Menu

الحالة الفلسطينية والعربية بعد 50 عاماً على هزيمة حزيران

وساو رفيدي

بقلم / وساو رفيدي

ليس جديداً ان يتراقص عربان الخليج أمام ترامب فرحاً في القمة العربية الإسلامية الأمريكية، فمنذ ان تأسست دول الخليج، محطات الكاز في حقيقة الأمر، بترتيبات استعمارية اقتصادية وسياسية لم يفعل عربان الخليج سوى الرقص، بالسيوف وعلى أنغام التبعية المستفزة.

نقول التبعية المستفزة لأن الوضع السياسي العربي بات استفزازياً لأبعد الحدود ولا تنقص الدلائل على ذلك: شطب الحقوق الفلسطينية، استبدال الكيان الصهيوني كعدو بإيران، تصنيف حركات المقاومة كإرهاب، التآمر صراحة على تدمير اليمن والعراق وسوريا، ناهيك عن دفع الجزية لأمير المؤمنين ترامب: مئات الملايين من الدولارات كهدايا لترامب وعائلته! والمليارات كمشاريع واستثمارات تضخ ربحاً في موازنة أمريكية مترنحة! في الوقت الذي تقتل فيه المجاعة شعب اليمن وتفتك فيه الكوليرا، فأي استفزاز أكبر من هذا؟ إنه مؤشر على الحالة التي وصل إليها وضع النظام العربي الرسمي، مستوى الانحطاط للرجعية العربية كعملاء لا أكثر ولا أقل.

ومع ذلك، تبدو المفارقة الزمنية فيها من الاستفزاز ما فيها: فالقمة انعقدت على تخوم الذكرى الخمسين لاحتلال كامل فلسطين، فبعد خمسين عاماً لم تجد الأنظمة الرجعية في جعبتها غير اعتبار الكيان الصهيوني صديقاً تندلق للتطبيع معه، عسكريا واقتصاديا وسياسيا، وليس من تحت الطاولة بل ومن فوقها، وعلى عينك يا تاجر!

لقد حاول النظام العربي الرسمي ومنذ اليوم الأول لاحتلال كامل فلسطين ان يسفِّه هذا المتغير التاريخي المتمثل بالتمدد الصهيوني، وأن (يخفف) من وطأة هزيمته ( النظام) المذلة. عبّر نهاد قلعي عن ذلك في مسرحية ضيعة تشرين حين وصف ما جرى، كممثل لهذا النظام في المسرحية: هيدي فكشة، نكشة! فاتفقوا عليها باعتبارها مجرد نكسة، مجرد نكسة!. أما اليوم فليست ذكرى احتلال كامل فلسطين، لعربان الخليج، ومَنْ يسبِّح بحمدهم من تيارات مستسلمة، فلسطينية وعربية، سوى مناسبة للضجيج الإعلامي المتخم بالشجب والاستنكار والإدانة دون فعل يُذكر لا اليوم ولا مستقبلاً.

وكما يمكننا، باعتبارنا نمثل الموقف الثوري الجذري العربي والفلسطيني، ان نستنتج دروساً تاريخية من ذكرى هزيمة حزيران لا لتجديد الموقف فحسب بل وللتزود بطاقة ثورية للفعل المؤجل والمؤمل ان يتحول لفعل واقع رهاناً على الجماهير وحركة التاريخ، أيضاً هم، عربان الخليج ومن خلفهم مشغليهم، الصهاينة والأمريكان، استنتجوا وشرعوا: إن انتعاش محور المقاومة وضرباته في سوريا ولبنان وغزة مدعوماً من روسيا وإيران يجب وضح حد له على محورين: محور جبهة المشرق العربي، المحور الجيوسياسي لضربات المقاومة، ومحور جبهة القضية الفلسطينية. على المحور الأول باستعادة مشروع حلف بغداد في الخمسينات بصيغة حلف صهيوني/ أمريكي/ عربي/ إسلامي جديد. في حينها، ايام حلف بغداد، كان الشعار ( مكافحة المد الشيوعي) فيما حقيقته كانت ضرب النظام الناصري والثورة الجزائرية والمد القومي والوطني العربي عموماً، والمدعوم حينها من الاتحاد السوفياتي، وما شعار ( مكافحة المد الشيوعي) آنذان، سوى الصيغة الإعلامية التعبوية لاستقطاب الدعم الشعبي. انهزم مشروع بغداد ومعه اركانه آنذاك: أمريكا وبريطانيا والسعودية وإيران واتركيا والأردن. أما اليوم فالشعار المعلن ( مكافحة الإرهاب)! ولا يملك المتابع بحثاثة، وحتى غير المتابع، إلا أن يضحك ملىء أشداقه: أنظمة السعودية و قطر والإمارات والأردن التي سلّحت ودرّبت ودعمت كل حثالات الإسلامويين التكفيريين لتدمير سوريا والعراق تريد مكافحة الإرهاب! وكأن أولئك الحثالات لم يرضعوا حليب الوهابية من مراكز وجوامع ومدارس السعودية، وكأنهم لم يتسلحوا من قطر والإمارات وتركيا، وكأنهم لم يتلقوا التدريب والدعم اللوجستي والبشري من الأردن. إن شعار ( مكافحة الإرهاب) لدى قمة ترامب وعربان الخليج ليست في حقيقتها سوى الإعلان عن ميلاد المشروع التصفوي بطبعته الجديدة والذي ينبغي مواجهته بمشروع مقاوم يتسع لكل من يقول لا في وجه الحلف الجديد الامريكي الصهيوني العربي المتأسلم.

ولنا أيضاً ان نستخلص دروسنا لنقول: إن استكال استعمار فلسطين في الخامس من حزيران وكما وضع حداً لخيارات النظام العربي الرسمي بانهزامه أكد أيضاً حقيقة الصراع التي يجري تمويهها اليوم. منذ ما قبل العام 48 وقيام دولة الكيان الصهيوني على 82% من ارض فلسطين وحتى اليوم لم يتوقف الصهاينة عن تأكيد جذرية أيديولوجيتهم العنصرية الفاشية تجاه العرب والفلسطينيين باعتبارهم الصراع صراعاً وجوديا: إما نحن وإما هم! كانوا صادقين بذلك، فكيف يمكن التعايش بين مشروع استعماري استيطاني ترحيلي وبين الشعب صاحب الأرض التي ينوي المشروع تهويدها وطرد مَنْ فيها إلا من رحم ربي: بتحويلهم لعبيد في المشاريع الصهيونية دون إرادة وفعل سياسي، محض كائنات بيولوجية تعيش بحكم الوظائف الحيوية؟ هكذا يريد الصهاينة لشعبنا، وهنا ينبغي ان يكون الرد: برفض التعايش مع المشروع تحت أي صيغة كانت والنضال لاجتثاثه من أرضنا وتجذير الموقف السياسي لخلق بيئة سياسية وتنظيمية وعقائدية قادرة على تجديد المشروع المقاوم والإنطلاق.

وكما كان سابقا يكون اليوم. ليس الخطر الصهيوني على شعب فلسطين وقضيته فحسب، فالكيان الصهيوني، حسبما وصف الحكيم يوماً هو بمثابته إمبريالية صغرى في المنطقة العربية، خطره ومهامه وتهديداته ومطامحه تطال المنطقة العربية ككل. ليس انتماؤنا للأمة العربية فقط ينبغي ان يوحدنا، ولا فقط مهام التحرر من التبعية والاستغلال لبناء المشروع النهضوي العربي، بل وأيضاً الخطر الصهيوني نفسه، وما يطبخ اليوم في أروقة ما بعد القمة في السعودية يطال مجمل المنطقة العربي لفرض الهيمنة عليها، وأحد أدوات الحسم لفرض تلك الهيمنة هي طي صفحة ( العدو الصهيوني) وتحوله لشريك للعالمين العربي والإسلامي وعلى جثة القضية الفلسطينية وحقوق شعبنا. وما حديث الأمريكان المتواتر عن تسوية إقليمية إلا إعلان ان المشروع التصفوي الجديد يقتضي بالضرورة على المستوى الإقليمي، مشروعاً تصفوياً للقضية الفلسطينية، ضمن المشروع العربي/ الأمريكي/ الصهيوني ككل، وربما، كسيناريو محتمل، عبر إعادة إحياء مشروع الكونفدرالية: شطب الدولة المستقلة وإنهاء الصراع مع الكيان الصهيوني.

أين تقف القيادة الفلسطينية من ذلك؟ لننكأ الجرح إذن: الرئيس الفلسطيني شارك في قمة السعودية ويدرك تماماً ومعه صفه القيادي أن الكيان الصهيوني أول الحاضرين وبقوة دون ان يكون محتلاً لمقعد بالضرورة! ويدرك ايضاً أن تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني كان لب القمة! يدرك عباس وفريقه كل ذلك ومع ذلك شاركوا وناقشوا وربما رقصوا بالسيوف ايضاً. وماذا بعد؟ تسرب في الإعلام ان ترامب ابلغ عباس خيارين لا ثالث لهما: إما التنازل امام مطالب نتياهو او العرب ذاهبون للتطبيع وستبقى وحدك! الأرجح اننا لا نحتاج لمحاولات حثيثة للتحقق من صحة هذا التسريب، فما الذي يملكه ابو مازن وفريقه ليمتنع ترامب عن التعامل معه وفق هذه الخيارات المذلة؟ انقسام يتجذر في الساحة الفلسطينية، إدارة الظهر لمشروع المقاومة بل  وضربه، هيكل تنظيمي ميت وعائب اسمه منظمة التحرير. ليس هذا تبرياً لتساوق عباس وفريقه لأن هذا خياره بالنهاية، منهجه الذي أعلنه صراحة، وعلى الأقل لم يخفي عداؤه المستحكم للمقاومة، وما تعامله اليوم مع إضراب الأسرى إلا دليلاً إضافياً على خياره هذا.

هل يملك شعبنا ما يقول؟ بالتأكيد. إذا تحققت اشتراطات إعاد بناء المشروع الوطني الفلسطيني: إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية ليس وفق الصيغ الإدارية/ التنظيمية المحضة التي يعج بها الخطاب الفلسطيني الرسمي والمعارض معاً، مع استثناء طفيف عبّر عنه الرفيق ماهر الطاهر من على شاشة الميادين قبل أيام، ونعني بإعادة البناء إعادة الاعتبار للميثاق الوطني الفلسطيني، وإن شئتم القومي للعام 64،  بما يجسده من الحق التاريخي لشعبنا ووضع الصراع مع الكيان الصهيوني على سكته الصحيحة، بديلاً لبرنامج الدوليتين الذي غدا برنامجاً للإجترار أكثر منه برنامجاً للمقاومة يملك مقومات التحقق، تحويل منظمة التحرير لإطار جبهاوي فاعل على قاعدة تنظيمية/ ديموقراطية تضع حداً للإستئار والهيمنة، بناء الأدوات التنظيمية القادرة على حمل برنامج المقاومة بكافة أشكالها بديلاً لبرنامج أوسلو وهياكله بكل تبعاته.

إن الإصطفاف الأمريكي/ الصهيوني/ الرجعي العربي خلف المشروع التصفوي الجديد يتطلب إصطفافاً لمحور المقاومة: سوريا، حزب الله، إيران وبدعم روسي، وهنا يجب ان يجد الشعب الفلسطيني وقواه موقعه، في هذا الخندق بالذات لا في غيره. وما يدعم ممكنات الإصطفاف المقاوم هو الموقف الروسي: صحيح أن روسيا اليوم ليست السوفييت بالأمس، كي لا نقع في شطط البعض، ولكن من الصحيح أيضاً ان روسيا العائدة بقوة للمنطقة من البوابة السورية، والعراقية لحدٍ ما، لم ولن يعجبها ما يجري بل إن بوتين وصف القمة في السعودية بالناتو الجديد وتجربة السنوات الماضية تدفع للاعتقاد ان الروس لن يقفوا مكتوفي الأيدي امام مشروع ترامب، وبالتالي فهذا مدخلاً هاماً، لمن يريد بناء عوامل القوة. ومن المهم الإشارة هنا ان الخطاب العرفاتي لتبرير الانهيار السياسي بتوقيع اتفاق أوسلو في حينه استند لمقولة: انهيار السوفييت جعلنا وحيدين وبالتالي لا خيار. وبرغم وجود خيار في حينه وهو الانتفاضة الفلسطينية، إلا أن ابو مازن وفريقه لا يملك اليوم تكرار القول لاستمرار ارتمائه في حضن الأمريكان والسعودية، فمحور المقاومة اليوم يتعافى ويشتد عوده والدعم الروسي له بيّن، فالخيار الآخر موجود لمن يريد الخيار الآخر.

إن ذكرى استكمال استعمار فلسطين في العام 67 يعيد طرح جذور الصراع مع الكيان الصهيوني والامبريالية والرجعية العربية وعليه يتوجب على الوطنيين والثوريين الفلسططينيين ان يعيدوا التأكيد على جذور البرنامج المقاوم، بالتلاقي في اصطفاف مع محور المقاومة العربي في وجه الاصطفاف الخليجي/ الأمريكي/ الصهيوني.