Menu

"الهوية الفلسطينية" على طاولة الشهيد غسان كنفاني

من طاولة الشهيد غسان كنفاني

غزة - خاص بوابة الهدف

نظّمت بوابة الهدف الإخبارية، أمس الخميس، ندوة حوارية حول "سؤال الهوية الفلسطينية: الماضي والحاضر والمستقبل" في إطار محاولات "معرفة مدى تطلع الفلسطينيين إلى هويتهم" والإجابة على سؤال "كيف يعرّف الفلسطيني نفسه وكيف يعرّفه الآخرون".

وجاءت الندوة استمراراً للقاء الشهري الذي تُنظمه البوابة، تحت عنوان "طاولة الشهيد غسان كنفاني "، بينما شارك في الندوة الحوارية كل من د. ناصر أبو العطا ود. عماد أبو رحمة من قطاع غزة، والباحث أنطوان شلحت من الداخل الفلسطيني المُحتل عبر "سكايب"، في حين أدار دفة الحوار الكاتب والصحفي هاني حبيب.

وتناول حبيب في إطار تقديمه للجلسة الحوارية مجموعة من التساؤلات حول الهوية الفلسطينية وجذورها، وأبعاد تشكّلها عبر تاريخ مليء بالمتغيرات، من الثبات على الأرض والنزوح والشتات والهجرة ومن ثم مشروع تأسيس الدولة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة.

يبقى سؤال الهوية الفلسطينية على الرغم من بساطته بالغ التعقيد، الإجابات شائكة لكنها مستحقة للوقوف على مدى أهمية تعرّف الفلسطيني، أينما حلّ، على هويته الوطنية والثقافية وإدراكها.

وبادر حبيب بالسؤال إلى أبو العطا، حول الارتباط بين الهوية الفلسطينية والهوية القومية العربية باعتبار فلسطين جزءاً من الأخيرة، وحول التأثير المباشر على الهوية الفلسطينية للعثرات المتعلقة بالمسألة القومية العربية في السنوات الأخيرة.

بدوره، استعرض أبو العطا الارتباط التاريخي بين الهوية الفلسطينية بمحيطها القومي العربي عبر تشكلها وتكونها، منذ كانت مرتبطة ب سوريا التاريخية، وما كانت تعرف به فلسطين وسُمّي "سوريا الجنوبية" آنذاك، وحتى إدراك الحركة الوطنية الفلسطينية في ثلاثينات القرن الماضي لمخاطر الإمبريالية والاستيطان على أرض فلسطين، ومخططها الاستعماري في المنطقة، انتهاءً بحصاد الفلسطينيين عام 1948 وما تراكم إثر النكبة وما بعدها من تشكّل للمشروع الوطني الفلسطيني.

وقال أبو العطا أن حالة الوعي المبكر بتلك المخاطر لدى الفلسطينيين ساهمت في بلورة مجموعة من الأحزاب الفلسطينية السياسية التي تجلّى خطابها في أبعاد التحرر من الانتداب البريطاني والاستقلال، فيما فرضت النكبة منحىً من التشظي يدفع للبحث عن سؤال الهوية الفلسطينية.

ولفت أبو العطا إلى التمازج الذي حدث بين تطلعات الفلسطينيين إلى البحث عن الهوية، والمد القومي السائد في ذلك الوقت، فيما انعكس ذلك في مجموعة اتجاهات، منها ما هو قومي وإسلامي ويساري وبعثي، وفي نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات تشكّلت نواة البحث عن "هوية وطنية فلسطينية"، تم التعبير عنها في الأول من يناير عام 1965، عكست الجهود التاريخية للفلسطينيين، ومثّلت الشعب الفلسطيني المتطلع نحو التحرر.

وانتقل الحوار خلال الندوة، من الاستعراض التاريخي لتكوين الهوية الوطنية والسياسية الفلسطينية، إلى التباين النسبي الحاصل في مستويات الهوية الفلسطينية بين حدود الجغرافيا والسياسة والثقافة للمجتمع الفلسطيني المُناط به تعريف الهوية الفلسطينية والتعرف عليها، والمُشتت بفعل النكبة في عدة أماكن عربية وعالمية، وفي ظل هذه الحالة المستمرة حتى اللحظة، طُرح السؤال حول إمكانية الحديث عن مجتمع فلسطيني موحد ومتصالح ومشترك.

من جهته، حدد د. عماد أبو رحمة عوامل تأزم ولادة الهوية الفلسطينية في ضوء المعطيات والأحداث في السابق وحتى الفترة الراهنة، وذلك نتيجة غياب هيئة سياسية كيانية تعبر عن كل الشعب الفلسطيني، وغياب الحيز الاجتماعي الذي يمكن من التفاعل الذي ينشأ عنه مجتمعٍ قادر على توفير التطابق بين الحدود الثقافية والحدود السياسية التي نشأت نتيجة حالة التشتت.

وأضاف "منظمة التحرير وفّرت إطار وطني جامع يعبر عن كل الفلسطينيين، ما يشبه تشكّل حالة الوطن المعنوي، وتطلعت بدور إعادة صياغة الهوية الفلسطينية التي تنطلق من معطيات النكبة، ثم لاحقاً حرب 67".

وأشار د. أبو رحمة إلى أن دخول المنظمة لمشروع التسوية السياسية أحدث تحولات أساسية، وشكّلت أحد عوامل التأزيم عبر اتفاق أوسلو و تشكيل السلطة الفلسطينية، ما أدى لتراجع دور منظمة التحرير، وأثر ذلك على تعبيرات الهوية الفلسطينية. قائلاً "تبني مشروع التسوية السياسية يعني أننا بصدد مشروع آخر يريد تقرير مصير جزء من الشعب الفلسطيني، مشروع يخُص الضفة و غزة فقط، فماذا عن اللاجئين وفلسطينيي الداخل المحتل؟".

وتطرق أبو رحمة إلى التحولات التي تبعت التحول في المشروع الوطني إلى التسوية السياسية، والتي بدورها "أكدت أننا بصدد إشكالية حقيقية، فالذي جرى أننا كنا أمام حكم ذاتي منقوص، تخلله الكثير من مظاهر الخلل المؤسسي والفساد في الأداء الداخلي الفلسطيني، وهو يؤدي إلى تراجع التمسّك للمواطن بهويته، على ضوء فشل القيادة في التأكيد على تعبيرات الهوية الفلسطينية وبروز الهوية الدينية".

وقال د. أبو رحمة إن الهوية لا توجد بمعزل عن ممثلين اجتماعيين وسياسيين، وأن منظمة التحرير برزت كممثل للبُعد الوطني في الهوية الفلسطينية، وكان لها تعبيرات سياسية، وعندما تتراجع منظمة التحرير لا يتم التعبير عن هوية فلسطينية جامعة لكل الفلسطينيين في إطارها، وأن ما حصل من خلال مشروع التسوية السياسية هو شكل من أشكال تصفية مفهوم الدولة والتحرر.

وعلى ضوء الوجود الوطني المعبّر بالنسبة للفلسطينيين، عن جوهر الوطنية الفلسطينية، التي تمد جذور الشتات بالانتماء إلى الأرض، تطرق الباحث والناقد أنطوان شلحت خلال الندوة إلى إشكالية الهوية الفلسطينية في الأراضي الفلسطينية المُحتلة منذ النكبة وحتى هذه الأيام تحت دولة الاستعمار الصهيونية على أرض فلسطين.

ولفت الكاتب شلحت إلى أن المجتمع الفلسطيني ومنذ عام 48 تعرّض من خلال إجراءات صهيونية وخطوات ذات أبعاد قانونية استعمارية، عملت على تشتيته بين "الدروز والعرب والبدو" وحاولت تفتيت الهوية والشعور الفلسطيني والعربي بالهوية الوطنية والقومية، مُشيراً إلى أنه ما زال الشعب الفلسطيني بأبعاده المختلفة يشعر بالانتماء الوطني الفلسطيني بصرف النظر عن الجهد الصهيوني المبذول في إبادة كل ما هو عربي فلسطيني في كيانه.

واستعرض الكاتب شلحت "مراحل موضوع سؤال الهوية بالنسبة لفلسطينيي الداخل المُحتل"، بدءاً بالمرحلة الأولى من فترة ما بعد النكبة وحتى حرب الـ67، إذ كان الفلسطيني خاضعاً لحكم عسكري شديد.

وقال "كان الفلسطيني معزولاً عن كل محيطه القومي والثقافي، وفي ظل مثل هذا الوضع، كان من الطبيعي أن يتعرض لحملة هجوم شديد على هويته القومية والوطنية، وأيضاً في تلك المرحلة كانت هناك قوى سياسية وقوى ثقافية سعت لعدم التمسك بهذه الهوية، وأن تتكيف مع المجتمع الجديد الذي قام على أنقاض الوطن الفلسطيني، ولكن هذا المجتمع الجديد (يقصد الاحتلال الصهيوني) أقام كيانية قائمة على رفض كل ما يُعبّر عن أي وطنية فلسطينية، بل وأنه لم يكن من الممكن التكيف بالشروط التعجيزية التي وضعها لبقاء الفلسطيني في أرضه تحت مظاهر سياسياته الاستعمارية".

وأضاف "بقي الفلسطينيون في الأراضي المحتلة عام 48 يبحثون عن هويتهم، والهوية لم تكن قد تبلورت بما فيه الكفاية، ورغم أن حرب 67 حملت نكسة للعرب، لكنها أعادت التواصل بين الشعب الفلسطيني المتمزق"، مذكّراً بالهوية الفلسطينية الجامعة لكل الفلسطينيين، والتي تعززت عام 1976 من خلال هبة يوم الأرض.

ووصولاً إلى الفترة التي انبثق اتفاق أوسلو فيها عن مشروع التسوية السياسية، قال شلحت "أصبحنا نعاني من تهميش مضاعف من جانب إدارة الاحتلال من جهة، ومنظمة التحرير من جهة أخرى"، جراء ما اقتضى تطبيق الاتفاقيات المجحفة بحق الفلسطينيين فقط على سكّان الضفة الغربية وقطاع غزة، فيما همشت الاتفاقيات وضع الفلسطينيين في كلٍ من الداخل المُحتل والشتات.

وفي إطار مساعي الاحتلال لإيجاد ما يسمى بـ"يهودية دولة إسرائيل"، قال شلحت أن ذلك لا يعني أن الهوية الفلسطينية في خطر، فذلك ما قد يُغير ويعدل من حالة الاشتباك بين المواطنين ويأخذ بها إلى حالة صدام الهويات، وما ينشأ عنها من أدوات محتملة في طبيعة الصدام ذاته.