Menu

مخيم عين الحلوة .. حرمان وبطالة وجهود لمنع الاقتتال !..

عين الحلوة مخيم

بقلم / محمد صوان

المتابع لما يجري ويُكتَب عن مخيم عين الحلوة الفلسطيني الواقع على الجهة الشرقية الجنوبية لمدينة صيدا , وعلى مساحة لا تتعدى كيلومتراً مربعاً , ويعيش فيه أكثر من " 100,000نسمة"  يتخيل للمتابع أنه " قندهار " أو جبال "تورا بورا " في أفغانستان .. فعين الحلوة كان تارة "بؤرة أمنية " تهدد لبنان  , وطوراً " مركز التطرف المذهبي " في المنطقة , وتارة أخرى  "مركز تصدير الإرهاب إلى الإقليم "!!

تلك الآراء والتقارير الاستخباراتية – الإعلامية عن عين الحلوة , إنما هي واحدة من مستلزمات النفاق وتضخيم خطر المخيم , كي لا تُسأل السلطة اللبنانية عن سبب عدم تمكنها من " إنهاء حالة الفلتان الأمني " من جهة , وحتى تتمكن الطبقة السياسية اللبنانية من استخدام المخيم كفزّاعة بوجه من يطالب بحقوق الفلسطينيين المدنية والمعيشية , من جهة أخرى , مثلما هو تعبير  "الاندماج " الذي دخل في صلب الخطاب الرسمي اللبناني وبات لازمةً مرتبطة بمعنى الوجود الفلسطيني في لبنان دون البحث عن مضمون التعبير الذي يعني توفير شروط الحياة اللائقة, وبالتالي يخفي بعداً لا إنسانياً يتمثل بالسعي الدائم لتهجير الفلسطينيين تحت ذريعة  " حق العودة "!..

  • الاقتتال الداخلي خط أحمر :

على الرغم من تواجد جماعة " بلال بدر " المتطرفة في المخيم , فإن الفصائل الرئيسية هي الأقوى , بطرفيها الوطني والإسلامي الوسطي , وكلاهما يصر على أن لا مجال ومن غير المسموح أن يندلع الاقتتال الداخلي وينفجر المخيم .

يقول أمين سر فصائل منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان فتحي أبو العردات " إن مخيم عين الحلوة مستهدف " وثمة محاولات لاستدراجنا عبر استخدام البعض منا إلى الصراع القائم في المنطقة , لكننا استطعنا تلافي ذلك , من خلال تحريم الاقتتال الداخلي , ومنع توسيع الاشتباك إلى ما بين المخيم وجواره ".

وندد ممثل حركة حماس في لبنان علي بركة بمحاولات البعض لـ " تحويل المخيمات إلى صندوق بريد أو ساحة لتصفية حسابات إقليمية ومحلية ", كما دعا بركة " جميع الفصائل الوطنية والإسلامية الفلسطينية " والقيادات اللبنانية للتعاون من أجل المحافظة على الأمن والاستقرار في المخيمات ".

وفي تفسيره لأسباب الفوضى الأمنية في المخيم , يقول ممثل الجبهة الديمقراطية في لبنان علي فيصل :" الأوضاع في مخيم عين الحلوة انعكاس لأكثر من حالة محلية وإقليمية ودولية .. هناك الكثير من الاتجاهات التي تحاول الزج بفلسطينيي لبنان في أتون الصراعات الداخلية والإقليمية ", ويرى فيصل أن " ما نحتاجه اليوم هو تعزيز وتفعيل دور منظمة التحرير بوصفها الجهة المخوّلة بمعالجة مختلف القضايا والتحديات المحدقة بنا ".

بينما يؤكد ممثل الجبهة الشعبية في لبنان مروان عبد العال وجود أسباب ذاتية للمشكلات الأمنية في عين الحلوة , ويحيل ما يجري إلى نوايا تظهر المخيم كـ" بؤرة أمنية وفزّاعة وسط بيئة متحركة في لبنان والمنطقة , يشوبها الكثير من الاختلال والفوضى ".

ويشير ممثل حزب الشعب الفلسطيني غسان أيوب إلى وجود تفاهم بين القوى الوطنية والإسلامية بضرورة " عدم السماح بتفجر الأوضاع داخل المخيم " ويوضح أن " ثمة مجموعات متطرفة غير معنية ب فلسطين كقضية وطنية ,ولايوجد أي تفاهم معها , وهذه المجموعات أكثر عرضة للتوظيف لتكون بندقية للإيجار ".

  • القوة الأمنية المشتركة :

في ظل عدم وجود آليات أمن إجرائي رسمي لبناني داخل المخيمات , وعليه وبسبب الفوضى التي عانت المخيمات جراءها بعد اتفاق الطائف اللبناني , فإن الفصائل الفلسطينية توافقت على تشكيل " لجنة أمنية عليا , وقوة مشتركة لحفظ أمن المخيمات " ويوضح مسؤول القوة المشتركة في لبنان اللواء  منير المقدح " تلعب القوة المشتركة دوراً مهماً في حفظ أمن المخيمات , كما أن جميع الفصائل  في عين الحلوة موحّدة خلف فكرة الحفاظ على أمن المخيم والجوار , وعدم التدخل بالشؤون اللبنانية واحترام سيادة الدولة ".

وبشأن التنسيق  مع الأجهزة الأمنية  اللبنانية يقول اللواء المقدح :" التنسيق هو على مستوى سياسي وأمني عالٍ , فالرئيس أبو مازن زار لبنان مؤخراً والتقى الرئيس اللبناني ميشال عون , واتفقا على الارتقاء بكل أشكال التنسيق بما في ذلك مع الجيش اللبناني و الأجهزة الأمنية , والقيادات السياسية والحزبية , ونلمس تعاطياً إيجابياً وأخوياً من طرفهم ".. 

وفي السياق ذاته يتابع اللواء المقدح :" لاشك في أن الوضع الأمني الذي استجد في المرحلة الأخيرة , أدى لعدم الاستقرار الاقتصادي , فالاقتصاد مرتبط بالأمن , ما نشهده من هجرة الشباب إنما هو دليل بطالة , فالناس يفتقرون للسيولة المالية ". ويطالب المقدح :" جميع الفصائل الوطنية والإسلامية أن يحرصوا على الأمن المستدام , وأن يضربوا يد العابثين والمخلّين حتى لا يتكرر ما حصل في نهر البارد , وأن يلتفتوا إلى ما يجري في فلسطين من بطولات شابات وشباب يقاومون بالسكاكين وما يتيسر من أسلحة خفيفة ويواجهون جنود الاحتلال المدججين بكافة الأسلحة الفتاكة , فالفلسطيني صاحب حق وأرض وهوية وانتماء, وليس صاحب اقتتال عبثي بين الأزقّة و الزواريب "..

خلاصة القول :

تغير مخيم عين الحلوة كثيراً بين مرحلتي الصعود الثوري, وتراجع الثورة , وتحول من قاعدة للمقاومة والثورة في الجنوب اللبناني إلى " فزاعة أمنية ". .إلا أن سكانه وقواه الوطنية والإسلامية تمكنوا حتى الآن من الحيلولة دون انفجاره من الداخل , أو تفجيره من الخارج .. والسؤال هنا : هل يمكن أن يقاوم المخيم إلى ما لا نهاية من دون إسناده سياسياً واقتصادياً ولوجيستياً من منظمة التحرير الفلسطينية وجميع فصائل العمل الوطني والإسلامي التي لديها تمثيل سياسي وقدرات مالية كبيرة ؟..

إن التلكؤ والتردد بإعادة بناء تفعيل " م.ت.ف" على أساس ما تم الاتفاق عليه في مجمل الحوارات التي جرت في عدة عواصم  خاصة في القاهرة وبيروت وموسكو , لجهة إنهاء حالة الانقسام وتشكيل حكومة وفاق وطني وإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية ومجلس وطني جديد وفق مبدأ التمثيل النسبي الكامل في الوطن والشتات , واستعادة " م.ت.ف" لدورها كممثل لكل فلسطين والفلسطينيين .. إن هذا التلكؤ سيبقي مخيمات الشتات على فوهة بركان , ويديم بل و يفاقم  المخاطر التي تحيط بمخيم عين الحلوة , كأكثر المخيمات كثافة سكانية .. بعدما دمّرت العديد من المخيمات .. بينما تعيش المنطقة العربية مرحلة نزاع ما قبل اختفاء الكيانات التي رُسمت عبر سايكس – بيكو , دون أن يكون هناك بوادر جدية لإعادة البناء والإعمار , وإنما ملامح فوضى طويلة الأمد , وفي الوقت الذي تكاد القضية الفلسطينية تخرج من أدنى الاهتمامات العربية .. تصر حركتي " فتح وحماس "     على مواصلة درب الانقسام المدمّر , بانتظار مخلّص يحتاج بدوره لمن يخلّصه من فوضاه واستخفافه !!.

إن المحافظة على مخيم عين الحلوة وحمايته , وبالتالي على ما تبقى من مخيمات في الشتات كشاهد حي على نكبة عام 1948 وهزيمة عام 1967 يحتاج لتمكين سكان المخيمات ودعم صمودهم بمواجهة محاولات التدمير الذاتي العبثية , وهذا يقتضي العودة للحوار الوطني الشامل وإنجاز المصالحة بين حركتي " فتح وحماس " , وإعادة بناء المنظمة ليس كهياكل تنظيمية فحسب , بل كبرنامج واحد , واستراتيجيا موحدة , وبما يعيد إلى مخيمات اللجوء والشتات دورها الريادي في دعم الانتفاضة الثالثة واستمرارها !.