Menu

لا أسرى بدون احتلال!

لا أسرى بدون احتلال!

بقلم / نضال عبد العال

في تحرك جماعي تقرر الحركة الوطنية الأسيرة الدخول في مواجهة كبرى ومباشرة مع العدو، ولهذا الأمر معاني ودلالات كثيرة. فبالإضافة إلى أن قضية الأسرى بالأصل لها أبعاد عديدة، منها القانونية والاجتماعية، الإنسانية، والتي تطغى في أغلب الأحيان على الخطاب الإعلامي الفلسطيني، تحصر السلطة وأجهزتها متابعتها لهذا الموضوع في نطاق تنفيذ التزامات أوسلو، وإطلاق من كان متفق على إطلاقهم. أما الصوت الفصائلي و الشعبي المتفاعل مع الأسرى تضامنا أو دعما وإسنادا، يعتمد بشكل كبير على اللغة الحماسية العاطفية، والتي تمجد الأسرى وتشيد بتضحياتهم وبوسائل نضالهم، وبالأخص إضرابهم عن الطعام وأمعائهم الخاوية..الخ. طبعا لا يمكن ولا بأي شكل من الأشكال، التقليل من أهمية البعد القانوني، وضرورة طرق أبواب المنظمات القانونية والحقوقية الدولية، أو حتى الأبعاد الاجتماعية الإنسانية لهذه القضية، ومن المفيد جدا اظهار هذا الجانب الإنساني الحقيقي، من معاناة أسر وعائلات الأسرى. كما من المهم والضروري الإشادة بتضحيات الأسرى ووسائل نضالهم المحدودة بحكم ظروفهم في القيد. لكن.. ما نود أن أسلط الضوء على دلالتين. أولا، إن الأسرى، جزء من قضية تحررية كبرى، ظروف وأسباب اعتقالهم أتت في هذا السياق، وعليه من المهم جدا الحفاظ على السياق في التعامل مع القضية الآن. هم مازالوا أسرى، لأن الأسباب والظروف الأصلية مستمرة، أي الاحتلال. إن قضية الأسرى في جوهرها وعمقها هي قضية الاحتلال. وهم مازالوا أسرى لأن الاحتلال مازال مستمرا. ومن يريد أن يقنعنا ويقنع العالم بوجود عملية سلام مستمرة منذ ما يزيد عن عشرين عاما، عليه أن يجيب عن سؤال الأسرى، والمطاردة والاعتقال والأسر مازال مستمرا ولم يتوقف.  بهذا المعنى تكون الدلالة الأولى  لهبة الأسرى، والفكرة المحورية هي كشفها لحقيقة سياسية يراد طمسها وتغييب دلالاتها. إن الاحتلال مازال جاثما على الأرض الفلسطينية، وهو حقيقة راسخة ويتحكم بكل تفاصيل حياة الشعب الفلسطيني. هذه الفكرة  المحورية هي رد قوي لمن يريد أن يوهم نفسه ويوهم شعبه، بأنه في مرحلة بناء الدولة، وأن مرحلة التحرر الوطني انتهت بكل ما تحتويه من حق في مقاومة الاحتلال بشتى الوسائل. طالما هناك أسرى، هناك احتلال، ثمة تلازم بين المسألتين، لا يوجد احتلال بدون أسرى، ولا يوجد أسرى بدون احتلال. إن لكل مرحلة موجباتها، وسائلها وآلياتها، فمثلا، القول بأن الشعب الفلسطيني في مرحلة بناء الدولة، يستدعي ممارسة سياسية تغلب الشكلي على الجوهري، فيصبح الحديث عن أن الجهة الوحيد التي تمتلك الحق في تحديد المصلحة الوطنية العليا هي السلطة ومؤسساتها المعنية. وبالتالي فإن التنسيق الأمني بين السلطة والاحتلال مقدس، باعتباره ينطلق من تقديرها للمصلحة الوطنية العليا. كما أن امتلاك السلاح واستخدامه هو حق محصور بالسلطة وأجهزتها، ووحدها يحدد متى وأين تستخدمه. هذه الأمثلة وغيرها تمثل دلالات طغيان الشكلي، والذي يظهر وكأنه منطقيا في ظل بيئة دولية معقدة وضاغطة، بشكل لا يسمح بالقدرة على استخدام تكتيك العمل على مسارين، وجود شرعيتين محاذيتين، مسار لبناء الدولة ومسار لحق مقاومة الاحتلال، كان الرئيس الشهيد أبو عمار قد حاول السير بهما. لم تحشر السلطة نفسها فقط في هامش بناء الدولة كما تتدعي، بل تولت مهمة منع أي محاولات أخرى للعمل على التحرر الوطني. لأنها خولت نفسها تحديد المصلحة الوطنية العليا وما يستلزم ذلك من إعادة صياغة المشروع الوطني بكل أبعاده ، ارتباطا بفكرة تأسيسية في العقل السياسي لها، التحرر الوطني يستدعي مجارات ما تسمح به البيئة الدولية. إذا التحرر الوطني في عرف السلطة تحدده البيئة الدولية وليس الحق الفلسطيني المستند إلى نضال وتضحيات الشعب الفلسطيني. وهذا أمر خطير، لأن المرجع لم يعد الحق التاريخي الفلسطيني في أرضه، بل أصبح الميزان الدولي، وبذلك يفقد الشعب الفلسطيني أحد أهم أوراق القوة لديه. أما الدلالة الثانية، والقوية التي تؤشر إليه قضية الأسرى فهو حالة الانقسام والإرباك والعجز التي تعيشه الساحة الفلسطينية، فهل من ملتقط لهذه الشرارة؟! من الموقع الأنقى والأحرص، وهم بحكم ظروفهم الخاصة خارج الشبهات، إنه طرف الخيط الضائع، يقدمه الأسرى لشعبهم، فهل من يلتقطه ويسير على هداه. إن المعتقل هو الوجه الأقبح للاحتلال، وتوق الأسرى للحرية، هو التعبير الأصدق لتوق الشعب الفلسطيني للتحرر.