Menu

ثورة القيم والأخلاق

محمود الراس

في يوم الشهيد الجبهاوي نحن أحوج ما نكون إلى ثورة قيم وأخلاق تعيد بناء منظومة قيم الأخلاق الثورية واستنباتها ورعايتها وترسيخها في صفوف الشباب والمناضلين باعتبارها بوصلة ناظمة لتطور ثورتنا، وإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني بما يرفع من انتاجيته الكفاحية، ويعيد الاعتبار لمشروعنا الوطني الفلسطيني على أسس وطنية ديمقراطية مقاومة، فلا يمكن لنا الاستمرار والانتصار على القيم التي عممتها السلطة الفاسدة والمستبدة، ولا تلك القيم التي عممها أنصار الجبرية السياسية التي عزى منظروها أفعالهم وأقوالهم السياسية في محاولة لإعادة انتاج عجز العقل وإجترار الكلمات.

إن حفظ وصايا الشهداء عن ظهر قلب هي حفظ لكل مفردات الشرف والكرامة والعدالة، والتي ستتحول شيئاً فشيئاً لمقاومة وطنية شاملة تبدأ بفلسطين، وتنتهي بأحلام لا حصر لها من العدالة الاجتماعية، فتعزيز قيم التضحية والقدوة بالاستشهاد ستقطع الطريق أمام الأمراض الاجتماعية والتنظيمية التي استفحلت بالنظام السياسي، كما ستقطع الطريق أمام محاولات زرع الحلول الاستسلامية والتي تهدف لاستنزاف جبهتنا الداخلية وصرفنا عن حالة الاشتباك مع العدو الصهيوني، وسوائب مستوطنيه، وابتعادنا عن الوحدة وضرب لحمة المجتمع، وكل أشكال التعاضد والتكامل الاجتماعي.

لا انتصار للثورة والتغيير بدون أخلاق ثورية وترسيخها قولاً وفعلاً على أرض الواقع، من خلال الممارسة اليومية لكل الشباب الجذري والمناضلين الثوريين حملة لواء التغيير، فبعد سنوات من الانحطاط الأخلاقي، وتحطيم عالم القيم الإيجابية التي توارثها المجتمع وشجعتها ورعتها الانتفاضة الكبرى لشعبنا لا يمكن لهذه القيم أن تتحقق إلا عبر قيم مسلكية أهمها الزهد الثوري، وهو التعفف عن أي مصلحة مادية أو معنوية سوى المصلحة الثورية، وترسيخ مبدأ بأن الثوري أول من يدفع وآخر من يغنم، ولا يقتصر الزهد الثوري على الزهد المادي والمعنوي، بل يتعداه للزهد بالسلطة وتحرير الخطاب من لغة السلطة المستبدة وإشاعة لغة العقل، والتفاؤل مدركين بأن إشاعة اليأس والإحباط طعنة في خاصرة الثورة، وأن مبادئ الصدق والأمانة والمكاشفة والشفافية هي كلمة السر في مواجهة الفساد والمحسوبية والالتواء، والتحلل من قيم الأسرة والمجتمع.

إن ما نتج عن إشاعة قيم العجز واليأس في دوائر الشخصيات النخبوية المهيمنة على القرار من أجل البحث عن الذات والإساءة  للوطن من خلال الفساد والاستيلاء على المال العام، واختطاف القرار الوطني الفلسطيني،  والاستثمار بمقدرات شعبنا تتعارض مع منظومة القيم والأخلاق الثورية، وهي تستهدف بالدرجة الأولى ثورة شعبنا، ومحاولة تجريدها من أخلاقها وتحويلها إلى ثورة مخترقة من  قوى الجريمة المنظمة.

ولعل المتتبع لحجم وأشكال الأخلاق البديلة التي أحلتها السلطة محل الأخلاق، وكيف تحوّلت مجموعة من النخب الثورية وقوى الثورة لمجموعات من عصابات الجريمة المنظمة، التي استغولت على المال العام وحقوق الوطن والمواطن في رحلة البحث عن الذات، والمكاسب الذاتية بعيداً عن المصلحة الوطنية، لأدركنا حجم المخاطر الكبيرة والتحديات التي تعترض نضالنا من أجل التحرر الوطني.

في يوم الشهيد الجبهاوي وما يجسده فينا من معاني وقيم ودلالات علينا أن نمعن النظر في وصايا الشهداء لثلاث مرات الأولى لوعي معنى الخلود الذي يصرف عليه أثرياء العالم ملايين الدولارات بحثاً عن سر الخلود، والثانية لنعي بأننا أموات بلا قبور، وعلينا أن نبدأ رحلة البحث عن الحياة تلك الرحلة التي قطعها الشهداء ممن سبقونا في رحلة البحث عن الحياة، أما الثالثة لنعي ونتعلم كيف نصنع البطولة المتجددة، وكيفية تحويل الخلاص والخروج من دوائر ذواتنا نحو الحياة الحقيقية حياة النضال والمقاومة والزهد الثوري، والانصهار مع الجماهير، مستخلصين العبر من تضحيات الشهداء ومآثرهم، وكيفية تحويل أجسادهم إلى جسر أساسي، ومدماك على طريق الانتصار، مرسخين القيم الثورية والأخلاق القادرة على تحقيق هذا الانتصار، نماذج  تعاملت مع الواقع من خلال تقدمها الصفوف،  وهزمت الموت وصنعت خلودها الأبدي داخلنا، وأصبحت شعلة مضيئة في سماء الوطن والثورة.