال والرجال , شهر فلسطيني بامتياز يحمل في ثناياه وفي أيامه وعلى أكفه مناسباتٌ وطنية واجتماعية وعالمية ومحطات نضالية فهو  يبدأ بيوم الشهيد ويوم المرأة العالمي  مروراً بعيد الأم 0ويوم الكرامة 0وينتهي بيوم الأرض الخالد فإن في قفص آذار الصدري قلبُ لرجل فلسطيني هز العالم ومازال ينبض ذكرى وذاكرة وسيرة نضالية وقضية شعب مثلها قائد استثنائي ، كافح بصمت ، وغادرنا بهدوء لم يدون مذكراته ولم يكتب عن نفسه سطراً عن سيرته , لكنه رغم تعاقب السنين والأجيال على استشهاده فمازال اسماً وعلماً فلسطينياً وقومياً وأممياً تتردد أصدائهُ كافه أرجاء المعمورة اسماً وفعلاً كفاحياً وشعاراً (وديع حداد , وراء العدو في كل مكان).

عبارة لخصت استراتيجية وديع حداد بأبعادها الوطنية والقومية والأممية عندما ترجم ونجح بأسلوبه الخاص في كيفية مقارعة ومطاردة العدو وتهديد مصالحه، وتوظيف هذا الأسلوب بهدف التعريف بقضية ونكبة شعب طُرد قسراً من أرضه أمام ومرأى من العالم بل بتواطؤ دول عظمى آنذاك.

ارتبط اسمه ب جورج حبش وحركه القوميين العرب وخطف الطائرات وتنفيذ العمليات الخاصة وتصفية وملاحقة العملاء وضرب وقطع الشرايين التي تمد وتغذي الكيان الصهيوني سياسياً واقتصادياً وأمنياً وعسكرياً, وعمل على تجنيد ما بوسعه من حلفاء وثوريين أمميين من إيران لنيكاراكوا ومن الجيش الاحمر الياباني إلى ألمان وإيطاليين وفرنسيين وكافة الجنسيات العربية (مثال عملية مطار اللد وتفجير الطائرات في مطار عمان ) بهدف إيصال رسالة فحواها أن قضية الشعب الفلسطيني هي قضية تحرر وطني وإنساني , قضية عادلة تحتاج لتجنيد وطاقات شرفاء وأحرار العالم.

ارتبط اسم وديع حداد بعشرات العمليات فكان الرجل الذي هز العالم مراراً وحبس الأنفاس في أكثر من مكان وزمان حريص في عملياته الخارجية بعدم استهداف المدنيين، بل التركيز على استهداف مصادر دعم ومساندة العدو الصهيوني، وظل حريصاً على نظافة كف المناضلين وعدم اقدامهم على أي ضرر بحق المدنيين.

وديع حداد اهتم بسلاح الاعلام وأدرك قيمته، وتكشف رسائل كثيرة ما طلبهُ من الشهيد غسان كنفاني لتأسيس مجلة خاصة بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين فكانت مجلة الهدف التي لعبت دور الرسالة والرسول والقناة التي وظفها في علاقاته النضالية بما يخدم الحلقة الأممية للنضال الوطني الفلسطيني وكانت مجلة الهدف محطة للزائرين من أمميين مناضلين وإعلاميين وشكلت الساتر لبوابة العلاقة مع الفضاء الأممي، فكانوا هؤلاء سفراء أممين في محطات نضالية كثيرة بالتعاون والتنسيق مع الشهيد غسان كنفاني، من يتتبع مسيرة الشهيد وديع حداد القيادية يدرك أنه كان قائداً كفؤاً ونجح في استقطاب الكفاءات على كافة المستويات السياسية والعسكرية والأمنية والإعلامية، ووعى مبكراً قيمة وإشراك المرأة الفلسطينية في معظم عملياته  الخاصة جنباً إلى جنب مع الرجل, وكانت له بصمات في توظيف الكفاءات الخاصة بما يخدم أسلوبه النضالي في المرحلة التاريخية المحددة ، خاصة بما يتصل بشؤون الطيران والتدريب وحركه الملاحة العالمية وشبكة الاتصالات.

لقد كان الشهيد قائداً استثنائياً في ذكائه ودقة أدائه وبجديته ومصداقيته واحترامه للوقت واشرافه المباشر على التخطيط والتنفيذ لعملياته المتقنة والناجحة، كان قائداً نزيهاً، وعاش بعيداً عن الأضواء والكاميرات، لم يكن يحب الظهور، ولم تظهر عليه مظاهر البذخ والترف التي ترافق الكثير من قادة اليوم، تمتع بسلوك ثوري حتى مماته، وعائلته المناضلة وطنياً واجتماعياً بقيت وفيّة ليس فقط لوديع وإنما لسيرته ومدرسته الكفاحية أيضاً.

منذُ تشكيل الجهاز الخاص ( المجال الخارجي) من قبل وديع حداد عام 1968م وحتى رحيله ورغم التباينات التي حصلت بينه وبين مدرسته، فقد أحيطت العلاقة احتراماً وتقديرا،ً وهذا ما ظهر لاحقاً في المؤتمر الوطني الخامس للجبهة الشعبية الذي أعاد له الاعتبار كقائد وطني وقومي رغم القطيعة التنظيمية لفترة بينه وبين الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والناجمة عن عدم التزامه بقرار الهيئات المركزية بوقف العمليات الخارجية.

الذكرى والسيرة لشهيد مثل وديع حداد لا تفيها الكلمات والسطور في استعراض سجله الكفاحي وأعماله البطولية داخل الوطن وخارجه 0فمن أهم وأكبر العمليات جرأة هي تحرير الدكتور جورج حبش من السجن ( سجن كركوز الشيخ حسن) في دمشق والتي نفذها في قلب العاصمة عام 1968م على يد كوكبه ثورية بعضهم غادرنا شهداء وبعضهم مازال  أحياء،  كذلك نجاح خطة  فراره من سجن الجفر  الصحراوي في الأردن والتحاقه برفيق دربه جورج حبش في دمشق.

اليوم ونحن نقف أمام الذكرى السنوية لاستشهاده الذي يصادف الثامن والعشرين من شهر آذار نلقي نظرة على الحالة الوطنية المتردية والمشهد السياسي الفلسطيني وطبيعة القيادة المتنفذة وأدائها , يستوقفنا من وحي هذه المناسبة كيف كان الشهيد يعلي قيمة الكفاح والمقاومة والعنف الثوري والتنسيق الأمني مع كل من يمكن أن يوظفهُ لمصلحة القضية الفلسطينية بهدف زيادة كلفة الاحتلال (بشرياً وأمنياً وعسكرياً واقتصادياً) بملاحقة العدو في كل مكان بينما نرى اليوم للأسف واقع التفاوض العبثي والتعاون الأمني الرسمي والفردي مع العدو وما يترتب عليه من زج لمناضلين في السجون، وأن يصبح التفاوض والتنسيق مع العدو وجهة نظر لا غير عند البعض.

ما أحوجنا إليك اليوم يا وديع لإعادة بوصلة الثورة لمسارها الحقيقي لمواجهة عدو يستحيل تحقيق السلام والتطبيع معه.

نشاهد اليوم مسلسل التعاون الأمني والتباهي بإحباط العمليات الفدائية بدل ملاحقة العدو في كل مكان، لقد وصلت حالة الهوان الوطني إلى حد اعتقال القائد أحمد سعدات ورفاقه والشوبكي الذي ترتب عليه اختطافهم من سجون السلطة في اريحا واعتقالهم في سجون الاحتلال.

وديع حداد لم يعرفك الكثير من جيل الشباب اليوم لكنّ اسمك وطيفك وفعلك وشعارك ( وراءالعدو في كل مكان) محفوراً في الذاكرة الوطنية والقومية والاممية مع ثوريين كبار مثل جيفارا وكثيرون, وأنت الذي وُصفت الرجل الأخطر في العالم يوماً ما .

توفي وديع حداد في الثامن والعشرين من شهر آذار عام 1978- ودفن في العراق في 1/4/1978 بعد أن ظهرت عليه أعراض سرطان الدم منذ عام 1977م وخضع للعلاج في ألمانيا في 1/3/1978م وقد كان تشييع الشهيد وديع الذي أبّنه فيه رفيق دربه جورج حبش مظاهرة وطنية وقومية عكست المكانة التي يجسدها في قلوب شعبه وامته العربية.

 وإن الروايات اختلفت عن قتل الشهيد وديع حداد بين الأشعة والتسميم في الشكولاتة فإنه بات بحكم المؤكد أن الموساد الصهيوني هو من كان المسؤول عن تصفيته وقتله0 وهذا ما اعترفت به أوساط صهيونية بعد خمسة وعشرين عاماً على جريمتهم.

وديع حداد مناسبة استشهادك فرصة لإعادة فتح الحساب مع أعداء شعبنا من الإمبرياليين والصهاينة والرجعيين العرب وأعداء الشعوب بأن يبقى جوهر شعارك (وراء العدو في كل مكان) وبما ملكت أيدينا ماثلاً أمامنا، لمواجهة ومقارعة عدو عنصري صهيوني يمارس القتل والاجرام وارهاب الدولة بحق شعبنا وأبنائه قتلاً وحرقاً بدم بارد.

في ذكرى استشهادك نجدد العهد والوفاء لك ولكل الشهداء.  لروحك الطاهرة السلام ....

بقلم : وديع أبو هاني
إعلامي فلسطيني - دمشق

28-3-2016