Menu

معاليه أدوميم هل ستكون المسمار الأخير في نعش الدولة؟

أحمد مصطفى جابر

معاليه-أدوميم

على الطريق القديم الرابط بين القدس وأريحا بنى العثمانيون في القرن السادس عشر استراحة للمسافرين، تسمى الخان الأحمر.

المكان اليوم منطقة بدوية يعيش فيها الفلسطينيون الذين طردوا في الخمسينيات من منطقة تل عراد في النقب، وهم اليوم مهددون بالطرد من جديد رغم أن المخطط الحالي ليس هو بداية الطرد الثاني، فالقصة بدأت قبل ذلك بكثير، وهي أوسع من هذا بكثير، فهذه المنطقة الاستراتيجية تتمتع بمكانة مركزية في رسم الخرائط المستقبلية وتبدو كما كل قضايا التوتر واقعة على حافة الحرب والسلام.

أراضي الخان الأحمر، التي تتبع خراج العيزرية شرق القدس أساسا، تم الاستيلاء عليها منذ عام 1975، ليقام عليها عام 1977 مستوطنة معاليه أدوميم على بعد سبعة كيلومترات من القدس كأول بلدية-مدينة استيطانية، بعد أن بدأت كمعسكر للعمال، سرعان ما أًصبحت ذات أولوية قومية للحكومات الإسرائيلية المتعاقبة ما يعني تسهيلات كبيرة في الاستيطان ومنحه، والبناء والتملك والقروض وفرص العمل، لتتحول اليوم إلى مستوطنة كبرى بأربعين ألف مستعمر يعمل معظمهم في القدس وتل أبيب.

خطط ضم معاليه أدوميم ليست جديدة، فهي جزء من المخطط التاريخي السياسي والعسكري ولتهويدي الديني، فهي تقع فيما يسمى (صحراء يهودا) وهي في أيدلوجية اليمين القومي المتدين جزء من أرض الميعاد التي تم (استعادتها) عام 1967.

المشهد الكامل:

وضعت إسرائيل نصب عينيها بعد عدوان 1967 التمسك بمبدأ عدم العودة إلى حدود الرابع من حزيران مازجة الحجج الأمنية بادعاءات اقتصادية ودينية، وسعت في هذا السياق لخلق حقائق أمر واقع عبر الاستيطان المكثف تحت سياسة (الضم الزاحف)للأراضي العربية مركزة طبعاً على مدينة القدس بهدف فصلها عن محيطها العربي في الضفة الغربية، وإعادة هيكلتها في الطريق إلى تهويدها نهائياً.

وقد حددت حكومات الاحتلال أربعة اعتبارات لسياسة الاستيطان بعد حرب 1967 واحتلال القدس والضفة الغربية، وقطاع غزة، الاعتبار الأول يرتبط بالحاجات الأمنية والسياسية وهذا جوهر بناء ما يسمى غلاف القدس، ومن ثم الحاجز الشرقي الأساسي وخط الدفاع الأول لإسرائيل شرقاً.

والاعتبار الثاني هو الحاجات الاقتصادية ربطاً بالاستيلاء على محاور الطرق والأراضي الخصبة، والمياه الجوفية، والاعتبار الثالث مطالب قوى الاستيطان وهو اعتبار أيديولوجي جوهرياً ترتبط به نشاطات منظمات الاستيطان الصهيونية في القدس، وحول المسجد الأقصى تحديداً وفي الخليل على وجه الخصوص، والاعتبار الرابع توزيع السكان ديمغرافياً (التهويد) على قاعدة الاستيلاء على أكبر جزء من الأرض وأقل عدد من السكان العرب.

ولخصوصية القدس، وللاعتبارات السابقة قامت بنى الاستيطان فيها على قاعدة الوصل ـ الفصل، حيث تقوم مشروعات الاستيطان على إستراتيجية ربط المستوطنات ببعضها ومع الكتلة اليهودية غرب المدينة، وفصل الأحياء العربية عن بعضها بهدف عزلها وحصارها ومن ثم تذويبها بالترافق مع فصل القدس عن محيطها العربي.

وهذا المشروع في مسودته الأولى والأساسية التي ما يزال يبنى عليها حتى الآن، أطلق منذ الأيام الأولى لاحتلال القدس على يد حكومة ليفي أشكول (من خلال وزير العمل فيها آنذاك يغيئال آلون)، الذي وضع مشروعاً استيطانياً بأبعاد سياسية تتمحور حول التعايش الأساسي وهو عدم العودة لحدود 1967. وقد تضمن المشروع أن الاستيطان الكامل سيغطي الجزء الشرقي من القدس، لأنها تعتبر (العاصمة الأبدية لإسرائيل) وكونها تشكل قيمة دينية وأيديولوجية لليهود، كما أن إسرائيل ستستمر بالسيطرة على المناطق الإستراتيجية التي تحددت بغور الأردن، وبعض المناطق المتاخمة للخط الأخضر بما يساوي 40 % من مساحة الضفة الغربية.

وعملية الضم للأراضي والسيطرة على القدس سوف تترك كانتونين فلسطينيين، الأول (شمالا والثاني جنوبي القدس، يرتبطان بمعبر ضيق يوصلهما إلى أريحا ثم الأردن، منزوعي السلاح ومحاطين بحزام من المستوطنات الزراعية والعسكرية، بحيث تكون القدس يهودية موحدة، ومفصولة عن التجمع السكاني الفلسطيني الذي سيترك إما خلف الجدار، أو معزولاً في بؤر منفصلة يسهل القضاء عليها وتذويبها.

ترتبط هذه الخطط أصلا بمشروع شارون الذي يضع الضفة الغربية ضمن الخط الأمني الشرقي لإسرائيل، وقد اقترح (شارون) إنشاء ثلاث كتل استيطانية، تكون الأولى حول القدس (غلاف القدس) والثانية شمال الضفة تشكل حاجزاً بين الفلسطينيين وداخل (إسرائيل) والثالثة حول الخليل و بيت لحم (مؤخراً قررت إسرائيل بناء كتلة استيطانية جديدة ستفصل الخليل عن بيت لحم، كما قررت اعتبار    برية الخليل ذات أهمية قصوى لأمن إسرائيل وبالتالي الاستيلاء عليها).

مكانة معاليه أدوميم

تحتل المستوطنة مكانة مركزية في خطط التوسع والضم الإسرائيلية وقد أدرجت سابقا ضمن وثيقة جنيف ضمن الأراضي التي ستخضع لتبادل، ومكانته تنبع من موقعها في الحاجز الشرقي وبوابة الدفاع الشرقي بالنسبة لدولة اسرائيل، حيث أن ضمها يعني توسع الحدود الإسرائيلية إلى البحر الميت والأغوار، كذلك سيتم ربطها مع مستوطنات القدس الشرقية عبر الاستيلاء على المنطقة E-1 (شرق-1). وبذلك ستحدث طفرة ديمغرافية في القدس لمصلحة المستوطنين الصهاينة إذ بضم معاليه أدوميم وبسغات زئيف سيرتفع عدد المستوطنين إلى 350 ألفا.

أقيمت معاليه أدوميم أصلا على مساحة 12 كلم من أصل 35 كلم تم الاستيلاء عليها في حينه، وقد وضعت قيد استهداف الضم منذ سنوات وكشف عن المخطط منذ تسع سنوات عبر تحقيق لمنظمة بتسيلم، وتنوي حكومة العدو تأمين جسر جغرافي يربط المستوطنة بالقدس الشرقية (بسغات زئيف) عبر الاستيلاء على منطقة E-1 التي تبلغ مساحتها 12 كلم مربع، وصولاً للربط مع مستوطنات غور الأردن باعتباره كما ذكرنا الحاجز الشرقي الأساسي وخط الدفاع الأول لإسرائيل شرقاً. ورغم إنه لم يتم ضم معاليه أدوميم رسميا إلا أن العمل في منطقة E-1 يقوم على قدم وساق حيث تم الانتهاء من البنى التحتية وسلسلة الجسور والأنفاق وبني مقر القيادة ومقر الشرطة .

وقد تم تأجيل مناقشة مشروع الضم أكثر من مرة آخرها هذا الأسبوع (الأسبوع الأول من مارس 2017) حيث طلب مكتب رئيس الحكومة من النائبين يوفال كيش (الليكود) ويتسلئيل سموتريتش (البيت اليهودي) تأجيل عرضه على اللجنة الوزارية للتشريع أسبوعا آخر ارتباطا على ما يبدو بتعقيدات موقف الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي، والاعتراض الفلسطيني القوي، حيث أن هذا المشروع سيقضي تماما على أمل قيام دولة فلسطينية متصلة جغرافيا وسيقطع تماما –عدا ممر ضيق- بين جنوب الضفة وشمالها، ناهيك أصلا عن أن كتلة غوش عتصيون الاستيطانية ستفصل بين الخليل وبيت لحم والقدس.

طرد جديد:

بالنسبة لعرب الجهالين، الذين يشكلون الوجود الفلسطيني أخير في هذه المنطقة، والمستهدفين بالطرد، لن يكون هذا هو الاقتلاع الأول فقد سبق أن اقتلعوا من ديارهم الأصلية في تل عراد في النقب، في الخمسينيات، ومنذ ذلك الوقت يتعرضون لشتى أنواع التنكيل والمضايقة الحياتية بهدف نقلهم من جديد.

عملية الطرد الثانية والتي تمثل العملية الحالية موجة من موجاتها بدأت فعليا منذ عام 1967، حيث تم حصارهم ومنعهم من الوصل لإلى مناطق الرعي التقليدية وتدمير نمط حياتهم، ويعيش في المنطقة المستهدفة حاليا حوالي 300 فلسطيني من عرب الجهالين والكعابنة والسواحرة في 20 تجمعا سكنيا على طول شارع القدس – أريحا بجوار معاليه أدوميم.

يوم 19-2 المنصرم قامت الإدارة المدنية بتسليم إخطارات بهدم خمسين منشأة ومدرسة ومسجد في تجمع الخان الأحمر، وللأسف ردود الفعل الفلسطينية الرسمية تكاد لا تسمع.

لن يقتصر الأمر على E-1

الاستيلاء على المنطقة بعد ضم معاليه أدوميم سيتيح لإسرائيل استكمال خطة الاستيلاء على الأحياء التي لا يمكن التخلص منها (كونها تقع في قلب القدس) ولا يمكن عزلها خلف الجدار، كما وادي الجوز والشيخ جراح (شمال البلدة القديمة في القدس على الطريق الواصل بين الكتل الاستيطانية الشرقية وغرب المدينة) وبالاستيلاء عليها يكون العدو قد أمن تواصلاً آمناً بين مستوطنات القدس وشمال البلدة القديمة حيث الحي الإسلامي الذي لم يخترق بعد وأيضاً بين معاليه أدوميم والجزء الغربي من القدس، حيث الشيخ جراح بموقعه الإستراتيجي يفصل الجانب الغربي عن المحيط اليهودي ويشكل عائقاً للتواصل اليهودي بين غرب القدس وشرقيها، فهو يطل على الطريق الرئيسي الذي يربط كتلة (E1) في الجزء الغربي من القدس وبالتالي سيصبح طرد سكانه والاستيلاء عليه وتهويده هدفا استراتيجيا صهيونيا لا يحتمل التأجيل.

فما هي الخطة الفلسطينية المضادة إن وجدت، وما هي فعلا مكانة القدس في تفكير السياسي الفلسطيني الرسمي خصوصا أن الأمر لا يقتصر عليها بل يطال فكرة الدولة (المشوهة أساسا) التي يحلمون بها؟