Menu

الفلسطينيون واقع سياسي مأزوم ومهام راهنة

محمد جوابرة

بقلم / محمد جوابرة

تتعدد أوجه الأزمة التي يعيشها النظام السياسي الفلسطيني لتطال كافة جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية حتى لامست حياة كل فلسطيني بأبسط متطلبات حياته اليومية .. وتحولت آثار هذه الأزمة إلى أعباء ثقل حملها وتحولت إلى امكانيات لانفجار بوجه كل من يقف على رأس الهرم السياسي الفلسطيني. ففي ظل الوضع السياسي الدولي والعربي والذي يتسم بطابع تآمري على القضية الوطنية الفلسطينية ومحاولة الاستفادة من التناقضات القائمة باتجاه إنجاز أكبر قدر ممكن من المكتسبات السياسية التي من شأنها أن تنهي الصراع العربي الصهيوني على قاعدة تعزيز وتثبيت مكانة دولة الكيان الصهيوني وتعزيز دورها الاستعماري في المنطقة والضغط على الشعب الفلسطيني وقيادته الراهنة للإقرار بالهزيمة التاريخية والقبول بمعطيات سياسات الأمر الواقع التي يمارسها ويحاول الاحتلال فرضها من ناحية وحاضنته الاستعمارية الإمبريالية الأمريكية من ناحية ثانية والأنظمة العربية المرتبطة أساسا بالمشروع الصهيوني وجودا ودورا. ولكن كل ذلك لازال يصطدم ويواجه بمقاومة باسلة تعبر عن نفسها بالفعل اليومي للشعب والذي يتجلى في كثير من الأحيان بمبادرات فردية من شأنها أن تبقي جذوة الصراع قائمة . وهي وإن كانت فردية ومحدودة الفعل لكنها قادرة على خلط الأوراق وانعدام حالة التوازن والاستقرار لدى اصحاب المشروع المعادي . وكل ذلك بموازاة قوى مقاومة لازالت تحمل على عاتقها عبء المرحلة وتشكل حاضنة لكل فعل مقاوم تعمل على حمايته من التشويه والتقليل من أهميته باتجاه تعزيز مكانة محور مقاومة قادر على المواجهة ووقف حالة التدهور نحو المزيد من الانحطاط .

إن كل ما تقدم يستدعي من كافة الفلسطينيين بشكل خاص التقاط مفاصل العمل والمهام الملقاة على عاتقهم والذي يتطلب الارتقاء بمستوى الخطاب والعمل السياسي بما ينسجم ومتطلبات الواقع والمهام .. وهذا يبدأ أولا وقبل كل شيء بالبحث عن الخيارات السياسية والأدوات القادرة على التصدي لها . فإذا كان الهدف الاساسي للمعسكر المعادي استهداف القضية الوطنية باعتبارها محور الصراع فإن المطلوب مواجهة هذا الاستحقاق والذهاب باتجاه خيارات جديدة مختلفة عن منهج وأساليب العمل السياسي القائمة والتي تنحصر في إطار العمل التفاوضي والبحث عن آليات جديدة لمنح هذا الخيار جرعات جديدة من الحياة بعد أن ثبت عقمه وتحول إلى أدوات ووسائل يستفيد منها المحتل ومن يقف خلف مشروعه الاستعماري الاستيطاني العنصري لفرض المزيد من الوقائع التي تنسجم مع تطلعاته العدوانية .

ويمكن لنا في هذا السياق أن نؤشر إلى ثلاث شعارات ومحاور أساسية للمواجهة على النحو التالي :

أولا : العمل من أجل عقد مجلس وطني توحيدي .. الأمر الذي من شأنه أن ينهي حالة الانقسام القائمة على أسس وطنية وديمقراطية باعتباره أي المجلس الوطني هو المرجعية العليا للشعب الفلسطيني الذي يضمن المشاركة لكافة قوى وقطاعات الشعب على اختلافها وبالتالي التأسيس لانتخاب قيادة وطنية موحدة تنهي حالة التفرد وتمكن من صياغة برامج ورؤى وطنية واجتماعية مبنية على التمسك بالثوابت الوطنية الفلسطينية . وقد كان لاجتماعات الهيئة التحضيرية للمجلس الوطني في بيروت مؤشرا ايجابيا يجب العمل على استكمال أعمالها وعدم الخضوع لمنطق القوى التي تعمل على إعاقة الاستمرار بهذا المنحى في إطار سعيها للإبقاء على الصيغ القائمة التي تعزز هيمنة قوى بعينها على القرار الفلسطيني .

ثانيا : وقف التنسيق الأمني والالتزام بقرارات المجلس المركزي الفلسطيني التي تضمنت وقف المفاوضات وتعزيز العمل من أجل مقاطعة الاحتلال واستكمال العضوية في المؤسسات الدولية وفي مقدمتها التوقيع على اتفاقية جنيف الرابعة ومحكمة الجنايات الدولية . وهذا من شأنه أن يشق طريقا جديدا للمواجهة في إطار الممكن والقابل للتحقيق ويمكن أن يكون له تأثيرا كبيرا على مسار العمل المقاوم للمحتل واستيعاب كافة الطاقات والإمكانات المتوفرة والقائمة بديلا عن الارتهان لما يتيحه الاحتلال من أساليب ووسائل عمل للمواجهة .

ثالثا : حماية الحريات العامة والحقوق الاجتماعية والاقتصادية . حيث لا يمكن أن يعامل أبناء الشعب الفلسطيني الذين واجهوا الاستعمار والاحتلال والتبعية على مدار ما يقارب المئة عام على أنهم مجموعات خارجة عن القانون والنظام واستخدام كل أساليب القمع وطمس الحريات لفرض المزيد من الاجراءات التي من شأنها أن تكبل كل عمل من شأنه أن يساهم في الخروج من الأزمات الراهنة . وفي نفس السياق لا يمكن الحديث عن تعزيز الصمود في ظل سياسات اقتصادية واجتماعية تعمل على تعزيز دور رأس المال الخاص وتكثيف الثروات والموارد لصالحه في حين يجري تقليص مستوى الخدمات العامة والعمل على خصخصتها . يما يعزز الفوارق الطبقية من ناحية ويفاقم من أزمات البطالة والفقر من ناحية ثانية . من أجل كل ما تقدم لابد من وجود قوى فاعلة وحية قادرة على تحمل مسؤوليتها والذهاب الى أبعد مدى من العمل نحو تصويب الأوضاع القائمة وفرض منطق جديد في العمل الوطني والاجتماعي .