Menu

رباعية العقبة وثنائية الجبير

د. يوسف عبدالحق

بقلم د. يوسف عبدالحق

لم تعد المرحلة التي تمر بها القضية الفلسطينية بحاجة الى مقالات مطرزة وموشحه من هنا وهناك. رباعية العقبة في آذار 2016 ( الولايات المتحدة، مصر ، الأردن والأبارتهايد الاسرائيلي)  كشفت المستور، فقد  تحدثت بشكل حاسم حول القدس موحدة عاصمة للدولتين وهذا بعني بوضوح تام تسليم القدس كل القدس للسيادة الاسرائيلية ، وحول عودة اللاجئين الفلسطينيين الى أي مكان لا يؤثر على التركيبة السكانية الاسرائيلية أي إلغاء حق عودتهم الى ديارهم الأصلية كما نص عليه القرار الأممي 194، وأكدت على بقاء تجمعات المستوطنات الاسرائيلية  أي تمكين الأبارتهايد الاسرائيلي الاحتلالي في تقطيع ما تبقى من فلسطين الى كانتونات، وأقرت تبادل الأراضي وهو ما يدعم المستوطات الاسرائيلية في خلق كانتونات فلسطينية هنا وهناك ، ثم خولت  الأبارتهايد الاسرائيلي  صلاحية العمل الأمني في كل مكان فلسطيني أي أنها حكمت الأمن الاسرائيلي في الكانتونات الفلسطينية،  

 أكدت رباعية العقبة يهودية دولة ا والأبارتهايد أي أن فلسطين هي إرض يهودية ومن يسكنها من غير اليهود هم طارؤون لاحق لهم فيها رغم أنهم هم سكانها الأصليون. وقد استندت في ذلك  الى قرار التقسيم 181، وهذا تنطع سخيف بالقرار وخداع مكشوف لجوهره. ذلك أن القرار المذكور نص في القسم 1 منه ( مستقبـل دستور وحكومة فلسطـين) بند أ فقرة 3   "ستقوم في فلسطين بعد  شهرين من الجلاء التام للقوات المسلحة للسلطة المنتدبة على أن لا يتجوز ذلك الأول من أكتوبر١٩٤٨، دولتان مستقلتان عربية ويهودية، والنظام الدولي الخاص بمدينة القدس، وتكون حدود كل منها كما وضعت في القسم الثاني والثالث أدناه"، فالنص يقر في نصه وحوهره  أنه يتعامل مع فلسطين وبالتالي يكون المقصود باليهودية او العربية أو حتى النظام الدولي الخاص في النص هو الحكم على هذا الجزء أو ذاك وليس كما يحاول التحالف الصهيوني الأمريكي الامبريالي تمريره كدولة يهودية لا وجود لفلسطين أرضا وشعبا أي أثرفيها. بل وحتى لو سلمنا جدلا بادعائهم فهم قد تجاهلوا معظم النص وجوهره  الذي يتحدث عن حدود كل دولة وعن حدود النظام الدولي الخاص بمدينة القدس وهم بذلك يضربون بعرض الحائط بقرار الأمم المتحدة نفسه الذي يستندون له بل وبميثاق الأمم المتحدة وقراراتها وكذلك بالقانون الدولي الانساني.

أعلنت رباعية العقبة  أنه تبعا لما سبق يتم إنهاء جميع المطالب بين الطرفين، أي يسقط الجانب الفلسطيني كل حقوقه بعد ذلك مقابل الكانتونات. ولعل أخطر ما في هذه الرباعية تجرؤ بعض القيادات العربية على التواطيؤ مع التحالف الصهيوني الامريكي الامبريالي  لاستبـعاد القيادة الفلسطيـنية من تمثيل شعبـها في الحوارات الدولية وهذه سابقـة تاريخية خطيرة لم ترد في تاريخ الثورة الفلسطينية منذ قرار مؤتمر القمة في الرباط عام 1974  خاصة أن كيري وزير خارجية الولايات المتحدة آنذاك كان قد التقى الرئيس عباس في عمان صبيحة عقد هذا المؤتمر دون أن يخبره بذلك كما اشارت بعض الأخبار، وحتى لو تم ابلاغ الرئيس عباس بالمؤتمر فإن عدم حضوره تعني موافقته على استبعاده وهو أمر أكثر خطورة على المسار السياسي الفلسطيني من عدم علمه. والأدهى والأمر أن كل هذه العطايا والهبات  والتنازلات رفضتها الحكومة الاسرائيلية وذلك على قاعدة أن الاستعمار لا يشبع طالما القطعان امامه لا زالت تركع.

يستند الأبارتهايد الاسرائيلي في رفضه لما سبق و تمسكه  بحريته في ابتلاع فلسطين وشعبها ليس فقط من رباعية العقبة بل وايضا من الثنائية التي كشف عنها  الجبير وزير الخارجية السعودية في مؤتمر ميونيخ الأمني الذي عقد قبل حوالي اسبوع، الأولى  ما صرح به في المؤتمر حين  قال في كلمته  إن إيران أكبر دولة راعية للإرهاب في العالم، والثانية حين أجاب  على سؤال صحفي حول امكانية تحالف السعودية مع الأبارتهايد الاسرائيلي في مواجهة ايران حيث قال "لا أعرف"، ويعني هذا الجواب لهذا السؤال أن التحالف في الحقيقة قادم ويحتاج الى من يكشف عنه من رأس النظام ،إذ أنه لوكان الجواب لا لأجاب الجبير ببساطة وقال لا . تم ذلك دون أي اشارة الى  الأبارتهايد الاسرائيلي المستمرفي جرائمه بالارهاب والتطهير العرقي الذي يمارسه ضد فلسطين وطنا وشعبا منذ حوالي مائة عام. إن هذا يعني بصراحة الموافقة على سياسة الايارتهايد الاسرائيلي في ابتلاع فلسطين أرضا وشعبا.

إذا أضيف لىما سبق  موقف الامبريالية الأمريكية الصريح الذي عبر عنه الرئيس ترامب بقوله أن "حل المشكلة الاسرائيلية – الفلسطينية لا يقتصر على حل الدولتين فقط  بل هناك حل الدولة الواحدة أو أي حل يتفق عليه الطرفين"، وهو ما يعني تعويم الموقف بشكل يطلق يد الأبارتهايد الاسرائيلي الاستعماري ليبشع في تصفية القضية الفلسطين أرضا وشعبا، فإن أي متابع لما يجري في المنطقة يدرك من خلال ذلك تمام الإدراك ،أن الأبارتهايد الاسرائيلي يعيد الصراع الفلسطيني العربي – الاسرائيلي الى جذوره الأصلية باعتباره صراع وجود لا حدود مترافقا  مع التجاهل المتعمد للقيادة الفلسطينية برمتها مستقويا بحلفه الامريكي وبتواطؤ بعض العرب وعجز بعضهم الآخر. من هنا اندفعت العنصرية الاسرائيلية لتشرع اغتصاب الأرض الفلسطينية باقرارها قانون تسوية أرض المستعمرات والذي يمنح المستعمرين حين يستوطنون أرضا يدعون أنهم لا يعلموا أن هذه الأرض هي للفلسطينيين، حق تعويض الفلسطيني أو منحه ارضا بديلة إضافة إلى أن هذا القانون يمنح الحكومة صلاحية مصادرة أي ارض فلسطينية مالكها غير معروف.

في ظل هذا الوضع الجديد القديم تجد القيادة الفلسطينية بمختلف أطيافها ومعها الشعب الفلسطيني أمام استحقاق كان يجب ان يتم البحث فيه قبيل الانتفاضة االثانية عام 1999 حين انتهت نظريا المرحلة الانتقالية دون التوصل الى الحل الدائم الذي فهمته القيادة الففلسطينية الموقعة على اتفاقية أوسلو من طرفها فقط، على أنه قيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود حزيران 67 . كان يجب أن يدفع هذا الخطأ الجوهري القاتل من قبل فريق اوسلو فور انكشافه في ايار1999، بالقيادة الفلسطينية برمتها وفي مقدمتها فريق اوسلو ، الى استحقاق أساسي يتمثل في إعادة النظر جذريا في السياسة الفلسطينية بما يكفل حماية الشعب الفلسطيني والحفاظ على انجازاته وحقوقه الوطنية والمشروعة الثابتى غير القابلة للتصرف.

واليوم وبعد مرور 18 عاما على الاصرار المتعمد والعنيد من قبل فريق اوسلو على  تجاهل هذا الاستحقاق الأساسي، يمكن القول وبثقة كبيرة أن الفرصة لا زالت رغم ضيقها، متاحة حتى اليوم. ويتمثل هذا الاستحقاق باختصار في مراجعة المسيرة الوطنية وإعادة الاعتبار للمشروع الوطني الفلسطيني عبر إعادة بناء م.ت.ف بميثاقها الوطني قبل التعديل وعلى اساس برنامج عمل يهدف الى تحقيق الحقوق الوطنية المشروعة والثابتة غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني في العودة والحرية وتقرير المصير على أرضه. ويستلزم إعادة بناء م.ت.ف وفق ما سبق  قيام الرئيس عباس بدعوة الاطار القيادي المؤقت لتفعيل م.ت.ف الى  الانعفاد الدائم حتى يتم تشكيل مجلس وطني توحيدي جديد بالانتخاب وفق مبدأ التمثيل النسبي  وبالتوافق في المواقع التي يتعذر فيها ذلك. يتولى المجلس الوطني التوحيدي الجديد ل م.ت.ف  باعتباره المرجعية العليا للشعب الفلسطيني، علاج كل المشاكل الداخلية الفلسطينية،  وبرسم السياسات العامة ل م.ت.ف لحشد كل الطاقات الفلسطينية والعربية والاسلامية والعالمية  في مواجهة التحالف الصهيوني الامبريالي الأمريكي. إن الرائي للوضع الفلسطيني الراهن بكل أبعاده وتاريخه يجد نفسه يردد "ما أشبه الليلة بالبارحة" فحين كانت الهيئة العربية العليا لفلسطين تحتضر، جاء تأسيس م.ت.ف رافعة لحماية الشعب الفلسطيني. ثم تلا ذلك هزيمة 67 التي دفعت بالقوى الفلسطينية حينذاك لتتصدى للهزيمة من خلال إعادة بناء م.ت.ف لتقود النضال الفلسطيني بجدارة لا يستهان بها بشكل مكنها من أن تنتزع  من العالم في السبعينات من القرن الماضي  وهي في عز قوتها اعترافا دوليا بالحقوق الوطنية المشروعة والثابتة غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني. واليوم تعصف بنا جريمة أوسلو التي أهلكت الزرع والضرع وهو ما يستلزم  يقظة فلسطينية جديدة لإعادة بناء م.ت.ف على غرار ما تم بعد هزيمة 67 ، وإلا فإن الشعب الفلسطيني الذي اثبت عبر قرن من النضال أنه عصي على الزوال وأنه ولّاد غير عاقر، قادر عاجلا أوآجلا، على تجاوز هذه المصيدة والمبادرة الى تولي الأمور بنفسه معقبا خلفه كل القيادات المترددة وحينها سيكتب التاريخ " جاجة حفرت على راسها عفرت"!!!

--------------------- 

  • محاضر جامعي، yosibrahaq@ yahoo.com