Menu

عن الانتفاضة المغدورة

خالد بركات

قبل عام ولدت انتفاضة فلسطينية من قلب القدس وانتشرت في مئات نقاط المواجهة والاشتباك مع العدو الصهيوني عمادها الأساسي الكادرات الوطنية الشابة (العمالية والطلابية) ولكنها -للأسف-ظلت يتيمة بلا حاضنة سياسية واجتماعية.

لم تعثر الانتفاضة على قيادة وطنية موحدة، ولا عثرت على جدار يسند ظهرها. حوصرت من الداخل، أولاً، قبل أن يجرى خنقها، ثم اغتيالها. حدث ذلك مع بدء طرح السؤال العقيم الخبيث: هل نُسميها انتفاضة أم هبة شعبية ؟! 

وسواء كانت انتفاضة أم هبة، الأمر سيان، لأن السؤال الحقيقي هو: كيف نوفر ركائز صمودها واستمرارها وتطويرها؟ وليس البحث في " ماهيتها " والهروب من الواجب الى التشكيك فيها وتكسير أذرعها وتحديد سقفها النضالي!

في العام المُنصرم قدّم الشعب الفلسطيني حوالي 19 ألف جريح و283 شهيد وآلاف الأسرى ونفذّت طليعته المُسلحة (أفراد ومجموعات) عشرات العمليات البطولية، واخترعت الجماهير أشكالاً جديدةً في المقاومة الشعبية أربكت حسابات العدو. لقد هبطت مؤشرات اقتصاد العدو في السياحة والاستثمار والصناعة والبناء وخسر عشرات العقود التجارية بسبب " سوء الأوضاع الأمنية في البلاد " فضلاً عن حالة الهجرة المعاكسة التي بدأت ترتفع.

وفرت الانتفاضة فُرصة تاريخية للقوى الوطنية والاسلامية، ربما لن تتكرر في المدى القريب، للانتقال من حيّز الأزمة والتفكك الى دائرة المبادرة والفعل والوحدة الوطنية. لكن جرى اهدار هذه الفرصة وتبديدها، عن قصد. وإلا كيف سيظل للبعض دوراً وموقعاً في السياسة؟ كانت أصوات المحاور في الاقليم في رأس الفصائل أعلى من صوت وصراخ الانتفاضة.

أشاعت الانتفاضة أجواء نضالية جديدة وحالة وطنية متقدمة في التضامن الشعبي، وكان من الممكن أن يجري تطويرها والافادة منها على طريق ترتيب البيت الفلسطيني واستعادة المبادرة السياسية. إن النظرة الاستخدامية الضيقة لتحسين شروط التفاوض مع العدو، ظلت هي الرؤية الفلسطينية الرسمية التي حكمت العلاقة مع هذا الحدث التاريخي الكبير.

جاءت الانتفاضة لتكشف الحالة الفلسطينية وتفضح العجز السياسي والقيادي.

 إن الدرس الذي يجب استخلاصه اليوم: حتى تنتصر مقاومة فلسطينية شعبية/ مسلحة ضد المحتل الصهيوني يجب أولاً القطع مع مرحلة أوسلو بكل اشتراطاتها وقيودها.

الطبقات الشعبية المفقرة تدفع وحدها الثمن بينما القرار السياسي في قبضة القصر وفي مقر المقاطعة التابعة. إن من يقدم التضحيات هو الذي يجب أن يحدد ماهية البرنامج السياسي والمجرى العام للموقف الفلسطيني ويشارك في صنع القرار السياسي.

لا يقاس تاريخ الشعوب بسنة واحدة، لذلك نقول: حتى لا تذهب تضحيات شعبنا إلى التلاشي والتبديد والضياع يجب البدء في تأسيس جبهة وطنية فلسطينية مُوحدة، تنطلق مع فجر المئوية الثانية للنضال الفلسطيني في مواجهة الاستعمار والصهيونية، وبدل أن يكون عام 2017 عام الدولة الفلسطينية الوهمية التي لن تأتي ليكن عام 2017 عام تجدد جذوة النضال الوطني والقومي من أجل العودة والتحرير ...وعلى قصيري النفس التنحي جانباً.