Menu

بني موريس ومعارضة التأريخ الفلسطيني للنكبة: إعادة انتاج الحصرية الصهيونية

طرد الفلسطينيين: جريمة الصهيونية التي تسعى للتبرؤ منها

بوابة الهدف/ أحمد.م.جابر

بعد شهور طويلة من نشره، يعود المؤرخ الصهيوني بني موريس لمراجعة كتاب الباحث والمؤرخ الفلسطيني  عادل مناع (نكبة وبقاء: حكاية فلسطينيين ظلوا في حيفا والجليل (1948- 1951(، في مقالة منشورة في هآرتس يوم 29/7/2017،  ومن المفترض أن تكون كل مراجعة لكتاب، خصوصا إذا كان كتابا على هذا القدر من الأهمية كما أجمع مراجعون عديدون، فلسطينيون وغيرهم، ولكن مراجعة بني مورس للكتاب، وهو من هو في تاريخ الحركة الصهيونية والكيان الصهيوني وحروب 1948 و1967، تكتسب أهمية مضاعفة كونها تقي الضوء على حقيقة نظر الغالبية العظمى من الأكاديميا الصهيونية للرواية التاريخية وكيفية سردها. وحالة التمترس لدى هؤلاء ضد ليس فقط الرواية الفلسطينية، بل ضد فكرة أن يكون هناك رواية فلسطينية أصلا، خارجة عن تقاليد التأريخ الصهيوني، وطريقة التوثيق الصهيونية أصلا.

من هنا جاء الهجوم الشديد لبني موريس ضد كتاب مناع، بني موريس الذي هو للتذكير كان من أبرز المؤرخين الجدد ثم إرتد إلى صهيونيته المتحيزة دون لحظة ندم، ودون أن يتسلح بالموضوعية والعلم الحيادي الذي يزعم أن مناع لم يلتزم بهما.

على عكس تصريحاته ومؤلافته السابقة قبل ارتداده، ينكر بني موريس بحث مناع، وقوله بوجود سياسة طرد منهجية ضد الفلسطينيين عام 1948، ويحاول بني موريس الاستفراد بمؤرخ فلسطيني ويتجاهل ليس فقط أعماله الشخصية بل أيضا أعمال مؤرخين "إسرائيين بارزين" اختاروا الخروج نهائيا من الصهيونية ومن "إسرائيل" كما هو حال ‘يلان بابه، بدلا من العودة إلى أحضان جابوتنسكي كما فعل بني موريس.

لاتخلوا مراجعة بني موريس من الفوقية الصهيونية، والأشكنازية العنصرية المعتادة، بالقول " إني على دراية بالسرد الفلسطيني" مجملا بأنه سرد عند عم التمايز والتمييز وسوء الحظ التاريخي، ولانعرف عن أي سوء حظ  يتحدث المؤرخ الصهيوني، إلا إذا كان الوصف الجديد لعمليات الاقتلاع والقتل المنهجي الذي قامت به العصابات الصهيونية مجرد سوء حظ تاريخي أصاب الفلسطينيين.

بالنسبة لموريس هناك نقص في عرض السرد الفلسطيني باللغة العبرية، لأن مؤلفات "المؤرخين الفلسطينيين ومؤيديهم" مثل وليد الخالدي  ورشيد الخالدي وإدوارد سعيد وإيلان بابه لم تترجم إلى العبرية، وهو مستاء لأن معهد فان لير وكيبوتس هموشاد سينشران الآن كتاب مناع الذي ليس الكتاب الذي كان يتمنى موريس ترجمته إلى العبرية، ولكن لماذا؟

لأن كتاب عادل مناع يذهب بالضبط إلى حيث لايريد السرد الصهيوني، الذي يفترض أنه تخلص من الفلسطينيين، ولايوجد أحياء ليتحدثوا عن الطرد والمجازر، ولكن كتاب مناع يذهب مباشرة إلى الناجين وينقل قصصهم وشهاداتهم، انهم موجودون وليست مجرد رواية شفهيةلاقيمة تاريخية لها كما يزعم بني موريس، وهنا يجب التدقيق في هذا الزعم التحيزي، فالمؤرخين الصهاينة لايتورعون أبدا عن استخدام التاريخ الشفوي والذي أيضا لايمكن التأكد من صحته وبني مورس شخصيا في جميع أعماله استخدم نصوصا مؤرخة شفويا ولايوجد سبيل لاثبات صحة نسبها أو طريقة توثيقها، والتريخ الصهيوني اليهودي كله ليس سوى رواية شفوية.

ورغم أن مؤرخين مرموقين يستعينون بالتاريخ الشفوي والشهادات الشفوية ضمن ضوابط حددها المنهج العلمي، إلا أن بني موريس ينكر هذا على عادل مناع، لأن التصرف بالتاريخ وكتابته حكر على السرد الصهيوني الذي يريد صياغة عالم الفلسطينيين وتاريخهم كما يحب ويشتهي.

يتهم بني موريس عادل مناع بعدم الحيادية، ومناع يعلن هذا بالمناسبة في مقدمته،إذ كيف يمكن للضحية أن يكون محايدا، ولماذا على وجهة نظر فلسطينية في التاريخ أن تنصرف عن نفسها وتنقل حكاية الآخر وأكاذيبه، متى كان بني موريس نفسه حياديا في التزامه بالرواية الصهيونية، قبل أن يصبح مؤرخا جديدا وبعد ارتداده.

وتبلغ الوقاحة بالمؤرخ الصهيوني تحت هذه الحجج أن يتمنى لو أن مناع التف على السرد الفلسطيني، والنتيجة معروفة طبعا، في ظل روايتين متناقضتين الالتفاف على إحداهما يقود لتبني الأخرى، ويتجرأ بني موريس على مطالبة مؤرخ فلسطيني بتبني روايته هو!

ولا يتردد بني موريس بمقارنة وموازاة نكبة الفلسطينيين وتشريدهم وذبحهم على يد الحركة الصهيونية بالهجمات التي شنها المواطنون الفلسطينيون دفاعا عن أنفسهم ضد عصابات تريد اقتلاعهم من وطنهم، ويتهم مناع بأن قصته بسيطة، وما هو المعقد أصلا في قصة اقتراع وطرد وذبح واحتلال؟

وفي المرة الوحيدة التي يقول فيها أن مناع محق في كلامه عن سياسة التمييز والالقيود والحكم العسكري سرعان ما يعود إلى السرد الصهيوني ليزعم أن هذا كان مبررا بحكم العداء الفلسطيني بلليشوف والسعي لتدميره، يعبث بني موريس بالتاريخ فعن أي يشوف يتحدث بعد قيام الدولة الصهيونية وأي خطر مثلته الأقلية الفلسطينية تحت الحكم العسكري الفاشي؟

يسرد بني موريس الأكاذيب الصهيونية الرسمية المعروفة: لم يكن هناك سياسة طرد، الفلسطينيين خرجوا بأوامر من قادتهم وغيرها من أكاذيب متجاهلا أن الهاغاناة نفسها وفي وثائق منشورة ومعروفة اعترفت بعمليات الطرد وبأوامر بن غوريون التطهيرية، وهي نفسها أي وثاق الهاغاناة التي يزعم بني موريس أنها تنفي الطرد.

حصرية بني موريس الصهيونية

فيي سياق دراسته لظاهرة المؤرخين الجدد يرى ايلان بايه أن الباحثين التاريخيين من إسرائيليين وعرب" سواء اعترفوا بذلك أم لم يعترفوا به، لن يكون في مقدورهم قط أن يتجردوا من مواقفهم إزاء النزاع في الوقت الراهن لدى توجههم لدراسة الماضي"

يبدو بني موريس مخلصاً لمقولة بايه ولكن من جهته فقط وينكرها على الفلسطينيين، ففي الوقت الذي يزعم المؤرخون الجدد أنهم يريدون التأثير على الوعي الإسرائيلي العام كما قال أمنون رازكركوتسكين، فان بيني موريس  الذي يصرح أنه قام بعمل صهيوني ،يدين سعي المؤرخين الفلسطينيين لهذا الهدف، أي التأثير على الوعي الفلسطيني العام بما يخدم  الرواية الفلسطينية، مفترضا(موريس) أنهم لم يبلغوا سن الرشد بعد وكتاباتهم غير ناضجة وغير موضوعية.

والسؤال : ما معنى النضج والموضوعية، هل هو القبول بروايته حتى لو كانت مختلفة عن الرواية الرسمية الإسرائيلية، وهل علينا القبول بروايتهم متجاهلين روايتنا الخاصة في الوقت الذي يتجلى الصراع بأحد أشكاله بأنه صراع للسيطرة على الذاكرة وكتابة التاريخ صراع بين روايتين وبالتالي بين وجودين، كل يسعى لتثبيت تاريخيته. وموريس هنا لا يريد فقط أن يمضي بالغنيمة وأن يورث روايته كمنتصر لأحفاده وإنما أيضاً يريد توريث هذه الرواية لأعدائه أيضاً، للمهزومين الضحايا أي لنا نحن الفلسطينيين على حد تعبير وليد الخالدي.  

بني موريس في زعمه يتجاهل الأعمال الهامة لمؤرخين فلسطينيين تناولوا الحقيقة، ولا ذنب لهم إن كانت الحقيقة متعارضة مطلقا مع الرواية الصهيونية، الكلاسيكية أو المعادة الإنتاج على يد بني موريس وزملاءه، هناك تجاهل تام ومقصود لأعمال الفلسطينيين بيان نويهض الحوت ومحمد عزة دروزة وماهر الشريف وروز ماري صايغ وكميل منصور  وحبيب قهوجي وأنيس صايغ وسليم تماري و غسان كنفاني واميل توما ورشيد ووليد خالدي وهذا الأخير  يعتبره موريس مجرد دعائي لأنه يعيد إخبارنا بما حدث فعلاً وغيرهم كثيرون وكذلك من غير الفلسطينيين ومنهم مثلاً ميخائيل بالومبو وتمار غوجانسكي وباميلا آن سميث وغيرهم عشرات.

لذلك يؤسس بني موريس  روايته على الأرشيف الصهيوني والمصادر الغربية، زاعماً طبعاً إنها الحقيقة لأنها الوحيدة المتاحة وهي تكفي عموما، ولإعفاء النفس  من الوقوف أمام احتمال مصادر أخرى لا يتعب نفسه حتى بمجرد الاعتراف بها، مفترضا أن لاوجود لأرشيف عربي أو ذاكرة عربية حول ما حدث، وأستغرب كيف لا يعتبر بني مورس هذه المزاعم شكلاً آخر من أشكال نفي الآخر ونكرانه، منتصر جديد يريد كتابة التاريخ على هواه.

وفي قضية الطرد يواصل بني موريس القول أن "ذلك ليس ما حدث بالضبط" ، السؤال هو ما الذي حدث إذن؟ نحن الفلسطينيين لدينا روايتنا ونحن مؤمنون بها ونعرف أنها حقيقية. يحاول موريس إعطاء تفسير إن ما حدث حدث نتيجة للحرب، حيث قسم من السكان لم يستطيعوا الصمود( الفلسطينيون) والقسم الآخر صمدوا (اليهود) فاستحقوا المكافأة.

وأجد نفسي مدفوعاً للقول أن هذا أسخف تحليل قرأته أو سمعته في حياتي ومحاولة بائسة لتغطية الشمس بغربال الصهيونية  المثقب في محاولة لنفي المسؤولية عن الذات وتبرئتها .