Menu

قراءة أولية في محاولة إعراب فعل بليغ

سمعنا وأطعنا يا باسل.. سمعنا وأطعنا

أحمد مصطفى جابر

لن ننتصر لباسل بالبكاء، لو ركن باسل للحزن والنحيب على كل شهيد لما وصلنا إلى هذه النقطة، النقطة التي يمسك بها باسل بأجسادنا الهشة التي مالت إلى السكينة والاستسلام، يهزها بعنف ويصرخ في وجوهنا: إلى الاشتباك.. لا تعينوا عدوكم عليكم.. لا تكونوا كمن  يفتح نوافذ بيته للصوص..

درس باسل الأول والأساسي أن مازالت المقاومة ممكنة وما زال الطريق طويلا، وإن تطلب الأمر أن أكون أنا بلاطة فيه فليكن. والدرس الثاني  أن ندرك فكرة البداهة كما أدركها، إننا لا نستطيع أن نقاتل عدونا ونحن نصنفه ونفرزه ونضعه على درجات، الدرس الثالث  للفصائل التي تهاونت في إدراك فكرته، ولكل حر يأتي بعده: هو المقاتل الفرد الوحيد البديهي الفطري المبادر، لستم وحدكم من تحتكرون فعل المقاومة المسلحة، فإن لم تعودوا إلى سبيل الرشاد سيخرج لكم فدائيون من عروق الزيتون لا ينضبطون إلا لوجه فلسطين.. كأنهم ينبعثون من مجد أسلافهم.. من بنادق "جمعية الفدائية " و"الكف الأخضر" وأبو جلدة والعرميط والبيروتي.

الدرس الرابع والأكثر أهمية درس حرية الإرادة ووعي القرار في ظل واقع قسري مجاف، أدرك باسل كل المخاطر وأدرك معنى التقدم في زمن التراجع ولكنه كان يعمل في إطار مغاير، في إطار وعي الانتفاضة التي بشر بها فكان كل عمل مناهض يقوم به هو دليل جديد على زمن التقدم لا التراجع، هكذا فهم وحلل أفعال الشباب وسلوكهم الفدائي في زمن الانتفاضة، أليس هو الذي قال إن كل ثمن تدفعه في المقاومة ستقبض مقابله لاحقا لأن المقاومة جدوى مستمرة.

أخيرا وليس آخرا: وعي دور المثقف المشتبك، يشترط الصلة المباشرة والمندمجة في حياة الناس ومشاكلهم أولا ومعرفة عميقة بتاريخهم وتاريخ الأرض وإعادة إنتاج هذه المعرفة كأداة صمود ومواجهة وهذا ما فعله باسل بالضبط، الصيدلاني والمؤرخ والنشط  والمقاتل، المحرض والمتظاهر والسجين والمطارد ثم الفدائي الشهيد أين نجد درساً أكثر بلاغة؟

تلك رسالة باسل التي فهمناها ووعيناها، أن ننتصر له بإدامة الاشتباك وتجذيره، مقاتلة العدو ليل نهار في ساحات الاحتلال وفي منافينا البعيدة، لسنا معفيين من وصية باسل، أن نعيد تعريف عدونا وتعريف أنفسنا، أن نقتلع من صفوفنا كل عميل ومأجور ومساوم، وكل مدعي ثقافة يزين الوهم ويزيف الوعي ويبيع الترهات.

رسالة باسل إلى العدو وعملائه، رسالة فتى كان في السابعة يوم توقيع اتفاقية العار في أوسلو.. فما روضوه ولا أخضعوا ذاكرته، ينتصب في وجوههم وقد بلغت بهم النشوة أنهم منتصرون يرفع إصبعه الوسطى في وجوههم أن خسئتم.. فنحن لا نموت ولا ننسى ولا يمكن ترويضنا.. نحن خيول الحقيقة في برية التحدي لا يمكننا أن نستسلم.. ذلك ضد طبيعتنا.

لذلك يكره العدو وتكره عصابة أوسلو باسل وجيله، هؤلاء القادمين من فعل البداهة وفطرة الزيتون، خارج زمن الكفاح المسلح وارثه، لم يعرفوه ولكنهم أدركوا طبيعة الأشياء فصانوا الأمانة لذلك يكرههم العدو.

 أخذ باسل الفكرة.. وذهب بها إلى آخر الطريق، فأي فعل "أبلغ من فعل الشهيد" وما قيمة الجملة الثورية إن لم تتحد بالممارسة النضالية، المباشرة، العنيفة، ما قيمة المثقف إن لم يكن "قاطع طريق سياسي" في وجه الهزيمة والإذلال وكي الوعي الذي يستهدف فكرة صمودنا وبقائنا وتجذرنا في الأرض وعلى اسم فلسطين، ..ليس باسل أول المغدورين ولا آخرهم، ليس أول الفدائيين وعلى عاتقنا جميعا ألا يكون آخرهم، يا ويحنا وعارنا إن كان هذا، وعلى مسيرتهم الباسلة على درب مهند الحلبي وآل الجمل و نشأت ملحم ومعتز وشحة ومحمد الفقيه ومهند العقبي وعلى درب الباسل.. لا عشنا ولا كنا إن تركناهم يرتاحون في بلادنا.. فلنكن براغيث الزمن القادم.. ندميه ويدمينا نقتل منه ويقتل منا ولا نستسلم.. هل نفهم رسالة الباسل وندرك وصيته.. وأي وصية أبلغ من الكارلوستاف يزغرد في يد باسل.. أي وصية أبلغ من دمه.. لا عشنا ولا كنا إن تركناها تمضي هكذا..  نحفظ باسل ودمه، ونحكي عنه لأطفالنا وكل غريب يصادفنا، ونحيي ذكره في ليالي شتاءاتنا، نديم الاشتباك ونجذره بكل شكل بالكلمة وهي أضعف الإيمان. بالحجر بالقنبلة والبندقية... سمعنا وأطعنا يا باسل.. سمعنا وأطعنا.