Menu

50 عاماً على الهزيمة، والسينما غائبة عن الرّصد والمُعالجة

تعبيرية

محمد حجازي _ الميادين

واقع مؤسف تعيشه أمّتنا، لا ذاكرة تحميها، ولا أشرطة تدلّ على معالِم النصر في أي ميدان، التجاهل سيّد الموقف، وعمليات الإلهاء بما هو تافه وسطحي تسود لصرف الانتباه عن تداعيات واحدة من أكبر الخسائر بعد نكبة فلسطين، ونعني بها نكسة 67 التي هُزمت فيها عدّة جيوش عربية، واحتلت خلالها "إسرائيل" أراض عربية جديدة. خمسون عاماً مرّت من دون مادة مرئية ترصد أكبر عدوان عسكري غاشم في التاريخ المعاصر على عدّة دول عربية.

416 طائرة حربية مصرية وسورية وأردنية خسرها العرب وهي على الأرض، في 492 غارة متتالية على أكثر من 35 مطاراً، في اعتداء "إسرائيلي" طوال الثلاثة أيام الأولى من الحرب، جاء مُباغتاً وسافراً أمام عيون العالم الذي لم يتحرّك، ولم يقل سوى: أوقفوا القتال، وهكذا كانت الهزيمة مضاعفة: ميدانياً وسياسياً حيث كانت دعوات مجلس الأمن إلى التهدئة وليس إلى انسحاب القوات المُعتدية وتحميلها تبعات الخسائر التي تسبّبت بها ، يعني العالم كان متواطئاً بطريقة أو بأخرى مع "إسرائيل".

إزاء كل هذا كانت ردّة الفعل العربية مُشينة، تصريحات وتبريرات وشعارات لا تخدم أحداً، والأدهى ما قامت به السينما من حركة التفافية للتغطية على تداعيات الهزيمة، فصوّرت أفلاماً سُمّيت يومها: سينما الهلس، وسينما المقاولات، أشرطة لم يستطع أحد برمجتها تحت أي عنوان سوى السطحية والبلاهة من نوع (آدم والنساء، ولد وبنت وشيطان، حكاية بنت اسمها مرمر، عمّاشة في الأدغال، الشيطان والخريف، أشرف خاطئة، امرأة سيّئة السمعة، العاطفة والجسد، جنون المراهقات، ملكة الليل، الحب المحرّم، الحب والفلوس، البنات والمرسيدس، نساء الليل)، ولم ندر مدى علاقة أفلام المخرج حسن الإمام (خللي بالك من زوزو، دلال المصرية، إمتثال، وبنت بديعة) بحال الشعب المهزوم معنوياً، ربما سعى لرفع المعنويات.

هذا المناخ من الاستسهال والتعمية جعل جيلاً من المخرجين الجادين يقتحمون الساحة بأفلام رصينة فيها مشاعر الإحباط الجماهيري بفعل النكسة فأطلق "صلاح أبو سيف" (القضية 68) "حسين كمال" (شيء من الخوف) "كمال الشيخ" (المخربون-67 ، ميرامار، والرجل الذي فقد ظلّه- 69) "توفيق صالح" (المتمردون، ويوميات نائب في الأرياف-69) "جلال الشرقاوي" (العيب-67) ثم كانت تحفة "يوسف شاهين" (الأرض-70) التي اختصرت مع "العصفور" و "الاختيار"، و"الناس والنيل" كامل اليأس الشعبي من الحال السياسية في البلاد، وبعدها "أغنية على الممر" (علي عبد الخالق-71). وما بين حربي 67 و73، ظهرت أفلام رد اعتبار للجيش المصري (الطريق إلى إيلات، حائط البطولات، الوفاء العظيم، العمر لحظة، أبناء الصمت).

في هذه الفترة ظهرت أفلام سورية لافتة "رجال تحت الشمس" (إخراج محمّد شاهين، مروان مؤذن، ونبيل المالح) "السكين" (خالد حمادة) "المخدوعون" (توفيق صالح) "الاتجاه المعاكس" (مروان حداد) "الأحمر والأبيض والأسود" (بشير صافية) رسمت معالم سلبية لحال الإنسان العربي بعد النكسة التي وقعت قبل نصف قرن.