Menu

لسنا أيتاما لنسكن جزيرة.. وقضايا أخرى

د.فايز رشيد

في تصريح لإحدى الصحف العربية، قال مسؤول عربي رفيع: «لدينا خطة واستعداد لبناء جزيرة اصطناعية في المياه الدولية، للفلسطينيين، لحل الصراع العربي الإسرائيلي، فلليهود الحق الإلهي في «أرض إسرائيل».

جاء ذلك في معرض اقتراحه حل الصراع الأبرز في المنطقة. من قبل وفي عام 1965 اقترح الرئيس التونسي بورقيبة تسوية الصراع بالتفاوض مع الكيان، حينها قامت الدنيا ولم تقعد. قبل سنوات اقترح ملك الملوك العقيد القذافي إنشاء دولة «إسراطين» بعد حل الصراع من خلال التفاهم الإسرائيلي – الفلسطيني. الآن يتداولون حلا قديما جديدا، هو إقامة دولة فلسطينية على أرض قطاع غزة، إضافة إلى جزء من صحراء سيناء، وترحيل كل الفلسطينيين إليها على المدى الاستراتيجي. بمن فيهم فلسطينيو الأرض المحتلة عام 1948. 

الآن يتحدثون عن إقامة كونفدرالية بين الضفة الغربية والأردن. باختصار شديد يريدون تصفية القضية الفلسطينية بأي ثمن وبكل الطرق، والتخلص من عبء الفلسطينيين.

وأنا أقرأ عن إقامة الجزيرة الصناعية، ضحكت من الألم، فشر البلية ما يضحك، إذ خطرت على بالي الخطوة التالية بعد بناء الجزيرة، وهي إغراقها بمن عليها في الماء، كي لا يظل فلسطيني على وجه الأرض سوى قلة كالهنود الحمر، وبذلك يتخلص العالم، والصهيونية والنظام الرسمي العربي منا وإلى الأبد. للعلم هذا اقتراح طرحه مهندس بريطاني عام 1971 على الرئيس الراحل المرحوم ياسر عرفات عام 1971. نقول ذلك وفي الأيدي حقائق، أن 90% من الأراضي الفلسطينية، التي جرى بيعها للمهاجرين اليهود قبل عام 1948 باعتها عائلات عربية غنية، كانت لها مساحات واسعة، اشترتها في فلسطين (ولدى كاتب هذه السطور قائمة بالأسماء والمساحات التي باعوها، وستكون موضوع مقالة مقبلة بإذن الله). أسأل كم مرة جرى ترحيل الطلبة الفلسطينيين من الجامعات العربية في عواصم عربية؟ نسأل كم قتلت بعض الأنظمة العربية من الفلسطينيين وحاصرتهم في مخيمات اللجوء في الدول العربية؟ نقول لكل هؤلاء، بالله عليكم، كفوا شروركم عنا، لا تساعدونا، ونحن بألف خير، فقط لا تتدخلوا في شؤوننا لأن أهل مكة أدرى بشعابها. 

للعلم، وأنا أقرأ اقتراح المسؤول العربي عن إنشاء الجزيرة، استذكرت دور الأيتام في المدن والعواصم والبلدات العالمية، حيث تجري مساعدتهم، ولذلك يريدون إعادتنا من مرحلة المناضلين من أجل حقوقهم، إلى مرحلة اللاجئين المساكين، الذين يتصدق عليهم العالم. نسوا ويتناسون أننا شعب مكافح، نعاني منذ 120 عاما، نحن شعب لا ولم ولن يستكين، قدّم ويقدّم التضحيات المعمدة بدماء شهدائه، معه تقف الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج، التي قدّمت الشهداء بالعشرات عندما انخرطوا في الكفاح التحرري الفلسطيني وثوراته القديمة والحديثة، يعتقدون كما اعتقدوا وخططوا أننا هنود حمر، سيذوبون بعد عدة عقود، لذلك قالت غولدا مائير «الكبار يموتون والصغار ينسون»، وتمنى رابين «أن يصحو يوما ويكون البحر قد ابتلع غزة». نسوا معدن شعبنا الأصيل، الذي أشبهه بكل تواضع بالذهب والماس، كلما حككتهما ازدادا لمعانا وأصالة ووهجا. أثبت الزمن أن الأجيال الجديدة من الفلسطينيين، أكثر تمسكا بها من كل الأسلاف. أقسم أنك لو سألت طفلا فلسطينيا في كل عواصم الشتات عن هويته، لأجابك أنا فلسطيني من قرية الطيرة أو جلجولية أو كفر قاسم أو مسحة أو يعبد أو حيفا أو يافا أو القدس .. الخ. هذا هو معدن شعبنا الفلسطيني، نسوقه لكل الذين يجهلون حقيقته.

قلناها في مقالة سابقة على صفحات هذه الجريدة، إن معدل قراءة العربي هو ربع صفحة (3 دقائق) سنويا، مقارنة مع معدل سبعة كتب يقرأها كل يهودي في الأرض الفلسطينية المحتلة سنويا. نقول ذلك لأن كثيرين من المسؤولين العرب لا يقرأون، لا تاريخ عدوهم ولا التاريخ الفلسطيني، لا معدنه ولا مقاومته للمشروع الصهيوني وتحالفاته، ولا مخططاته لفلسطين والوطن العربي، ولهذا يستقبلون الوفود الصهيونية علنا في دولهم، ويذهبون إلى ما يسمى بـ»العاصمة الإسرائيلية»، هؤلاء لم يسمعوا بتعبيري «اختراع الشعب اليهودي» و»اختراع أرض إسرائيل» للكاتب اليهودي شلومو ساند، لا يعرفون عن المؤتمرات الصهيونية ولا مؤتمر «كامبل بنرمان» ولا عن اتفاقيات «سان ريمو» و «سايكس بيكو» وغيرهما، لم يقرأوا كتاب إيلان بابيه عن «التطهير العرقي للفلسطينيين»، ولا عن وعن وعن.. الخ. هؤلاء لم يقرأوا عن اليبوسيين والكنعانيين والفلسطينيين، ولا عن تاريخهم القديم ولا الحديث. وإلا ما تفننوا في اقتراحاتهم لحل الصراع، أو أنهم يؤمَرون بما يقولون، فهم والحالة مصيبة، و»مصيبة أعظم».

حقيقة الأمر، أن ما كتبته في بداية المقالة هو غير الذي خططته لكتابة مقالتي لهذا الأسبوع في « القدس العربي»، لأن أحداثا مهمة كثيرة تستحق التعليق، تقرير الأسكوا عن الأبارتايد الصهيوني وشجاعة الفاضلة الفلسطينية العربية السيدة ريما خلف. للعلم في هذا المجال نذكّر بقرار الأمم المتحدة رقم 3379 عام 1975 «بأن الصهيونية شكل من أشكال التمييز العنصري والعنصرية» ومعرفة ظروف إلغائه، هذا لم يكن القرار الأول، بل سبقته خمسة قرارات عالمية هي: قرار الجمعية العامة رقم 1904(د-28) عام 1963 عن أهمية القضاء على العنصرية. قرار الجمعية العامة رقم 315 (د -28) بشأن التحالف الآثم بين العنصرية في جنوب إفريقيا وإسرائيل. إعلان المكسيك (الصادر عن المؤتمر العام الدولي للمرأة ) عام 1975، الذي اعتبر إسرائيل دولة محتلة تمارس العنصرية ضد الشعب الفلسطيني. قرار مجلس رؤساء دول وحكومات منظمة الوحدة الإفريقية في كمبالا عام 1975. الإعلان السياسي للدول غير المنحازة عام 1975، الذي انعقد في ليما في البيرو ويتحدث عن عنصرية إسرائيل. 

من القضايا أيضا، إمكانية لجوء الكيان إلى انتخابات تشريعية مبكرة، ومزايدات نتنياهو من خلال التهديد بإجرائها، رغم أنه سيندم على إقرار اللجوء إليها، لأن وقت أفوله قد بدأ. كذلك فإن كل المؤشرات الإحصائية تشير إلى أن الاتجاهات الأكثر يمينية وتطرفا ستتمكن من زيادة عدد مقاعدها في الكنيست المقبلة. كان بود كاتب هذه السطور الكتابة عن تأثيرات هذه الزيادة العددية على مجمل الصراع الفلسطيني العربي – الصهيوني الإسرائيلي. مما يستحق التعليق عليه أيضا: القانون الإسرائيلي الذي سنه الكنيست مؤخرا، والقاضي بعدم السماح لمطلق شخص بالترشح لانتخابات الكنيست دون إعلانه وقسمه والاعتراف العلني المسجل بيهودية إسرائيل، وتأثيرات ذلك على الترشيحات العربية في المنطقة المحتلة عام 1948. من الأحداث أيضا، إجراء الحكومة الإسرائيلية تغييرات في محكمة العدل العليا في إسرائيل («هآرتس» عميره هيس 20 مارس/آذار الحالي 2017) بتعيين القاضي ديفيد مينتيس عضوا في المحكمة العليا، وهو صهيوني متطرف من غلاة المتدينين، مُنح لقب حاخام وهو يسكن في مستوطنة دولب بالقرب من رام الله. من القضايا أيضا، مطالبة أمريكا بتسلم المناضلة الفلسطينية أحلام التميمي، بعد قضائها سنين طويلة في سجون العدو الصهيوني، بتهمة استعمال أسلحة الدمار الشامل في الهجوم على أمريكيين، تذكروا المرحوم صدام حسين ومسوغات العدوان على العراق، الذي بدأنا نحصد نتائجه الكارثية في تقسيم العراق ودماره وحل جيشه، كما مؤتمر القمة العربي المقبل، الذي لا ينتظر نتائجه أحد، بالفعل «شر البلية ما يضحك».